للقراءة والتحميل : ملك التتار هولاكو وسلالته الإيلخانية،  وما ألحقته من أذى ببلاد العرب والمسلمين. د. محمود السيد الدغيم . الاثنين 29 أيلول/ سبتمبر 2008م، الموافق 29 رمضان 1429 هـ/ العدد 16614 رجاءً اضغط على الصورة لتكبيرها . büyük resim için lütfen tıklayınız   : ALHAYAT MONDAY 29 SEPTEMBER 2008 ISSUE NO 16614

RamadanMajalis.JPG

   

 

  

رابط جريدة الحياة

اضغط هنا   

 

ملك التتار هولاكو وسلالته الإيلخانية وما ألحقته من أذى ببلاد العرب والمسلمين  يشكّل السَّفّاح هولاكو رمزًا من رموز الطُّغاة الذين عاثوا فساداً في الأرض، فآذوا البشر والحجر، ودمّروا البلاد، واستعبدوا العباد، ومع أنّ وصْف هولاكو بصِفة الطاغية في محلِّه إلاّ أنَّ صورته ضبابية غير واضحة المعالم لدي العرب والمسلمين، وأحَدُ أسباب تلك الضبابية هي الجهل الذي أعقب فترة اجتياحه لبلاد العرب والمسلمين لأن هولاكو كان من ألدِّ أعداء العِلم والعُلماء، وعُرفَ عنه أنه يترك وراءه أرضاً بُوراً من العلوم والمعارف، ولكنّ دوافع تلك الوحشية غيرُ واضحةِ المَعالم لدى الكثيرين من المُعاصرين، ولاسيما أولئك الذين اكتفوا بالجرعات التاريخية الجاهزة التي حقنهم بها المستشرقون والمستغربون الذين كتبوا ما كتبوه تحت تأثير الآيديولجيا التضليلية، وغلّفوا كتاباتهم بأغلفةِ الدراسات العقلية، والأكاديمية، والحيادِ الزائف، وما ذلك إلا بهدف التضليل والتجهيل، والأمرُ الذي ساعد على ذلك هو عدَمُ استقراءِ العرب والمسلمين لما بَقِيَ من تُراثِهم المخطوط على الرقوق والورق، والمنقوش على الحجارة والمعادن والأخشاب.

 

 فالكسلُ سيّدُ الموقف لدى العرب والمسلمين، وكأنهم ليسوا من أحفاد أولئك العلماء الذين اكتشفوا بيضوية الأرض قبل كوبرنيكوس، والدورة الدموية قبل أوروبا، وحدّدوا مواقعَ النجوم بالعيون المجردة، ومازالت مُصطلحاتهم شاهدةً على عُلُوِّ قدرهم في مجالات العلوم والمعارف النقلية والعقلية.

 

 أما المُعاصرون، فمُعظمُهم يكتفي بترديد ما يترجِمُهُ له المُترجمون بوعي أو من دون وعي، وهذا ما دفع بعضَ المُحبطين والمثبِّطين إلى إطلاق دعايات من قَبِيْلِ استقالةِ العقل العربي تمهيدًا إلى إقالة العرب من الإطار الحضاري للعالم المُعاصر حتى أنَّ بعضهم يظنّ هولاكو وجنكيز خان شخصيةً واحدةً أو أسطورةً من أساطير الأولين التي أنتجها الخيالُ الشعبيُّ في غفلة من غفلات الزمن.  وللعِلم فإن جنكيز خان هو تيموجين بن يسوكاي بهادر مؤسس إمبراطورية المغول وخاقانها الأكبر، وواحد من أقسى الغزاة الذين نُكِبَتْ بهم البشرية، وارتكب من المَذابح ما تقشعر لهولها الأبدان، وكان موته سنة 624هـ/ 1226م.

 

 ولعلّ القطيعة اللغوية سببٌ من أسباب الجهل بالآخرين لأنّاللغات تشكّلُ حواجز تحُولُ دون التلاقح الحضاري بين الشعوب، ولا يُحطّمُ هذه الحواجز اللغوية إلاّ الذين يُتقنون أكثرَ من لِسانٍ من ألسِنة الشُّعوب المَيتة أو الحيّة، وقد قام المخلصون من المترجمين بدور أساسي في تطوُّرِ التلاقُحِ الحضاري والثقافي والمَعرفي عَبْرَ التاريخ، واهتمَّ المُسلِمون بمعرفة ألْسِنةِ الأقوام الأُخرى، واعتبرها الفقهاءُ من الفروض على الكِفاية، وليستْ فرض عَيْن.  

 

وقد ورد ذكر اللغات في القرآن الكريم في قوله تعالى: " وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ" سورة الروم، الآية: 22. قال الطبري في تفسيره: "يقول: واختلاف منطق ألسنتكم ولغاتها (وَأَلْوَانِكُمْ) يقول: واختلاف ألوان أجسامكم (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ للْعالِمِينَ) يقول: إن في فعله ذلك كذلك لَعِبَراً وأدلَّةً لِخَلْقِهِ الذين يعقلون أنه لا يُعييه إعادتهم لِهيئتهم التي كانوا بها قَبْلَ مماتِهم مِن بعد فنائِهم..".

 ويُستفاد من الآية دليل على القدرة الربانية على تنوُّع خَلْقِ المخلوقات لتكون عِبرة لكلِّ ذي عِلمٍ وبصيرة. وقد أمَرَ رسولُ الله محمد صلى الله عليه وسلم المُسلمين بتعَلُّمِ اللغات الأعجمية ابتداءً بالصَّحابة رِضوان الله عليهم أجمعين، فقد روى البُخاري والترمذي واللفظُ له عن "خارجة بن زيد بن ثابت" عن أبيه قال: أمرَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ أتعلَّمَ لَهُ كلمات من كِتَابِ يَهُود، وقال: إنِّي والله ما آمنُ يَهُودَ على كِتابي، قال: فمَا مَرَّ بِي نِصفُ شهرٍ حتى تعلَّمتُهُ لَهُ، قال: تعلَّمتُهُ، كان إذا كَتَبَ إلى يهود كَتَبْتُ إليهم، وإذا كَتَبُوا إليهِ قرأتُ لهُ كِتَابَهم" قال الترمذيّ: هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ، وقد رواه الأعمشُ عن ثابت بن عُبيد، عن زيد بن ثابت يقول: "أمرني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ أتعلَّمَ السِّريانيّةََ". انظر البخاري في كتاب الأحكام؛ باب ترجمة الكلام؛ ج:13/ ص:185. وسنن الترمذي؛ ج:4/ ص:167، في كتاب الاستئذان والآداب، باب في تعليم السريانية.

  والأدلّة كثيرة على معرفة الصّحابة بلُغات الأعاجم، فقد كان أمير المؤمنين عُمر بن الخطاب رضي الله عنه يعرف اللغة العبرانية، وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعرف لغة الزُّط الهنود، وكان العربُ في الجاهلية يتاجرون مع الروم والفرس والأحباش والأقباط والتجارة تتطلّبُ معرفة اللغات لعقد الصفقات، فالأدلَّة كثيرةٌ على ضرورة تعلُّم اللغات، وتُلحقُ بهذا الباب الحِكمة القائلة: "مَن تعلّمَ لغة قومٍ أمِنَ مكرهم، وكسب عِلْمَهم" وطلبُ العلم واجبٌ على مَن استطاع. لقد أتقن العربُ لغات الأمم المجاورة، واكتسبوا من علوم تلك الأمم، ونشطت حركة الترجمة العلمية والأدبية والفلسفية على أيدي العرب والمُستعربين، وتفاوتت درجاتُ الدّقة بين تلك الترجمات، فكان أفضلها الذي صدَرَ عن إخلاص النيَّة، وكان أسوأها ما صدَرَ عن أهواءٍ وغايات وبِدَعٍ تُبلبلُ عقائِدَ الناس، وتورثهم اضطرابَ التفكير جرَّاء التوهُّمِ والتشكيك. وأما لغاتُ الأمم التي كانت بعيدة عن ديار المُسلمين وفتوحاتهم فكان الاهتمامُ بها ضعيفاً، ومن تلك اللغات لغة المغول، فالإشارات إليهم موجودة ولكنَّها غير واضحة المعالم كما هو الحال في الإشارات إلى الأقوام التي اهتمّ المُسلمون بلُغاتها جراءَ الاختلاط والمُعايشة، فهنالك لإشارات إلى قبائل "الهُون" الأتراك، ولكن المؤرخين العرب يُسمونهم: "الهياطلة" وهؤلاء شكّلوا إمبراطورية امتدّت من سُهوب آسيا إلى أوروبا، وبلغت مجدَها في عهد إمبراطورهم أَتِّيْلا بن موندزوك بعدما انتصر على بيزنطة سنة 441م، ولكن هزمته قواتُ اتحاد الرومان والقُوط والفِرنجة سنة 451م، وبعد ذلك بسَنةٍ احتلَّ ميلانو الإيطالية، وفرض الجزية على ليون الأول بابا روما، وخلّد الرسامُ رُوفائيل لِقاء أتيلا بالبابا بلوحةٍ مرسومةٍ في قصْرِ الفاتيكان، ثم مات أتيلا في أيام زفافه على عروس جرمانية سنة 453م، وكان أتيلا يتقن لغات التُّرك كما كان يُتقن اللغة اللاتينية أيضاً، وكان طريق غزواته يتجه من آسيا غرباً ويمرُّ بالمناطق الروسية والأوكرانية ثم البلقان، وقد أنتج مرورُ قواته تلك الشعوب الهجينة جراء الاختلاط الآسيوي الأوروبي.

 

 أما هولاكو المنغولي، فمعالم صورته غير واضحة في مُعظم المصادر والمراجع العربية، ومع ذلك فقد تمّ إدراج ترجمته في كتاب فوات الوفيات، تاليف صلاح الدين محمد بن شاكر بن أحمد الكتبي الدمشقي؛ تحقيق احسان عباس؛ وتلميذته وداد القاضي، ومنشورات دار صادر في بيروت سنة 1973م، وكانت وفاة ابن شاكر في اليوم الحادي عشرَ من شهر رمضان، سنةَ: 764هـ، الموافق لليوم الـ 23، من شهر حزيران/ يونيو، سنة: 1363م.

 

وابن شاكر الكتبي هو أحد أعلام القرن الثامن الهجري، وكان مؤرخاً أديباً تاجراً، وقد وُلِدَ في بلدة داريا القريبة من مدينة دمشق، ونشأ وتوفي بدمشق، وله كتب كثيرة، أشهرها: عيون التواريخ، وفوات الوفيات . وقد جاءت ترجمة هولاكو في تراجم حرف الهاء من كتاب فوات الوفيات على النحو التالي: "هولاكو بن تولي قان بن جنكيز خان ملك التتار ومُقدَّمِهم؛ كان طاغيةً من أعظم ملوك التتار، وكان شُجاعاً مِقداماً حازماً مُدبِّراً ذا هِمّة عالية وسَطوةٍ ومَهابةٍ وخِبرةٍ بالحُروب ومَحبَّة في العلوم العقلية من غير أنْ يتعقّل منها شيئاً. اجتمع عنده جماعةٌ من فُضلاء العالم، وجَمَعَ حُكماء مملكته وأمرَهُمْ أنْ يرصدوا الكواكب، وكان يُطلقُ الكثيرَ من الأموال والبلاد، وهو على قاعِدَةِ (قُدماء) التُّرْكِ في عَدَمِ التقيُّدِ بدين، لكن زوجَته تنصَّرَتْ.

 

 وكان سعيداً في حُروبه، طوّف البلاد واستولى على المَمالك في أيسر مُدَّةٍ. وفتح بلادَ خُراسان وفارس وأذربيجان وعِراقَ العَجم وعِراقَ العرب والشامَ والجزيرة والرومَ وديارَ بكر، وقَتَلَ الخليفة المُستعْصِمَ بالله العباسي؛ وأمراءَ العراق، وصاحبَ الشام، وصاحبَ ميافارقين.

 

 قال الظهيرُ الكازروني: حكى النَّجْمُ أحمدُ بنُ البواب النقاش نزيل مراغة قال: عزمَ هولاكو على زواج بنت ملك الكُرْجِ فَأَبَتْ حتى يُسْلِمَ فقال: عَرِّفونِيْ مَا أقولُ، فعرَضوا عليه الشهادتينِ فأقرَّ بِهِمَا، وشَهِدَ عليه بذلك خواجا نصير الدين الطوسي، وفَخْرُ الدين المُنجِّم، فلما بلغها ذلك أجابتْ، فحَضرَ القاضي فخرُ الدين الخلاطيُّ، وتوكَّل لهَا النَّصيرُ الطوسي، وتوكّل لهولاكو الفخرُ المُنجِّمُ، وعقدوا العقدَ باسم ماما خاتون بنت الملك داود إيواني على ثلاثين ألف دينار؛ قال ابن البواب: وأنا كتبتُ الكتابَ في ثوب أطلس أبيض.

 

 وتوفي هولاكو بعِلَّة الصَّرع، وأخفوا موته، وصبَّروه وجعلوه في تابوت، وكان ابنه أبُغا غائباً فطلبوه المغول وملَّكوه، وهلك هولاكو وله سُتون سنةً أو نحوَها في سنة 664 هـ / 1266م، وخلّفَ من الأولاد سبعة عشر ولداً سوى البنات، وهم: أبُغا وأشموط وتمنين وتكسي وأجاي وتسنتر (ومنكوتمر الذي التقى هو والملك المنصور قلاوون على حمص وانهزم جريحاً)؛ وباكودر وأرغون ونغاي دمر، والملك أحمد. وقد جَمَعَ صاحبُ الديوان كتاباً في أخبارهم وهو عندي في مجلد".

 

 يتّضحُ لنا من هذه الترجمة أن هولاكو آمن على يد نصير الطوسي، وصار من مريديه المطيعين، فبنى له مرصد مراغة المشهور، ويتّضح أن مكتبة ابن شاكر كانت تضمّ تاريخ أسرة هولاكو الرسمي الصادر عن ديوان مملكته الإيلخانية التي اجتاحت العراقين والشام والأناضول، وارتكبت الموبقات في عهد ملكها غازان وخلَفِهِ الخبيث أوليجايتو، ومن المعلوم أنهم كان يكتبون على نقودهم بلغتهم الأمّ المنغولية، وباللغة العربية في نفس الوقت، ونقود هولاكو تحمل كلمة التوحيد باللغة العربية، ولا شكّ أن هنالك الكثير من النقاط الغامضة في حياة هولاكو وتتطلّب المزيد من البحث لمعرفة الأصابع السرية التي كانت تُخطّط له وتُغريه بتدمير الإسلام والمسلمين. محمود السيد الدغيم 

*************

 

 
thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16431355
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة