المجالس الرمضانية في جريدة الحياة اللندنية: الأرشيف العثماني
مرجع للبلقان وحوض المتوسط
،، الجمعة 26 أيلول/ سبتمبر 2008م، الموافق 26 رمضان 1429 هـ/ العدد: 16611 د. محمود السيد الدغيم. رجاءً اضغط على الصورة لتكبيرها . büyük resim için lütfen tıklayınız
  
 

RamadanMajalis.JPG

*****

رابط قراءة وتحميل جريدة الحياة بي دي اف

اضغط هنا

*****

الحلقة الأولى

اضغط هنا

***** 

إن أهمّ ما تتميز به الأرشيفات ودُور المحفوظات التركية العثمانية أنها تُمثِّل نقطةَ البدايةِ في علوم ومعارف المجتمعات الْمُتعدِّدة، ومصدر المعلومات الأولى فيها.

ومن هذا المنطلق فإن تاريخ الدول والشعوب إنما هو محفوظ في أرشيفاتها التي نَجَتْ من عوادي الزمن، والتي هي بمثابة الملامح المميزة للهوية في حياة الدُّول والأمم والشعوب والأفراد الذين تخُصُّهم.توجد في تركيا مادة أرشيفية غنية موروثة عن الدولة العثمانية التي وُلد مؤسسها عثمان الأول سنة 656 هـ/ 1258م، أي في نفس السنة التي اجتاح بها هولاكو مدينة بغداد دار السلام، وبالإضافة إلى هذا الامتداد الزمي الشاقولي الموغل في القِدَم، فقد امتدت الدولةُ العثمانية أُفُقياًّ فشملت أراضيها رقعةً جغرافية شاسعة في ثلاث قارات هي آسيا وإفريقيا وأوروبا، واستمرَّ حُكْمُها حتى سنة 1923م، وانضوتْ تحت لوائها شعوبٌ وقبائل متعدِّدة الأعراق واللغات والأديان والمذاهب والنِّحَل.

*****

إن من الخطأ الثقافي والتراثي والإنساني أن يَنْظُر غَيْرُ الأتراك إلى التراث العثماني باعتباره تراثاً تركياًّ فحسب، لأن هذه المادة الأرشيفية لا تعني تركيا وحدها، وإنما تمثل أيضاً المصدر الوحيد الموثوق الذي يمكن الرجوع إليه في التثبُّت من التاريخ المشترك والوطني للعديد من الشعوب التي أقامت دولاً مُستقلة في القارات الثلاث بعد إلغاء السلطنة العثمانية والخلافة الإسلامية.

فالمصادر التاريخية الأولية والأصلية لتلك الدول موجودة في المحفوظات التركية حالياً، ولا سيما ما يخصُّ دولَ البلقان وحوض البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا ووادي النيل وبلاد الشام والجزيرة العربية، وتوجد الوثائق محفوظة في الأرشيف العثماني، ولعلَّ من الأمور المضحكة في الجامعات العربية أن الذين يُدرّسون التاريخ العثماني يجهلون اللغة التي كُتبَ بها ذلك التاريخ، فيلجؤون في كتابة التاريخ العثماني إلى لغات الأمم التي عادت الدولة العثمانية، ولذلك تأتي كتاباتهم مُشوَّهَةً ومُشوِّهَةً في نفس الوقت، ويمتدُّ ذلك التشويه إلى عقول الناشئة من الطلبة الذين يتلقون تلك المعلومات المغلوطة.

إذن فإن أعظم ما يُميز الأرشيف العثماني هو مع ما يحمِل من أهمية لتركيا أنه أيضاً يحوزُ قيمة فريدةً لدى ما يقرُب من أربعين دولةً مُستقلة اليوم في الشرق الأوسط والأدنى وفي البلقان وحوض البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا والعالم العربي، إذ يمكن من خلال الأرشيف والوثائق والمخطوطات العثمانية إلقاء الضوء على التاريخ الإنساني الديني والثقافي والاقتصادي والسياسي والعسكري لتلك الدول، والأرشيف مفيدٌ في إثبات الحقوق الدولية فضلاً عن تشكيله المستند القانوني عند الضرورة لإثبات حقوق المواطنين في الملكية والأنساب أيضاً.

 

وفي الوقت الراهن يشعرُ الباحثون والمؤرخون في تلك الدول بحاجتهم الشديدة للعمل والبحث في الأرشيف العثماني حتى يمكنهم إقامة أرشيفاتهم الوطنية ودراسة المسائل المتعلقة بوجودهم وكيانهم والعلوم والمعارف التي كانت سائدة في مجتمعاتهم، والتثبُّت من كل ذلك وتقييمه يتطلّبُ إحياء ذلك التراث بترجمته ونشره وتوفيره للباحثين والقرّاء.

