العنوان: معركة مدارس الأئمة والخطباء في تركيا مستمرة . البرلمان يصوّت لمصلحة مشروع الاقفال وتكاليف القرار تفوق بلايين الدولارات
الكاتب: محمود السيد الدغيم
جريدة الحياة، العدد: 12595، الصفحة: 7
تاريخ النشر: 21 ربيع الثاني 1418 هـ/ 24 آب/ أغسطس 1997م
تمهيد
بعد صراع سياسي عنيف وافق البرلمان التركي بغالبية 277 نائباً ومعارضة ٢٤٢ وغياب 27 نائباً على مشروع قانون يؤدي تطبيقه إلى خفض كبير لعدد مدارس الأئمة والخطباء.
وشكلت مسألة المدارس نقطة تصادم بين قيادة الجيش وحكومة نجم الدين أربكان وانتهت باستقالة الأخير (تحت الضغط) وتكليف مسعود يلماظ برئاسة الحكومة الجديدة.
ويتوقع أن ينقل مشروع القانون المعركة السياسية من البرلمان إلى الشارع في حال أصرت القوات العسكرية على انتهاج خط المواجهة مع الناس.
ويذكر أن مدارس الأئمة والخطباء من الصعب اقفالها، وإذا اقفلت ستكلف الدولة بلايين الدولارات.
إذ بلغ عددها 19 مدرسة سنة 1960م ثم ارتفع إلى 72 مدرسة سنة 1970، وفتحت 144 ثانوية شرعية في العام الدراسي 1975 – 1976م،
وفي العام الدراسي 1977 -1978م فتحت 86 ثانوية شرعية جديدة، وفي سنة 1980م صار عددها 374 مدرسة،
وفي سنة 1990م ارتفع العدد إلى 384 مدرسة،
وفي سنة 1995م ارتفع إلى 560 مدرسة،
وفي عام 1996- 1997م بلغ عددها 601 مدرسة إعدادية وثانوية.
وبلغ عدد الحاصلين على شهادة الاعدادية الشرعية: 600 ألف طالب وطالبة في الفترة الممتدة من سنة 1971م إلى سنة 1994م. أما خريجو الثانوية الشرعية فبلغ عددهم في الفترة نفسها 300 ألف طالب وطالبة. استهلك قرار اغلاق المدارس الشرعية ( الأئمة والخطباء ) قسطاً كبيراً من الجهود، إذ استمرت لجنة التعليم البرلمانية أكثر من عشرة أيام بمناقشة المشروع، وتم اللعب بتشكيل اللجان حتى أصبحت الأكثرية البرلمانية أقلية، حين تم رفع حزب تركيا الديموقراطية الداخل في الائتلاف إلى 20 نائباً، فصار له حق التمثيل في اللجان البرلمانية، وحرم حزب الوحدة الكبرى من التمثيل، لأنه لا يملك سوى ثمانية مقاعد برلمانية، فتم تمرير مسودة قرار إلزامية التعلم بعد عراك طويل في 21/٨/1997م، وأحيل إلى البرلمان فناقشه مدة ثلاثة أيام انتهت بالموافقة عليه.
وكان الرد الشعبي اطلاق مسيرات عمت المدن التركية بعد كل صلاة جمعة، وتم مجابهتها بخراطيم المياه وقنابل الغاز والهراوات وكلاب البوليس، وطائرات الهليكوبتر العسكرية، وسياسياً تعرض حزب يلماظ إلى هزة داخلية بانسحاب النائب كوركت أوزال اعتراضاً على المشروع، وصوت ضد القانون، وتبعه النائب علي جوشكون والنائب جميل جيجيك، وبهذا فُتح باب انسحاب آخر الاوزاليين من حزب الوطن الأم احتجاجاً على تحويل الحزب إلى مطية يركبها العسكريون.
أما الرفاه وحزب الطريق الصحيح وحزب الوحدة الكبرى فقد رفعوا دعوى إلى المحكمة الدستورية العليا لإسقاط قرار الزامية التعليم لثماني سنوات، لأنه غير شرعي، إذ يقضي بإلغاء المرحلة المتوسطة للمدارس الدينية والفنية والصناعية والزراعية ويضع التعليم التركي في أسوأ مرتبة عالمياً.
وكانت الحكومة التركية ( 54 ) برئاسة أربكان أجرت مسحاً للوضع التعليمي، فتبين أن التعليم الالزامي الرسمي في تركيا هو سبب تخلف البلد لا سيما في الأرياف والمحافظات النائية، إذ توجد 10 آلاف مدرسة ابتدائية بإدارة معلم وحيد، يدرّس خمسة صفوف ابتدائية.
لذلك قررت الحكومة السابقة انقاذ التعليم الابتدائي، فضاعفت المخصصات لوزارة التربية والتعليم، وساهمت البلديات التي يرأسها »الرفاهيون« بدعم المنشآت المدرسية، وقبل أن تثمر الخطة جاءت حكومة يلماظ فزادت الطين بلة، برفع سقف الزامية التعليم إلى ثماني سنوات بدلاً من خمس. وهذا يعني أن عدد صفوف مدارسة المعلم الوحيد سيرتفع، وسيدرس المعلم الوحيد ثمانية صفوف بدلاً من خمسة.
إلى ذلك، تتطلب الخطة الجديدة انشاء أبنية جديدة كثيرة، تعجز الدولة مالياً عن تنفيذها، لذلك قررت الاكتفاء بانشاء 63 مدرسة في محافظة أرضروم، و86 مدرسة في محافظة قارص، و57 مدرسة في محافظة ارزنجان، و٤٤ مدرسة في محافظة بين كول، و32 مدرسة في محافظة طونجلي، و72 مدرسة في محافظة موش.
وتوضح هذه الأرقام مدى عجز وزارة يلماظ عن تأمين احتياجات قرار رفع سقف التعليم الالزامي إلى ثماني سنوات.
لم يبق أمام مواطني تركيا سوى التعليم الخاص لإنقاذ ابنائهم من الجهل المفروض، لكن التعليم الخاص بعيد المنال بسبب ارتفاع الأقساط وفقر الشعب.
وتشير استطلاعات الرأي للعام 1997م ان 71 فاصلة 9 في المئة من الناس ليس لديهم مدخرات مصرفية، و30 في المئة من المواطنين ليس لديهم مساكن.
يتطلب رفع سقف الزامية التعليم، حسب تقدير وزارة يلماظ، ٢٢ ألف معلم للعام الحالي 1997م.
ويتطلب تعيين هؤلاء اعتماداً مالياً قيمته ٧ تريليون ليرة تركية، ويتطلب العام الدراسي 1998م ٤٥ ألف معلم، والعام 1999م يتطلب تعيين 52 ألف معلم، والعام 2000م يتطلب 63 ألف معلم.
وهذا يعني وجوب تأمين اعتمادات مالية قدرها 45 تريليون ليرة تركية ( الدولار يساوي: 162700 ليرة تركية حسب تسعيرة يوم ٥/٨/1997م، وتنخفض قيمة الليرة التركية يومياً جراء التضخم وارتفاع الفوائد الربوية ).
ومجموع الاحتياجات الفعلية التي تتطلبها خطة رفع سقف التعليم الالزامي حسب تقدير الخبراء 800 تريليون ليرة تركية، لأن الكلفة لا تقتصر على معاشات المعلمين، بل هناك المؤسسات والمستلزمات واللوازم المدرسية. وتفيد التقديرات الأولية ان رفع سقف التعليم الالزامي يحتاج في سنة 1997م إلى 72 تريليون ليرة تركية،
ويحتاج في العام 1998م إلى 290 تريليون ليرة تركية،
والعام 1999م يحتاج إلى 290 تريليون ليرة،
ويحتاج في العام 2000م إلى 350 تريليون ليرة تركية.
ويحتاج رفع سقف التعليم الالزامي خلال السنوات الثلاث المقبلة إلى تعيين ١٩١ ألف معلم ومعلمة، إضافة إلى المعلمين العاملين حالياً.
وهو ما يفرض على خزينة الدولة فتح اعتماد مالي قدره في الحد الأدنى 790 تريليون ليرة تركية، ويلزم لاستحداث وظائف لِشُعب جديدة مبلغ ١٤١ تريليون ليرة تركية، ويلزم لتغطية المشتريات والنقليات والطوارئ مبلغ 71 تريليون ليرة تركية.
يتضح أن وضع الخطة موضع التنفيذ يستوجب تأمين اعتمادات مالية قيمتها أكثر من كاتريليون ليرة تركية، وهذه النسب مبنية على احتمال تأمين معلم لكل ثلاثين تلميذاً، وهي نِسب تخمينية لأن عدد السكان مجهول، إذ لم يجر احصاء منذ سنة 1990م.
وزيادة عدد الطلاب تقتضي زيادة استحداث وظائف جديدة وذلك يستلزم اعتمادات مالية أخرى.
والأمر يعني المزيد من العجز المالي والتضخم النقدي والخلل في ميزان المدفوعات التركية. ونظراً لعجز الخزينة التركية عن تأمين الاعتمادات اللازمة، طلبت الحكومة تبرعات تساعدها على ايجاد البديل للتعليم الإسلامي، واستطاعت ان تحصل من بورصة اسطنبول على وعد بمبلغ 32 تريليون ليرة، حسب ما أعلنه رئيس البورصة طونجاي ارطون.
وبعد ذلك بيومين أصابته سكتة قلبية أدت إلى وفاته في المستشفى الأميركي في اسطنبول في ٥/٨/1997م. ولما كانت الخزينة التركية نهباً للعسكريين والسياسيين العلمانيين، قررت وزارة يلماظ تحميل المواطن التركي الجائع تبعة قرار تحديد إلزامية التعليم، ولم تجد حلاً سوى المزيد من الضرائب وأحدثها »ضريبة التعليم« ومن أمثلتها:
١/ إضافة عشرة ملايين ليرة تركية على سعر كل سيارة تباع.
٢/ إضافة عشرة آلاف ليرة تركية على كل بطاقة من بطاقات الرهان على سباق الخيل.
٣/ إضافة عشرة آلاف ليرة تركية على كل بطاقة يانصيب.
٤/ إضافة ضريبة مقدارها خمسة ملايين ليرة تركية على كل عقد ( طابو ) من عقود بيع وشراء الأملاك من أراض وبيوت ومرافق أخرى.
٥/ 15 دولاراً ضريبة على كل مواطن يغادر تركيا للسياحة أو غيرها.
٦/ إضافة عشرة في المئة على أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية كضريبة تعليم.
٧/ إضافة 10 في المئة على قطاعات الهواتف، ودفع نصف مليون ليرة تركية ضريبة على كل هاتف نقال.
٨/ إضافة نصف مليون ليرة تركية على كل بطاقة سفر جوي.
٩/ دفع نصف مليون ليرة تركية على كل معاملة رسمية.
٠١/ الاستحواذ على عشرة في المئة من مردود دعايات وسائل الاعلام.
١١/ فرض دفع عشرة ملايين ليرة تركية على كل رخصة صيد.
٢١/ فرض ضرائب على الكتب والمكتبات.
ولا تنتهي قوائم الضرائب عند هذا الحد، فهنالك الكثير من الضرائب التي حاصرت المواطن التركي الذي يضطر إلى ادخال الأطفال مجال الأعمال الشاقة إلى درجة وضعت تركيا في موقع أسوأ من نيكاراغوا حسب التقارير التي نشرتها وسائل الاعلام التركية.
المدراس الاجنبية
في وقت تقوم فيه حكومة يلماظ، بتغطية من قيادة العسكر، على اقفال مدارس الائمة والخطباء تستمر المدارس الأجنبية في نشاطها بشكل عادي.
وجاء في كتاب »استانبول رهبر سياحين« باللغة العثمانية لمؤلفه أرنست مانبوري المنشور سنة 1925، ( ص 539 / 541 ). توجد في اسطنبول مدارس أجنبية هي:
سان بنوآ، سانت بول تشيري، سان لويس، سان ميشيل، آصو مبسيونيست، الفرير، نوتردام دو سييون، سانت اليزابيت، جان دارك. وغير ذلك من المدارس الفرنسية والألمانية والايطالية والنمسوية والانكليزية، الى المدرسة الأميركية في تبة رومللي حصار، ومدرسة الهندسة.
هذا في مطلع القرن. اما في نهايته فإن المدارس الأجنبية التي لن تخضع للتدخل الرسمي التركي للعام الدراسي 1997 / 1998م وهي:
1/ ثانوية روبرت. 2/ الثانوية الألمانية. 3/ الثانوية الأميركية في أسكدار. 4/ ثانوية سانت جورج. 5/ ثانوية سانت جوزيف. 6/ الثانوية الفرنسية ( D.De.Sion ). 7/ المدرسة الايطالية. 8/ الثانوية الايطالية. 9/ معهد سان ميشيل. 10/ معهد سان بوتشيري.