رشيد الدين الوطواط ومنجزاته الأدبية

هو محمد بن محمد بن عبد الجليل بن عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن مردويه بن سالم بن عبد الله بن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، المعروف برشيد الدين، والملقب بالوطواط، مولده بمدينة بلخ، ووفاته في خوارزم سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة للهجرة النبوية، وقيل غير ذلك

رشيد الدين الوطواط ومنجزاته الأدبية

 د. محمود السيد الدغيم

1
الوطواط

هو محمد بن محمد بن عبد الجليل بن عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن مردويه بن سالم بن عبد الله بن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، المعروف برشيد الدين، والملقب بالوطواط، مولده بمدينة بلخ، ووفاته في خوارزم سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة للهجرة النبوية، وقيل غير ذلك، والوطواط هو الأديب الكاتب الشاعر، وقد كان من نوادر الزمان وعجائبه، وأفراد الدهر وغرائبه، أفضل أهل زمانه في النظم والنثر، وأعلم الناس بدقائق كلام العرب، وأسرار النحو والأدب، طار في الآفاق صيته، وسار في الأقاليم ذكره، وكان ينشئ في حالةٍ واحدةٍ بيتاً بالعربية من بحرٍ، وبيتاً بالفارسية من بحر آخر، ويُمليهما معاً.
وهنالك وطواط آخر هو جمال الدين محمدبن ابراهيم بن يحيى الانصارى المصرى الوراق الكتبي، ومن مؤلفاته: غرر الخصائص الواضحة، ومناهج الفكر، وقد توفى سنة 718 للهجرة، وهو غير رشيد الدين الوطواط، وقد خلط بعض المؤلفين بين الوطواطين.

2
مؤلفات الوطواط
ألف الوطواط العديد من التصانيف، ومنها: حدائق السحر في دقائق الشعر باللغة الفارسية، وقد ألفه لأبي المظفر خوارزم شاه، وعارض به كتاب ترجمان البلاغة لفرحي الشاعر الفارسي، وللوطواط أيضاً ديوان رسائل عربي، وديوان رسائل فارسي، وتحفة الصديق من كلام أبي بكر الصديق، وفصل الخطاب من كلام عمر بن الخطاب، وأنس اللهفان من كلام عثمان بن عفان، ومطلوب كل طالب من كلام على بن أبي طالب وغير ذلك، هذا ماذكره ياقوت الحموي في معجم  الأدباء، وقد ذكر مؤلفات الوطواط حاجي خليفة في كتاب كشف الظنون، فقال: ومن ذلك: أنس اللهفان من كلام عثمان بن عفان رضي الله عنه: لرشيد الدين محمد بن محمد الشهير بالوطواط الكاتب، جمع فيه مائة كلمة من كلامه رضي الله تعالى عنه، وشرحها بالفارسية وكذا فعل في الجمع من كلام باقي الخلفاء الراشدين الأربعة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وسماها: تحفة الصديق، وفصل الخطاب، ومطلوب كل طالب، رأيت الجميع في مجلد. وكلام حاجي خليفة دليل على وجود مخطوطات تلك المؤلفات في تركيا. ومن مؤلفات الوطواط الذي ذكرها حاجي خليفة: أبكار الأفكار في الرسائل والأشعار: مختصر على أربعة أقسام، أورد في الأول تسع رسائل، وفي الثاني تسع قصائد، وكذا في الثالث والرابع، لكن الأخيرين بالفارسية.
ومن مؤلفات الوطواط:حدائق السحر في دقائق الشعر: وهو أول كتاب في علوم البلاغة الفارسية، وضعه الوطواط باللغة الفارسية في الأصل، ونقله إلى العربية الدكتور الشواربي في سنة 1954م، وطبع في مطبعة دار المعارف بمصر. وشرح حدائق السحر باللغة الفارسية سنة 1297 ه‍ الميرزا أبو القاسم بن الميرزا كوچك المتخلص بوصال الذي مات سنة 1309 هـ.

3
مطلوب كل طالب
نال كتاب مطلوب كل طالب من كلام علي بن أبي طالب اهتمام الناشرين والمحققين، وقد شرح فيه الوطواط المائة كلمة التي جمعها الجاحظ باللغة العربية نثرا، ثم شرحها بالفارسية نثرا ونظما، وألفه للسلطان محمود بن خوارزمشاه في سنة 553 للهجرة، وصرح في خطبة الكتاب ، أن كتابه شرح على المائة كلمة التي اختارها الجاحظ من مجموع كلمات الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، مما يعادل كل كلمة منها ألف كلمة، ولهذا الكتاب مخطوطات موزعة في مكتبات التراث في مدينة إسلامبول ومنها: مخطوطة من القرن الثامن الهجري، ضمن المجموع الذي يحمل الرقم: 2207، في مكتبة عاطف أفندي. ومخطوطة في مكتبة السليمانية في خزانة مكتبة اياصوفيا، رقم 4795، كتبت سنة 843 هـ، ومخطوطة اخرى  في اياصوفيا، كتبت سنة 816 ، ضمن المجموع الرقم: 4792، ومخطوطة في مكتبة أسعد أفندي، رقمها: 1335، وقد كتبت سنة 812 هـ. ومخطوطة في خزانة مكتبة الحميدية، ضمن المجموع الرقم: 1447، وقد كتبت في القرن الثامن. وتوجد مخطوطة خزائنية كتبت بخط الثلث والريحاني والتعليق والرقاع والتوقيع، وهي محفوظة في خزائن المتحف الاسلامي في إسلامبول، وقد كتبها الخطاط أحمد بن علي الصوفي المراغي سنة 876للهجرة، وتوجد مخطوطة في مكتبة جامعة لوس أنجلس، كتبها علي بن محمد بن أحمد الحنفي سنة 978 هـ. وقد ترجم مصطفى القسطموني كتاب مطلوب كل طالب إلى اللغة العثمانية التركية، ومخطوطته موجودة في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة بالملكة العربية السعودية.

4
طبعات مطلوب كل طالب

طبع كتاب مطلوب كل طالب في لايبزغ سنة 1837م مع ترجمة ألمانية، وطبع في تبريز الأيرانية سنة 1259 هـ، وسنة 1312 هـ، وطبع في طهران سنة 1304 هـ، وسنة 1389 هـ، وسنة 1382 هـ بتحقيق السيد جلال الدين المحدث الارموي، تارة وحده، ومنضما إلى شرح ابن ميثم عدة مرات .

5
تأثر المؤلفين بالوطواط

تأثر بعض المؤلفين بآداب الوطواط ومؤلفاته، ومن المؤلفات المشهورة في هذا المضمار: دستور الكاتب في تعيين المراتب، باللغة الفارسية، في مجلد واحد، لمحمد بن هندوشاه المنشيء النخجواني أخذه من منشآت رشيد الوطواط وغيَّرَه ورتَّبه على مقدمة وقسمين وخاتمة. والمقدمة في الكتابة، والقسم الأول في المكاتبات، وفيه أربع مراتب، والقسم الثاني في الأحكام الديوانية، وفيه بابان، والخاتمة في الوصية والشروط وغير ذلك، وقد ذكر في أوله السلطان أويس بن بهادر الجنكيزي. وهنالك كتاب عقود الجواهر، لغة، منظومة مشتملة على إحدى وخمسين قطعة في ستمائة وخمسين بيتاً أوله الحمد لله مبدع البدائع الخ. أصلح فيه مؤلفه أحمد داعي الكرماني مختصراً موسوماً بحمد وثنا منسوباً إلى الرشيد الوطواط بنظم سلس وضبط جيد، وأهداه إلى السلطان العثماني مراد الثاني بن محمد خان الأول في أثناء تعليمه.
6
شعر الوطواط
لرشيد الدين الوطواط شعر متعدد الأغراض، ومن ذلك قصيدة أوردها ضمن كتاب إلى صدر الدين بن نظام الدين رئيس جرجان، وذكرها ياقوت الحموي في معجم الأدباء في المجلد: 19 ، الصفحة: 34 ـ 35، ومما جاء فيها:

جنابُك صدْرُ دينِ اللهِ حِصْنٌ
لأهلِ الفضل من نُوَبِ الزّمانِ
وصدرُك في الخطوب إذا ألَمّتْ
مَحَطُّ رِحالِ حُفَّاظِ الْقُرَاْنِ
وَجُوْدُكَ دُونه فيضُ الغوادي
وعزمُك دونه حَدُّ السّنانِ
وبابُك فيه مَسكَنُ كٌلِّ عافٍ
وعفوُكَ فيه مأمنُ كُلِّ جَانِيْ
غدوتَ قريْعَ فرْسانِ القوافي
وحائِزَ سَبْقِها يومَ الرّهانِ  
لقد بُلِّغْتَ قاصِية الْمَعالي
كما مُلِّكْتَ ناصِيةَ الْمَعاني
وأعجزتَ الأفاضل في التحدي
بمعجزةِ الفصاحة والبيانِ
يشقُّ سناك جلبابَ الليالي
وجُنْحُ ظلامِها مُلْقِي الْجِرانِ
بك الآدابُ آهلة الْمَغاني
ودارُ المجد شاهقة الْمَباني
فما لك في فحولِ الفضل نِدٌّ
ولا لك في رجال العلم ثاني
مغانيك الرِّحابُ رياضُ عِزٍّ
سقى صوبُ الْحَيَاْ تِلك الْمَغاني
نَمَتْكَ عِصابةٌ بِيضٌ هِجانٌ
وهل تلِدُ الهجانُ سوى الْهِجَانِ؟ 
لقد أُخرِجتَ من أزكى نِصابٍ
وقد أُرضِعت من أصْفى لِبَانِ
فأنت الغيثُ في وقت العطايا
وأنت الليثُ في يوم الطعانِ
بقِيْتَ مدى الزمانِ حَليفَ أمْنٍ
وَيُمْنٍ تَجْتَنِي ثَمَرَ الأماني
وطاوَعَكَ الأسافلُ والأعالي
وتابَعَكَ الأباعِدُ والأداني
صديقكَ ساحِبٌ ذيلَ المعالي
وخصمُك لابسٌ ثوبَ الهوانِ
وقال الوطواط:
سِتٌّ بُليتُ بِها والْمُستعَاذُ بِهِ
مِنْ شرِّها مَنْ إليهِ الْخَلْقُ يَبْتَهِلُ
نَفْسِي وَإبليسُ والدنيا التي فَتَنَتْ
مِنْ قبلِنا والْهَوى والْحِرصُ والأمَلُ 
إنْ لم تكنْ مِنك يا مَولايَ وَاقِيةٌ
من شرِّها الْجَمِّ أعيتْ عبدَكَ الْحِيَلُ
ومن شعر الوطواط المشهور قوله:
تروحُ لنا الدُّنيا بغير الذي غدَتْ
وتَحْدُثُ مِن بعدِ الأموْرِ أُمُوْرُ
وتَجْرِي الليالي باجتماعٍ وفُرْْقةٍ
وتَطْلُعُ فيها أَنْجُمٌ وتَغوْرُ
فمَنْ ظَنَّ أنَّ الدَّهرَ باقٍ سَرُوْرُهُ
فقدْ ظَنَّ عَجزاً. لايدُوْمُ سُرُوْرُ

وقال الوطواط:
اذا ما شِئتَ أنْ تحيا سعيداً
وتنجُوَ في الحساب مِن الْخصُومِ
فلا تَصْحَبْ سِوى الأخيارِ واصْرِفْ
حَياتَكَ في مُدارَسَةِ العُلومِ
7
إنشاء الوطواط
برع الوطواط بكتابة النثر البياني، ومن إنشائه البليغ تقليدُ حِسبة صدَرَ عن ديوان خوارزم شاه وهو: "إنَّ أولى الأمور بأن تُصْرَفَ أعِنَّةُ العِناية إلى ترتيب نظامِه، وتُقْصَرُ الْهِمَمُ على مُهمَّةِ إتْمَامِه، أمرٌ يتعلَّقُ به ثباتُ الدين، ويتوقّف عليه صلاحُ المسلمين، وهو أمرُ الاحتساب، فإنَّ فيه تثبيتَ الزائغين عن الحقِّ، وتأديبَ المنهمكين في الفِسْقِ، وتقويةَ أعضادِ أربابِ الشرعِ وسواعِدِها، وإجراءَ معاملات الدين على قوانينها وقواعدِها، وينبغي أن يكون مُتقلِّدُ هذا الأمر موصُوفاً بالدِّيانة، معروفاً بالصِّيانة، مُعرِضاً عن مراصد الرَّيب، بعيداً عن مواقف التُّهَم والعيب، لابساً مَدارعَ السَّدادِ، سالكاً مناهجَ الرشاد، والشيخُ الإمامُ فلانُ ـ أدام الله فضله ـ مُتَحَلٍ بهذه الخصائص المذكورة، والفضائل المشهورة، ومُستظهِرٌ في دولتنا للحقوق الْفَرْضِيَّةِ، ومُستشعِرٌ لِلصِّفاتِ الْمَرضِيَّة، فقلَّدْناهُ هذا الأمرَ الذي هو من مُهمَّات الأعمال ومُعَظَّمات الأشغال، واعتمدنا في التقليد والتَّقلُّدِ على دِينه المتين وفضله المبين، وعقيدته الطاهرة وأمانته الظاهرة، وأمرناه أولاً: أن يجعل التقوى شعاره، والزهدَ دثاره، والعلمَ معلمه، والدينَ مناره، ثم يأمرَ بالمعروف وينهي عن المنكر، ويقيمَ حدود الشرع على وَفْقِ النصوص والأخبار ومُقتضى السنن والآثار، من غير أنْ يتسورَ الحيطان، ويتسلقَ الجدران، ويرفعَ الْحُجُبَ المسدولة، ويكسرَ الأبواب المسدودة، ويسلِّطَ الأوباش على دُورِ المسلمين وحرَم المؤمنين، فيغيروا على أموالهم، ويمدوا الأيدي إلى نسائهم وأطفالهم، ويُظهِروا ما أمَرَ اللهُ تعالى بستره وإخفائه، ونهى عن إشاعته وإفشائه، فإنَّ عبادةَ الأوثان خير من ذلك الاحتساب، والعقوبةَ أجدرُ بمباشر ذلك من الأجر والثواب، وأمرناه أن يبالغ في تعديل المكاييل والموازين على وفق أحكام الشرع والدين، فإن وجد تفاوتاً في شيء منها سوَّاه وعدَّله، وغيرَّه وبدَّله، وأدَّبَ صاحبَه على رؤوس الأشهاد، لينزجرَ عن مِثْلِهِ أهلُ الخيانة والفساد، وِلْيَعْلَمْ أنه في عهده ما يَطوي ويَنْشُرُ، وينهي ويأمرُ، يوم يُنْشَرُ الدِّيوانُ، ويُنصَبُ الميزان [يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)] سورة الشعراء.
وسبيلُ الأئمةِ والعلماء، وكافة الرعايا حاطَهُمُ اللهُ أن يتوفروا على تعظيم قدرِهِ وتفخيم أمرهِ، ويبالغوا فيما يرجِعُ إلى تمهيد قواعِد حرمته، وتشييد أركان حِشمته، ولا يعترضوا عليه في شُغْلِ الاحتساب، فإن ذلك أمانةٌ هو حامِلُها، ووديعةٌ هو ضامِنها والسلام".

ومن بديع نثر الوطواط رسائله، ومنها رسالة كتبها لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري، وأوردها  ياقوت الحموي في معجم الأدباء، وقد جاء فيها:
"لقد حاز جارُ الله دام جماله
فضائل فيها لا يشق غباره 
تجدّد رسم الفضل بعد اندراسه
بآثار جار الله فاللـه جـاره
أنا منذ لفظتني الأقدار من أوطاني، ومعاهد أهلي وجيراني إلى هذه الخطة التي هي اليوم بمكان جار الله أدام الله دولته جَنَّةً للكرام، وجُنَّةً من نكبات الأيام كانت قُصوى مُنيتي؛ وقصارى بغيني أن أكون أحد الملازمين لسُدّته الشريفة التي هي مُخيّم السيادة، ومُقَبَّلُ أفواه السادة مَنْ ألقى فيها عصاه حاز في الدارين مُناهُ، ونال في المحلين مُبتغاه، ولكن سوء التقصير أو مانع التقدير حرَمني تلك الخدمة، وحرَّم على هذه النعمة، والآن أظنُّ وظَنُّ المؤمن لا يخطئ، أن آفِلَ جَدِّي هَمَّ بالإشراق، وذابلَ إقبالي أقبلَ على الإبراق، فقد أجد في نفسي نوراً مجدَّداً يهديني إلى جَنَّتِه، ومن شوقي داعياً موفقاً يدعوني إلى حضرته، ويقرعُ لسانُ الهيبة كلَّ ساعةٍ سمعيَ بنداء: اخلع نعلك، واطرح بالواد المقدس رَحْلك، ولا تحفل بحقد حاقد وحسد حاسد، فإن حضرة جار الله أوسعُ من أن تضيق على راغب في فوائده، وأكرمُ من أن تستثقل وطأة طالب لعوائده، ومع هذا أرجو إشارةً تصدُرُ من مجلسه المحروس إمّا بخطّه الشريف، فإن في ذلك شرفاً لي يدوم مدى الدهر والأيام، وفخراً يبقى على مَرِّ الشهور والأعوام، وإما على لسان مَنْ يُوثق بصدق مقالته، ويُعتمَد على تبليغ رسالته من المنخرطين في سلك خدمته، والراتعين في رياض نعمته، ورأيه في ذلك أعلى وأصوب".

ملاحظة: نشرت هذه الواحة في الصفحة 15 من ملحق تراث في جريدة الحياة بلندن يوم السبت 6 شعبان سنة 1426 هـ/ 10 ـ 9 ـ 2005م، العدد: 15502