ومما لا شك فيه أن "رئاسة دائرة الأرشيف العثماني" التابعة للإدارة العامة لدور المحفوظات برئاسة الوزراء التركية هي أكثر الأرشيفات التركية غنىً وثراءً في المادة الأرشيفية التي خلفتها الدولة العثمانية، وذلك بسبب وجود العاصمة العثمانية وما يتبعها في مدينة إستانبول.

وبالنظر إلى طبيعة المادة الأرشيفية التي يضمُّها هذا الأرشيف من سجلات ودفاتر ووثائق ترْجِع إلى الديوان الهمايوني والباب الدفتري والباب الآصفي (الباب العالي) وغيرها من مختلف الدوائر والأقلام التابعة لها في أجهزة السلطة المركزية نرى أن الأرشيف المذكور يحمِل ولا شك صفة أرشيف الدولة المتطورة بالنسبة لذلك العهد، بلْ إن التوثيق العثماني كان أفضل أنواع التوثيق عالمياًّ.

وما عدا أرشيف رئاسة الوزراء العثماني يوجد أرشيف سراي طوپ قاپى الذي كان بمثابة أرشيف السراي العثماني، وكذلك أرشيف الأوقاف الذي يضم وثائق وسجلات الوقفيات الخاصة بالأوقاف التي كانت بمثابة المؤسسات الخيرية في البُنية الاجتماعية العثمانية، وأرشيف السجلات الشرعية الذي يضمُّ الأحكام الصادرة عن القضاة في المحاكم الشرعية ونُصوص الْحجَجِ والإجراءات والمعاملات وغير ذلك، وأرشيف الطابو والمساحة الذي يضمُّ دفاتر الطابو والتحرير (التسجيل) وأوراق المعاملات المتعلقة بها، وهذه الأرشيفات كما يبدو مما تحتويه من مادة أرشيفية هي ذات طبيعة خاصة وأهمية خاصة تتطلّبُ جهوداً خاصّةً أيضاً، فهل من مُجيب؟.

  صفحات عربية عثمانية مضيئة يلفها النسيان جرّاء الجهل والتعتيم

يحتفظ أرشيفُ رئاسة الوزراء العثماني بوثائق أرشيفية مُتنوعة وقيِّمة جداًّ، ويجري تقديمها حالياً بيُسْرٍ لخدمة الباحثين المحليين والأجانب. وقد صدرتْ حتى اليوم أربعةُ أدلّة أو فهارس حول أرشيف رئاسة الوزراء* أوَّلُها الدليلُ الذي وضعه مدحت سرت أوغلى  بعنوان "أرشيف الباش وكالت من حيث المحتوى"، وهو دليلٌ جرى إعداده بقصد تمكين الباحثين من المادة الأرشيفية المتاحة في الأرشيف، كلٌ بحسب تخصّصِه والمجال الذي يبحث فيه.

وهذا الدليل يحمِل هوية فهرس كلاسيكي بالنسبة لأعمال التصنيف التي جرَتْ في أرشيف رئاسة الوزراء العثماني على مدى خمسةٍ وعشرين عاماً، وهو مفيدٌ كذلك للباحثين في هذا الأرشيف على مختلف أنواعهم ومشاربهم.

والدليلُ الثاني في هذا المجال يتمثَّل في الكتاب الذي أعدَّه الدكتور آتيلا چتين تحت عنوان "دليل أرشيف رئاسة الوزراء العثماني"، واستعرض فيه المادة الأرشيفية التي مُتاحةً مما يضمُّه هذا الأرشيف والتصانيف المختلفة فيه، وتحدَّث ذلك الدليل عن الأقسام المفتوحة للباحثين حينذاك وأعمال التصنيف الجارية وغير ذلك. ومن ثم يُعتبرُ ذلك الدليل تتِمَّةً للدليل السابق وامتداداً له.

والدليلُ الثالث هو الذي صدر عن مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية باستانبول (إرسيكا)، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي. فقد كَلَّفَ هذا المركزُ كلاً من عصمت بينارق ونجاتي آقطاش بإعداد الدليل، ثم قام الدكتور صالح سعداوي الباحث في المركز بترجمته ليصدر لأول مرة في تاريخ الأرشيف العثماني باللغة العربية ويخاطب الباحثين العرب في هذا المجال، ويتيح لهم ما كان متوفراً حينذاك من معلومات أرشيفية.لقد استعرض ذلك الدليلُ المادة المحفوظة في الأرشيف والتصانيف المختلفة والأقسام التي كانت مفتوحة منها لخدمة الباحثين مع التعريف بها والإشارة بشكلٍ منظَّم في الوقت نفسه إلى تاريخ الأجهزة والتشكيلات المركزية في الدولة العثمانية، كما رُوعيت في ذلك الدليل بالدرجة الأولى كيفيةُ تمكين الباحثين بأيسر الطرُق من الوصول إلى المادة الأرشيفية المحفوظة في الأرشيف والإستفادة منها.

ورغم أن هذه الأدلة (الفهارس) المذكورة وُضِعت لتكون مصادر يرجعُ إليها الباحثون في الأرشيف العثماني من محليين وأجانب إلاّ أنها لم تعكس بطبيعة الحال إلاّ أعمالَ التصنيف التي تَمَّتْ في الأرشيف العثماني حتى لحظة ظهور تلك الأدلة. فقد صدر آخرُها في سنة 1986م، ثم جرى بعد ذلك تعيين موظفين جُدد في الأرشيف سنة 1987م  مما دفع بأعمال التصنيف إلى الأمام، فظهرت وثائق جديدة وفهارس جديدة تتحدث عن الوثائق المكتشفة، وجرى فتحُ الأقسام التي انتهت أعمالُ التصنيف فيها لخدمة الباحثين.

وعلى هذا الأساس ظهرت الحاجةُ من جديد لدليلٍ أو فهرسٍ رابع يستوعب تلك الأقسام الجديدة، فصدر باللغة التركية عن رئاسة دائرة الأرشيف العثماني في عام 1992م فهرس يحملُ اسم "دليل أرشيف رئاسة الوزراء العثماني".

غير أن هذا الدليل الرابع لم يلبث أن نفد بعد مدة قصيرة، كما انتهى العملُ خلال الفترة الماضية من تصنيف أقسام كثيرة في الأرشيف وتَمّت إتاحتُها لخدمة الباحثين، ومن ثم ظهرت الحاجةُ مرةً أخرى لطبعة موسَّعة جديدة من ذلك الدليل تضمُّ معلومات عن تلك الأقسام المفتوحة الجديدة.

 فتمّ إعدادُ دليلٍ جديد باللغة التركية من أجل تعريف الباحثين الأتراك والأجانب بالأرشيف العثماني، وتقديم المعلومات اللازمة حول الأقسام الجديدة المفتوحة من الأرشيف، وعرض ذلك الدليلُ أحدثَ المعلومات المستجدّة في أعمال التصنيف بوجهٍ خاصّ لخدمة الباحثين والدارسين، وقد تَمَّتْ ترجمةُ هذا الدليل إلى اللغة العربية، وقام بترجمته الدكتور صالح سعداوي كبير المترجمين في مركز إرسيكا في قصر يلدز في إستانبول، وصدر مطبوعاً باللغة العربية في مجلدٍ واحدٍ.  

 

يضم هذا الدليل الذي صدر باللغة العربية مدخلاً وأربعة أبواب، ثم قسماً للملاحق والكشافات وغير ذلك. وفي قسم المدخل يجري الحديث عن فكر التوثيق في الدولة العثمانية، ومسألة العناية اللازمة للمحافظة على الأوراق الرسمية والمستندات، والمسيرة التاريخية التي قطعتها الأرشيفات ودور المحفوظات العثمانية، ثم يقدِّم بعض المعلومات الإيضاحية حول التصانيف التي أُنجزت في "خزانة الأوراق" حتى اليوم.وقد كانت أسماء الأقلام والدوائر الحكومية حجرَ الأساس في إعداد سلسلات الدفاتر والوثائق؛ إذْ تَمَّ وضعُ كافة الدفاتر والوثائق الخاصة بكلِّ قلمٍ بعينه تحت عنوان واحد مهما تعدّدت الفهارس التي تضمُّها تلك الأقلامُ المتعدّدة والمتنوّعة.

وفي الباب الأول من الفهرس معلومات عن دفاتر الديوان الهمايوني، والباب الآصفي، والدفترخانة العامرة، والباب الدفتري، والباب العالي، وسراي يلديز، وكذلك الدفاتر الخاصة بالنظارات والولايات ـ هيئات التفتيش (أرشيفات الأقاليم) والدوائر الكبرى، وغيرها من مجموعات الدفاتر المختلفة.

أما مجموعات الدفاتر والوثائق التي تحمل نفس الاسم فقد تَمَّ بقدر الإمكان وضْعُها في باب الدفاتر.

وفي الباب الثاني توجدُ معلوماتٌ عن وثائق الديوان الهمايوني، والباب الآصفي، والدفترخانة العامرة، والباب الدفتري، والباب العالي، وسراي يلديز، وكذلك وثائق النظارات والولايات ـ هيئات التفتيش (أرشيفات الأقاليم)، وكذلك وثائق الدوائر الكبرى، ووثائق تصنيف علي أميري، وتصنيف ابن الأمين وغيرها من مجموعات الوثائق الأخرى.وضمّ الباب الثالث معلومات عن الخرائط والمخططات، والرسومات المعمارية، وعن مجموعات الألبومات والصور الفوتوغرافية، والمواد الأرشيفية الخاصة ببعض الشخصيات مثل أوراق علي فؤاد تورك گلدي، وأوراق الأستاذ الدكتور جاويد بايصون وغيرهما، وكذلك المواد الأرشيفية القادمة من أنحاء مختلفة داخل تركيا وخارجها، كما تحدث هذا الباب عن الفهارس والكتالوكات.

وفي الباب الرابع حديث عن التركيب الإداري للمديرية العامة لدُور المحفوظات الحكومية، والقوانين المتعلقة بالخدمات التي تقدِّمها دُور المحفوظات، ومعلومات أولية مُقدَّمة للباحثين، والأسس والقواعد التي يخضع لها كلُّ مَن يريد القيام ببحثٍ داخلَ تلك الأرشيفات، وغير ذلك من المعلومات التي تُشكّلُ دليلاً مرجعياًّ للباحثين.

وفي قسم "الملاحق" أتيحَ تقديمُ جدولين لخدمة البحث والباحثين؛ أحدهما يتضمّن أسماء السلاطين وفترات سلطنتهم مع أسماء الصدور العظام وسنوات عملهم، والثاني يتضمن تقويماً هجريا ميلاديا روميا، وقد تَمَّ تنظيمُه لكلِّ عشر سنوات ابتداءً من عهد السلطان سليمان القانوني حتى القرن التاسع عشر، ولكلِّ عام من القرن التاسع عشر حتى انتهاء الدولة العثمانية.

وقد رُوعِي أثناء إعداد الكشاف أن يكون كشافاً مفصّلاً حتى يساعد الباحث على الوصول إلى مجموعة الوثائق أو الدفاتر التي يودُّ الوصول إليها دون عناء.

فإذا كان الباحث يبحث في موضوعٍ بعينه أو يطلب مجموعةً من الدفاتر أو الوثائق بعينها فليس عليه إلاّ النظر في هذا الكشاف مع فهرس المحتويات، فهُما يُرشدانه كي يصِلَ إلى مُبتغاه من أقصَرِ الطُّرُق.

وقد تعذّرت مسألة تقديم كافة مجموعات الدفاتر بتمامها على شكل قائمة مفتوحة، ولهذا يجب على الباحث أن يقوم بتمشيط فهارس الدفاتر الموجودة في الأرشيف العثماني؛ والتي ليس لها قائمة في الدليل الصادر باللغة العربية.   ومهما يكن فإن صدور هذا الدليل ييسر على الباحثين العرب معرفة الطريق التي توصلهم إلى ما يبتغون من وثائق، والمحظوظ منهم هو الذي يستطيع قراءةَ تلك الوثائق وفَهْمَ مُحتوياتها، وما ذلك بعسير على ذوي الْهِمَمِ العالية إذْ يُمْكِنُ للراغبين بدراسة اللغة العثمانية أن يدرسوها وذلك باتباع دورات تُقيمها البلدياتُ وبعضُ المكتبات كمكتبة السليمانية في استانبول التي تقيم دورات منتظمة لتعليم اللغة العثمانية قراءة وكتابة، وبشكل شبه مجاني.

------------------*هامش: هي على النحو التالي: – Mithat SERTOĞLU, Muhteva Bakımından Başvekâlet Arşivi, Ankara 1955, XVI+90 s. – Atillâ ÇETİN, Başbakanlık Arşivi Kılavuzu, İstanbul 1979, XV+172 s. (Eser, İtalyanca'ya da tercüme edilmiştir).ـــ نجاتي آقطاش، عصمت بينارق: الأرشيف العثماني (إشراف أكمل الدين احسان أوغلى وترجمه من التركية إلى العربية الدكتور صالح سعداوي)، عمان/ الأردن 1406هـ/ 1986م (521 صحيفة).–Yusuf İhsan GENÇ–Abdülmecid MUTAF vd., Başbakanlık Osmanlı Arşivi Rehberi, Ankara 1992, XXVI+634 s  

*****

****  
thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16433538
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة