دور آل الأُنسي في نشر الفنون الأدبية والثقافة العربية والعثمانية التركية

كتاب : تأسيس المباني في اللسان العثماني

 تأليف عبد الباسط بن السيد حسن الأنسي البيروتي، الكاتب الرياضي الصحافي الذي توفى في بيروت سنة 1347 هـ/ 1928م


دور آل الأُنسي في نشر الفنون الأدبية والثقافة العربية والعثمانية التركية

محمود السيد الدغيم
باحث أكاديمي سوري مقيم في لندن


نشرت جريدة الحياة بتاريخ 10/09/ 2005م مقالة للكاتب اللبناني نادر سراج تحت عنوان: الشيخ والقاموس ... تواصل اللغات والثقافات والأحوال، ودارت المقالة حول (قاموس «الدراري اللامعات» للشيخ محمد علي بن الشيخ حسن الأنسي البيروتي) المولود في بيروت سنة 1865م، العالم بالحديث والفقه واللغة الذي تدرج من رتبة باشكاتب في محكمة بداية بيروت إلى رئيس المحكمة الشرعية، ثم لزم دارته في رأس النبع حتى وافته المنية في العام 1380 هـ/ 1960م، وبلغت تصانيفه حوالى ثلاثمئة، طُبع منها ثلاثة وثمة أربعة عشر ما زالت مخطوطة،.. وأنجز طباعة قاموس اللغة العثمانية المسمى «الدراري اللامعات في منتخبات اللغات» في 10 جمادي الثاني 1320هـ).

لفتت انتباهي مقالة نادر سراج إلى منجزات العائلة الأنسية، ولما عدت إلى إسطنبول شاهدت في مكتبة الأرشيف العثماني كتابا بعنوان: "البعثة العلمية إلى دار الخلافة الإسلامية" وقد شارك تأليفه: محمد الباقر صاحب جريدة البلاغ، وحسين الحبال، ومحمد كرد علي، وعبد الباسط الأنسي، ونشرت الكتاب المطبعة العلمية في بيروت سنة 1334 هـ/ 1916م، ويقع في 196 صفحة.
ووجدتُ في مكتبتي في إسطنبول نسخة من قاموس الدراري اللامعات، تأليف محمد علي الأنسي، ووجدت فيها نسختين من كتاب "تأسيس المباني في اللسان العثماني، تأليف عبد الباسط بن السيد حسن الأنسي البيروتي، الكاتب الرياضي الصحافي الذي توفى في بيروت سنة 1347 هـ/ 1928م، وهو مؤلف كتاب "أبدع الأساليب في إنشاء الرسائل والمكاتيب"، ويقع في 600 صفحة، وثمنه 15 قرشاً، وكتاب "هداية السائل إلى إنشاء الرسائل"، ويقع في 208 صفحات، وكتاب "البسط الوافر في حساب التاجر"، وقد طبع في بيروت سنة 1310 هـ ويقع في 160 صفحة، وكتاب "العجالة المهمة في الجمع والطرح والضرب والقسمة"، ويقع في 64 صفحة، وكتاب "صفوة التهذيب في اختصار المكاتيب" ويقع في 64 صفحة أيضاً.

وعبد الباسط الأنسي هو صاحب مطبعة وجريدة الإقبال في بيروت. وإحدى النسختين من كتاب "تأسيس المباني في اللسان العثماني" هي من الطبعة الثانية التي كانت تباع بخمسة قروش، "أي: 500 بارة" في المكتبة الأنسية في بيروت على جادّة الحكومة السنية، حسب ما دُوِّن على الغلاف، وتقع هذه النسخة في 208 صفحات.

ووردت تحت عنوان الكتاب عبارة: "ترجمان يحتوي على معلومات وإيضاحات لتلَفُّظ الحروف ومصادر وقواعد، مع تصاريف، وتمرينات، ومفردات الأسماء، ومكالمات، وضروب أمثال أدبية باللغتين التركية والعربية"، وتحت اسم المؤلف وردت ثلاثة أبيات من الشعر العربي:

هذي فوائد جمة قد جمعت
مع حُسن ترتيبٍ، وفرْط بيانِ

بُنِيَتْ على أقوى أساسٍ وازْدَهتْ
بحلى اللسانِ الفائقِ العثماني

فافهمْ قواعدها، ودوام حفظَها
تظفرْ بِنَيْلِ مقاصدٍ وأماني

وتحت الأبيات وردت عبارة: "طبع برخصة نظارة المعارف الجليلة المؤرخة في 23 مارت 1312، نومرو: 74"، (وهذه قرينة  تدل على أن الطبعة الأولى قد صدرت سنة 1312هـ) وتحت هذه العبارة وردت عبارة: "الطبعة الثانية، مصحَّحة، ومضاف عليها زيادات كثيرة وتمرينات عديدة، ومكالمات مفيدة تتميماً للفائدة بقلم مؤلفه، حقوق طبعه عائدة لمؤلفه، وقد طبعت الطبعة الثانية في مطبعة جريدة بيروت سنة 1315 هجرية.

والنسخة الثانية من الكتاب تعود إلى الطبعة الخامسة التي طبعت بمطبعة جريدة الإقبال في بيروت سنة 1328 هجرية، وتقع في 192 صفحة، وثمن النسخة خمسة قروش أيضاً.

محتويات الكتاب

تتصدر الكتاب مقدمة باللغة العربية، وتليها مقدمة باللعة التركية العثمانية، وهي ترجمة لنفس النصّ العربي، ومما جاء فيها "أما بعد، فيقول راجي عفو مولاه القدسي الفقير عبد الباسط بن السيد حسن الأنسي: إنه لما أسفر صبح المعارف وبزغت شموسها، وأثمرت في رياض الأفكار غروسها، وكانت لغة دولتنا العلية أيدها مطمح أنظار الطالبين، ومنتهى همم الراغبين، هرعت الطلاب لاقتطاف أثمارها، والرقوف على بديع أسرارها، وصرفوا العمر في تحصيلها، وأمعنوا النظر في سبيلها، وحيث أني وجدت الكتب المُؤَلَّفة فيعا صعبة المسالك، بعيدة عن الأفهام والمدارك، أردت أن أجمع فيها كتاباً يشتمل على مهمات قواعدها، ليسهل على المتدئ استخراج دُرر فوائدها، ويرقى منها إلى أعلى، ويكون بسببه أحق بالتقديم وأولى، فوفقني الله لجمعه، وبادرت بترتيبه وطبعه، وسميته تأسيس المباني في اللسان العثماني.
فأرجوا ممن طالعه أن يعذرني إذا عثَرَ على زلّة، أو هفوة مُخلّة، فإن ذلك من شأن الإنسان، وهو مُعرّض لسهام الخطأ والنسيان، وأسأل الله من فضبه أن ينفعني به وكلّ طالب، ولا يكلني إلى سواه إنه جواد واهب. آمين.
وقدَّم المؤلفُ كتابه إلى "السلطان ابن السلطان السلطان الغازي عبد الحميد خان أدام الله عزّه ونصره، وأنفذ في مشارق الأرض ومغاربها أمره".
وتبدأ مواد الكتاب بمقدمة مكونة من أسئلة وأجوبة في معلومات ابتدائية لألفاظ اللغة العثمانية، أولها:
"س: ما تعريف الصرف؟ ج: هو علم يبحث عن اشتقاق الكلمات وأحوالها.
س: ما هي الكلمة؟ ج: هي اللفظ الموضوع لمعنى مفرد.
س: ما هو الحرف؟ ج: هو الصوت الخارج من الفم بكيفية مخصوصة.
س: كم هي الحروف في اللغة العثمانية؟ ج: الحروف في اللغة العثمانية ثلاثة وثلاثون حرفاً، وهي...
س: كيف يُعبّر عن هذه الحروف؟ ج: يُعبّر عنها بالحروف الثقيلة، وعن الآخر بالحروف الخفيفة؟
س: ما هي الحروف الثقيلة وكم هي؟ ج: هي الحروف التي تخرج أصواتها فخيمة، وهي تسعة حروف (ح خ ص ض ط ظ ع غ ق).
س: ما هي الحروف الخفيفة، وكم هي؟ ج: هي التي أصواتها خفيفة، وهي أربعة وعشرون حرفاً (ا ب .. هـ ي)"
وهكذا تستمرّ الأسئلة والأجوبة حول خصائص الحروف والحركات، والأحرف العبية في اللغة العثمانية والأحرف المستعارة من اللغة الفارسية المشبعة والمفخمة، وتتبع ذلك إيضاحات لبعض حروف الهجاء، وطُرق لفظها.

وجاء الباب الأول في ستة فصول، الفصل الأول في المصدر وافراده، وتضمن المصادر التي تبدأ بحرف الألف، وجرى ترتيبها حسب الهجاء العربي، وما يقابله باللغة العثمانية، ابتداء بحرف الألف ثم الباء فالتاء فالثاء..
وجاء الفصل الثاني في أنواع المصدر الستة: المنفي والتأكيدي والتخفيفي والتوصيفي، وحاصل المصدر، وإسم المصدر، واعتبارات المصدر الخفيف والثقيل.

وجاء الفصل الثالث في مشتقات المصدر التسعة، وهي الأمر والنهي والماضي والمضارع والحال والاستقبال والوجوبي والالتزامي والشَّرطي.
وجاء الفصل الرابع في بيان أفعال الإعانة، وهي ثلاث صِيَغ: "ايدي" للماضي الشهودي، و "ايمش" للماضي النقلي بمعنى (كان)، و"ايسه" للصيغة الشرطية بمعنى (إنْ كان).
وجاء الفصل الخامس في بيان فرع الفعل الذي يدلّ على ذات مُتّصف بالمعنى المصدري مقارناً للزمان، وهو خمسة أنواع: اسم الفاعل، واسم المفعول، ومبالغة اسم الفاعل، والصفة المشبهة، واسم الآلة.
وجاء الفصل السادس في صيغ الرابط الخمسة: العطفية، والتوقيتية، والتعقيبية، والانتهائية، والابتدائية. وتبعتها الصيغة التأكيدية، وصيغة الوصل والانتقال. وتبعت ذلك ثلاث مكالمات بالغتين العربية والعثمانية.

وجاء الباب الثاني في ستة فصول، أولها في بيا ن الإسم، وأقسامه من عام وخاضّ، وخواص الأسماء الكيفية والكمية، وأحوال الإسم السبعة في التركيب، وهي: مجرد ، ومفعول به، ومفعول إليه، ومفعول فيه، والمفعول منه، والمفعول معه، ومضاف.
وجاء الفصل الثاني في أسماء الأعداد الأربعة، الأصلية، والرتبية، والكسرية، والتوزيعية.
وجاء الفصل الثالث في الضمائر وتفرعاتها الخمسة، الشخصي، والإضافي، والوصفي، والنسبي، والفعلي.
وجاء الفصل الرابع في الصفة وأفرادها من تأكيدية، وتفضيلية، ومبالغة، وتقليلية، وتبع ذلك التركيب الوصفي، والوصف التركيبي.
وجاء الفصل الخامس في اسم الإشارة والمبهمات، وهي الكلمات المستعملة للتكلم بدون إعلام شخص أو شيء، ويكون معناها الإبهام، ويستعمل في مقامها باللغة العربية (ذات. نفس) وتتبع ذلك ظروف الزمان والمكانوظروف المقدار والدرجة، وأدوات الإقرار والإنكار، والتركيبات الحالية.

وجاء الفصل السادس في الأدوات، وهي أدوات النداء، وأدوات التعليل، وأدوات الحال، وأدوات الشرط، وأدوات التصديق والإشارة، وأدوات الحصر، وأدوات التفضيل، وأدوات الالرجاء، وأدوات التأكيد، وأدوات التصديق، وأدوات التمثيل والتشبيه، وأدوات الإيضاح، وأدوات الاستثناء، وغير ذلك من الأدوات التي تستعمل في اللغة العثمانية القديمة واللغة التركية الحديثة، وتبعت ذلك مكالمات تتعلق بالدروس، وتتعدّد مواضيعها لتشمل معظم الشؤون اليومية التي يدور الحوار حولها.
وجاء الباب الثالث، وفيه أربعة فصول، الفصل الأول في النحو، والثاني في بناء الجملة وتراكيبها، والثالث في المكالمات التي تدور حول التحيات، والعزيمة والعود، والشكر، والزيارات والسفر، والاستشارة والحوادث، والسؤال والجواب، والأكل والشرب، والفصول والأوقات والمناخ، وخصص الفصل الرابع للأمثال الأدبية، وتبعها كشف بالألقاب الممنوحة لأصحاب الرتب، وألقاب المناصب العلمية.
وبعدذلك تضمنت الطبعة الثانية تقاريظ أدبية كتبها مدير المكتب الاعدادي في بيروت محمد توفيق، وبيكباشي النظامية الأديب مصطفى خلقي،  وكاتب ولاية بيروت عارف أفندي رمضان زادة، ومالك المكتب الإعدادي في بيروت عبد الكريم أفندي، وتبع ذلك فهرس الكتاب.

بعد الاطلاع على الكتب الثلاثة التي صنفها أبناء عائلة الأنسي دفعني حُبُّ البحث إلى التنقيب عن أصول هذه العائلة التي أغنت الثقافة العربي والإسلامية بالعديد من المصنفات
فتبين لي أن جدَّ هذه الأسرة هو القاضي الشاعر الأديب عبد الطيف المعروف بأُنسي، وأصله من مدينة كوتاهية التركية، وقد كتب الشعر بالعربية والتركية، تولى مناصب الأوقاف والقضاء في مصر سنة 1028 هـ/ ، ثم صار قاضياً في طرابلس الشام سنة 1048 هـ/ ثم قضاء مكة المكرمة، ثم بغداد، ثم عاد إلى قضاء طرابلس ثالث مرة، ثم قضاء إزمير، ثم قضاء الشام، فقيل في تأريخ ذلك بحساب الجمل: "أزال الله وحشتنا بأنسي" ويستخرج من هذه العبارة أن تاريخ هذه الولاية يعود إلى سنة 1075 هـ/ ، وكانت وفاته في دمشق نهار الثلاثاء تاسع عشر جمادى الأولى سنة 1075 هـ/ ، وصلي عليه ثاني يوم ف يالجامع الأموي، ودفن في الحديقة قبالة جامع السنانية بدمشق. وله ترجمة وافية في كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي، المجلد الثال، ص: 23 ـ 36. وفي كتاب نفحة الريحانة، ورشحة طلاء الحانة محمد أمين بن فضل الله بن محب الدين بن محمد المحبي، المجلد الثالث، الترجمة: 143، ص: 39 ـ 58.

ومن كُتّاب وأدباء الأسرة الأُنسية:
الشاعر الأديب المتفقه عمر بن محمد ديب بن عرابي بن إبراهيم بن حسين الأنسي البيروتي 1237 ـ 1293 هـ/ 1821 ـ 1876م، نائب قضاء صور الذي درَّس في المدرسة الرشيدية التي أنشأها الشيخ حسن البنا حوالي سنة 1280هـ 1863م، وصاحب ديوان "المورد العذب" الذي جمعه له ابنه عبد الرحمن. انظر الأعلام للزركلي، ج: 5، ص: 64 ـ 65. ورواد النهضة، مارون عبود، ص: 77 ـ 81.
 
والأديب محمد الأنسي مؤسس المطبعة الأنسية في بيروت سنة 1895م، وصاحب جريدة روضة المعارف.

ومحمد أنسي الذي كان حياًّ قبل سنة 1293 هـ/ 1876م، وألف كتاب "القواعد العمومية التي تدل على التعليمجي إجراؤها"، وطبع في مصر سنة 1283 هـ، وكتاب "الطريقة الأنسية في تعليم العميان القراءة والكتابة بالبلاد الشرقية" وقد طبعته مطبعة وادي النيل في مصر سنة 1291هـ. أنظر سركيس: 2/ 1639، ومعجم المؤلفين ج: 9 ، ص: 81.

ومحمد سليم بك أبو الخير الأنسي، مؤلف كتاب "مطالع البدور في محاسن ربات الخدور" الذي صدر منه جزءان، وصدر الجزء الثالث في مصر، انظر سركيس: 1/483.

الفنان عمر أنسي، ولد في تلة الخياط في بيروت سنة1901م، وتوفى في 3 حزيران سنة 1969م، وهو ابن عبد الرحمن طبيب بلدية بيروت، ابن الشاعر عمر أنسي، وقد شارك الفنان عمر الحفيد في المعارض التي نظمتها وزارة التربية الوطنية والفنون الجميلة اللبنانية، وأقام معارض في القاهرة والاسكندرية وبيروت، وفي عام 1922 سافر إلى المملكة الأردنية الهاشمية، ومكث خمس سنوات عند إبن عمه محمد باشا الأنسي رئيس الديوان الملكي، ومدير الثقافة والمعارف، وقد نال الميدالية الفضية في معرض بيروت (1921) ووسام الاستحقاق اللبناني (1947) ووسام الأرز الوطني (1956). وتوفي سنة 1969. ولقب بشاعر النور نظراً للضوء الذي تعكسه لوحاته، وإلى جانب الرسم، كان عمر الأنسي شاعراً وفيلسوفاً، وله مؤلفات تطرق فيها إلى نظرته في أمور الحياة السياسية والاجتماعية والدينية ولا سيما مفهوم العروبة، والمسيحية، وبدعة التقمص، وصدرت أعماله المصورة في كتاب عن متحف سرسق سنة 1997م.
لاشكّ أن معرفة روابط القرابة بين آل الأنسي، وعبد اللطيف المعروف بأنسي، ستفيدنا في تقديم صورة لإحدى العائلات المستعربة التي وضعت بصماتها على الساحة الثقافية، وتدقيق المعلومات واستكمالها يتطلب عملاً جماعية يسدُّ الخلل، ويكمل العمل الذي نطرحه من خلال هذا المقالة.


ملاحظة : نشر البحث التالي في جريدة الحياة، ملحق التراث الصفحة: 19، يوم السبت السابع من كانون الثاني/ يناير سنة 2006م، وهو موجود على الرابط التالي

دور آل الأُنسي في نشر الفنون الأدبية والثقافة العربية والعثمانية التركية

اضغط هنا



thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16552225
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة