الذكرى 36 لنكسة حزيران/ يونيو
مسرح الذكريات العربية المؤلمة في العصر الحديث وظاهرة التخوين الرسمي والشعبي
د. محمود السَّيِّد الدّغيم

طوت أمم الأرض صفحة القرن العشرين، وما انطوت عليه تلك الصفحة من هزائم وانتصارات، وتم وضع سجلات القرن العشرين في الأرشيف إلى جانب سجلات القرون الماضية سواء أكانت قبل الميلاد، أم بعده، أو قبل الهجرة النبوية أم بعدها، وقد انطوت محتويات الأرشيف العالمي على ما هو سري، وما هو سري للغاية، وما هو متاح للقادة، وما هو متاح للجمهور، رغم أن الجمهور هو المعني الأول بتلك المعلومات لأنه هو الذي يدفع الثمن دائماً من دماء أبنائه وأموالهم وأعراضهم وكرامتهم وحريتهم، وحقهم في تقرير مصيرهم بالصورة التي تلبي احتياجاتهم الضرورية والتحسينية والتكميلية، حسبما قررته الشرائع السماوية والفلسفات الأرضية.

ومن خلال مراجعة سريعة لسجلات القرن العشرين يتضح أن منطقة الشرق الأوسط قد شهدت أحداثاً مؤثرة في حركة الحضارة الإنسانية سلباً وإيجاباً، وانعكست الأحداث على نمط الحياة العامة والخاصة لدى الذين يعيشون في المنطقة من كافة الأديان والملل والنحل والقوميات والعروق، والجامع المشترك بين الجميع هو تراجع مستوى التطور الحياتي اقتصادياً وثقافياً وسياسياً وعلمياً وعسكرياً، بالقياس على التطور الحياتيّ المتقدم الذي حصل عند أكثرية سكان بقاع الأرض.

يقول المسرحيون: الحياة مسرحيات كبرى متنوعة الأشكال والأغراض، وكل مسرحية مكونة من عدة مشاهد، وفي كل مشهد يقوم الممثلون بالأدوار الموكلة إليهم من قِبَل الْمُخرج الذي يتولى إخراج النص بغض النظر عن موضوعه الذي يتراوح بين الملهاة الكوميدية، والمأساة التراجيدية، وقد يقوم الممثل البارع بأدوار متناقضة من مسرحية إلى أخرى، فقد يقوم بدور المهرج في مسرحية، وبدور الزعيم القائد في مسرحية أخرى، وربما يكون ضحيةً في مسرحية، ثم يكون جلاداً في أخرى، هذا هو الإطار العام لعالم المسرح والتمثيل بما فيه من خيال وواقعية.

وبما أن الحياة مسرح فإن مراقب الأحداث العربية يرى مسرحية مأساوية ممزوجة بالكوميديا السوداء التي تُبيح جلدَ الذات، وذلك واضح في تسلسل الأحداث التي مرت بها منطقة شمال إفريقيا، وشرق البحر الأبيض المتوسط.

لا وجود للكوميديا واللهو على مسرح أحداث المنطقة، فكُتّاب السيناريو والمخرجون والممثلون لا يجيدون الفرح بل الحزن، وقد أتقنوا النياحةَ ولَطْمَ الوجوه، ولدْم الصدور، وإسالة الدموع، وإراقة الدماء، وهم ينتظرون مُخلصاً يقتل ثلثي سكان الأرض لتحرير الثلث الباقي المختار حسبما تقتضيه فصول المأساة العالمية.

وتتجلى المآسي القديمة والحديثة على مسرح المنطقة، وتتقدمهن مأساةٌ ما حسب المناسبة المرتبطة بظرفي الزمان والمكان، وقاموس المآسي العربية والعبرية زائد عن الحد، ولكن المآسي العبرية لها نُصبُها التذكارية التي يزورها رؤساء الدول العظمى، ويقدمون طقوس الولاء والطاعة والاحترام كما هو الحال في نُصُب المحرقة النازية، ولكن المآسي العربية مطمورة تحت أنقاض النسيان، وما يعلوها من تجاهل رسميّ وجهل شعبيّ.

وراء ستار المسرح العربي تقبع مأساة النكبة وأخواتها النكسة والهزيمة والاجتياح والاحتلال والاستيطان والتهجير واللجوء والنزوح والوفُود، وكل وقائع الأحداث تسير من سيئ إلى أسوأ، ففي القرن التاسع عشر تمّ إعداد المشروع القومي للمنطقة بإشراف السفارات والقنصليات الغربية، واقتضت المسرحية بَعْثَ القوميات الآشورية والبربرية والتركية والعربية والكردية والفارسية والعبرية والأرمنية واليونانية، ونشأ الصراع بين أبناء تلك القوميات، وأدى الصراع إلى تمزق السلطنة العثمانية التي كانت تضمّها، وأسفرت الحرب العالمية الأولى عن نظام عالمي قادته عصبة الأمم إلى تطبيق خريطة سايكس بيكو، وبرز في تركيا نظام عسكري جمهوري علماني اشتراكي أممي، يحكمه الجنرال مصطفى كمال أتاتورك قائد الجيش ورئيس الحزب الواحد: حزب الشعب الجمهوري الذي ذاق منه الشعب التركي ما لم يذقه من أي عدو آخر، وحول تركيا من دولة عظمى إلى دولة تستجدي عضوية السوق الأوروبية المشتركة.

وجاءت الحرب العالمية الثانية فقضت على الملايين من البشر، وأسفرت عن انتصار الأميركان والسوفييت، وحلّ الأمم المتحدة محل عصبة الأمم، وقادت نظاماً عالمياًّ جديداً، وفرّخ ذلك النظام حرباً باردةً بين حلف وارسو الذي مات، وحلف الناتو الذي مازال حياًّ ولكنه برأس أميركي واحد بعدما كان بعدّة رؤوس.

ولعل أخطر ما أنتجته منظمة الأمم المتحدة هو غياب خريطة فلسطين، وحلول خريطة إسرائيل محلها، وما تبع ذلك من مسرحيات مأساوية ألقت بظلالها على المنطقة بكافّة دياناتها وقومياتها، وأكثرياتها وأقلياتها.

تصدرت مأساة ضياع فلسطين مسرح أحداث المنطقة منذ سنة 1948م، وأطلق عليها المنظّرون العرب اسم "نكبة فلسطين" وهي بالحقيقة نكبة العرب جميعهم، والأذى لم يقتصر على الفلسطينيين بل شمل الجميع، وأطلقوا على المهجَّرين اسم اللاجئين، ثم استدركوا الخطأ اللغوي شكلياًّ فاستبدلوه بمُسمّى "العائدون" رغم أن الجوهر واحد، وظل الفلسطينيون يعانون من التمييز في المنفى، ويعانون حرمان الجنسية، وتعلل حارموهم بعلة واهية مؤداها: إن منح الجنسية يؤدي إلى ضياع حق العودة.

 وتتالت على مسرح الأحداث تمثيليات تراجيدية تجلت في هزيمة الأنظمة العربية الثورية والرجعية في حرب الخامس من حزيران يونيو سنة 1967م، وأسفرت عن ضياع هضبة الجولان، وقطاع غزة، وصحراء سيناء، والضفة ومعها مدينة القدس، ورغم الكارثة سماها المنظِّرون العرب "نكسة الخامس من حزيران" وبعضهم لم يقبل مسمى النكسة فسماها: حرب الأيام الستة، وهي في الحقيقة حرب الساعات الستّ، وولدت تلك الحرب أزمةً لغويةً حيث نفذ مصطلح اللاجئين والعائدين، ولكن غنى اللغة العربية بالمفردات حلّ المشكلة، فسُميّ المجّرون الجدد باسم: "النازحين" واسم "الوافدين" ولكن لبنان كان أكثر موضوعية لغوية فسماهم "المهجرين" وتبعت "حربَ الأيام الستة" حرب تشرين/ اكتوبر، العاشر من رمضان، 1973م، والتي سميت بالحرب التحريرية، رغم أن الجيش الإسرائيلي عبر قناة سويس غرباً على الجبهة المصرية، وتجاوز خطوط سنة 1967م في الجولان، فدخل حوران، ووصل إلى مشارف مدينة الكسوة جنوب دمشق، ولم يوقف تقدمهم سوى وصول الجيش العراقي والجيش الأردني والسعودي والكويتي والكوبي والطيران الباكستاني، ثم جاء اجتياح بيروت سنة 1982م، وأسفر عن تهجير المقاومة الفلسطينية، ووقعت حرب العراق والكويت فتحطم الجيش العراقي، ثم جاء احتلال العراق سنة 2003م، وبدأت مسرحية جديدة تحمل في طياتها خرائط الطرق العربية التي تقتضي ولادة الولايات العربية غير المتحدة.

العرب شاطرون في إلقاء اللوم على الغير، فسبب نكبة فلسطين حب رأيهم هي صفقة الأسلحة الفاسدة (عام 1948) والثوريون حمّلوا مسؤولية الهزيمة للأنظمة الرجعية حسب زعمهم  أي "التركيبة الفاسدة" ، ولما هُزم الثوريون سنة 1967م حملوا المسؤولية للاتحاد السوفياتي الصديق، وعللوا ذلك بعلةٍ ترمي إلى دفع الأنظمة الثورية نو السوفييت، وإبعادها عن الولايات المتحدة والغرب الأوروبي، وادّعى النظامان السوري والمصري أن الهدف من الحرب كان إسقاط النظامين التقدميين في سوريا ومصر، وعدم التمكن من إسقاطهما هو نصر عربي سوري مصري يفوق خسارة الأرض، ويبرر تراجع الجيوش عن جبهات القتال، وعودتها لحماية الثورتين في القاهرة ودمشق، فالنظام الثوري يستعيد الأرض المحتلة، ولكن الأرض تعجز عن إنجاب النظام إذا سقط.

بعد الهزيمة نزح النازحون من الجولان، وصار لمحافظة القنطرة مقرّ في مدينة دمشق، ورغم مرور أكثر من ثلاثين سنة فإن وثائق الهزيمة لم تكشف بعد، ولكن بعض المعلومات قد تناثرت في طيات الجرائد والمجلات والكتب، ولكن الكثير لم يُكشف، وربّما لن يكشف مظلقاً.

بدأت الحرب في الخامس من حزيران/ يونيو 1967م، وصدر قرار وقف إطلاق النار والتزمت به الدول الأربع المتحاربة في العاشر من حزيران.

خطة الحرب كانت مكشوفة، ومع ذلك فاجأت القيادات الإستراتيجية والتكتيكية في سوريا ومصر والأردن، وفي هذا الصدد قال موشى ديان وزير الحرب الإسرائيلي ساخراً: (العرب أمة لا تقرأ) وهو بذلك يشير إلى أن الخطة العسكرية الإسرائيلية التي نفذت في تلك الحرب كانت معروفة ومنشورة في الكتب، ولكن جنرالات العرب وحكامهم لا يقرؤون الأمور المهمة، ويقتصرون على قراءة التسالي والأبراج وحل الكلمات المتقاطعة.

 

في اليوم السابع من حزيران/ يونيو استكملت القوات الإسرائيلية احتلال شبه جزيرة سيناء حتى قناة السويس، واحتلال معظم الضفة الغربية، وفي الثامن من حزيران/ يونيو انضم لبنان رسميا إلى الحرب ولكنه اقتصر على المشاركة الجوية، ورفضت سوريا الموافقة على وقف إطلاق النار، فتقدم الجيش الإسرائيلي، وفتح ثغرة في الطرف الشمالي من خط البقاع السوري بالقرب من كيبوتس دان, واحتل قطاعا واسعا من هضبة الجولان يشتمل على مدينة القنطرة وغيرها, وذلك قبل دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في الحدود السورية يوم السبت، العاشر من حزيران / يونيو 1967م،

تمكنت إسرائيل من السيطرة على مناطق تبلغ ثلاثة أضعاف مساحتها قبل ‎1967, مع سكان عرب يبلغ عددهم مليون نسمة تقريبا (بالإضافة إلى ‎300,000 مواطن عرب في إسرائيل ) وأسفرت الحرب عن تدمير حوالي 70 في المئة من العتاد الثقيل في مصر وسوريا والأردن، واستشهاد أكثر من ‎15,000 مصري و أسر أكثر من ‎5,600 أسير، وخسر الأردن حسب أقوال الملك الراحل حسين حوالي ‎6,000 شهيد، وهناك تقديرات أخرى تتحدث عن عدد أقل من ذلك، واعترفت سوريا  باستشهاد‎1,000 ضحية، ويقال: إن العدد أضعاف هذا الرقم، واعترفت إسرائيل بمقتل أكثر من ‎700 إسرائيلي وجرح ‎2,500.

يرى المحللون العسكريون أن احتلال غزة وسيناء والضفة أسهل بكثير من احتلال هضبة الجولان، وسبب ذلك أن الجبهة السورية كانت محصنة جغرافياً بقاطعٍ جبلي على شكل زاوية قائمة ترتفع مئات الأمتار، ولا يمكن تسلقها آلياًّ، وطبيعة الأرض كانت تقدم للسوريين فرص رصدٍ واستطلاعٍ مثالية غير متوفرة لقوات العدو التي ترابط في سهول فلسطين، وكانت الهضبة المرتفعة تؤمن للجيش السوري فرصة السيطرة على مياه بحيرة طبريا.

وكل المؤشرات تفيد أن احتلال الجولان لم يكن حرباً بقدر ما كان عملية تسليم واستلام اقتضت رحيل الجيش السوري كيفياًّ بناء على أمر عسكري بثته إذاعة دمشق، وتضمن سقوط قبل القنيطرة قبل أن تسقط مما أدى إلى انهيار المعنويات والتراجعي الكيفي غير المنظم.

وتوترت على هامش الهزيمة روايات رسمية، وروايات شفوية شعبية، فعلى الصعيد الرسمي

في يوم السبت العاشر من حزيران سنة 1967 أعلن وزير الدفاع السوري حافظ أسد الساعة 9,30البلاغ العسكري رقم 66وهذا نصه :

إن القوات الإسرائيلية استولت على القنيطرة بعد قتال عنيف دار منذ الصباح الباكر في منطقة القنيطرة ضمن ظروف غير متكافئة وكان طيران العدو يغطي سماء المعركة بإمكانات لا تملكها غير دولة كبرى ،وقد قذف العدو في المعركة بأعداد كبيرة من الدبابات واستولى على مدينة القنيطرة على الرغم من صمود جنودنا البواسل ، أن الجيش لا يزال يخوض معركة قاسية للدفاع عن كل شبر من أرض الوطن ، كما أن وحدات لم تشترك في القتال بعد ستأخذ مراكزها في المعركة .

وفي اليوم نفسه الساعة 05،12 ظهراً أصدر وزير الدفاع الأسد البلاغ التالي : إن قتالاً عنيفاً لا يزال يدور داخل مدينة القنيطرة وعلى مشارفها . وأن القوات السورية مازالت حتى الآن تقاتل داخل المدينة وعلى مشارفها جنباً إلى جنب مع قوات الجيش الشعبي بكل ضراوة وصمود بحيث لم يتمكن العدو من السيطرة الكاملة على مدينة القنيطرة .(وهذا يناقض البلاغ السابق القائل بالسقوط )ذلك لكي يخدع الناس بأن المقاومة لازالت مستمرة وأنه لم يسلمها بموجب اتفاق.علماً أن كل ما أذيع من قتال في كل البلاغات لا أساس له من الصحة لأنها سلمت دون إطلاق رصاصة واحدة وأن كل من خالف قرار الانسحاب وقاوم حوكم على مخالفته الأوامر .

 

وفي يوم الأحد 11 حزيران 1967 أصدر وزير الدفاع السوري حافظ أسد بلاغاً جاء فيه خلال المعارك القاسية التي جرت بين قواتنا الباسلة وقوات الاستعمار الثلاثي حاول العدو اختراق خطوط دفاعنا اكثر من مرة بكل ما يملك من أسلحة وطيران متفوق وكانت قواتنا تصد تلك الهجمات المتكررة وتقصف مواقع العدو منزلة به الدمار مما يؤكد بشكل قاطع أن دول العدوان الثلاثي تساهم في المعركة وليس إسرائيل فقط وهم الآن يتمركزون في خط الدفاع الثاني الذي يبعد عن القنيطرة 40-55كم يعني على أبواب دمشق (عن سقوط الجولان صفحة 170) يقول الدكتور سامي الجندي أحد قادة البعث في كتابه كسرة خبز صفحة 17 :" لست بحاجة إلى القول بأن سقوط القنيطرة قبل أن يحصل أمر يحار منه كل تعليل مبني على حسن النية .

ويقول : فوجئت لما رأيت على شاشة التلفزيون مندوب سورية في الأمم المتحدة يعلن سقوط القنيطرة وأن قوات إسرائيل وصلت إلى مشارف دمشق والمندوب الإسرائيلي يؤكد أن شيئاً من ذلك لم يحصل واعترف أمامي الدكتور ماخوس وزير الخارجية النصيري أن قضية سقوط القنيطرة كانت خطة مدبرة لكي يكسب تأييد الأمم المتحدة .

يقول الدكتور عبد الرحمن الأكتع وزير الصحة السوري آنذاك : كنت في جولة تفقدية في الجبهة وفي مدينة القنيطرة بالذات عند إذاعة بيان سقوط القنيطرة وظننت أن خطأً قد حدث فاتصلت بوزير الدفاع حافظ أسد وأخبرته أن القنيطرة لم تسقط ولم يقترب منها جندي واحد من العدو وأنا أتحدث من القنيطرة ودهشت حقاً حين راح وزير الدفاع يشتمني شتائم مقذعة ويهددني إن تحدثت بمثلها وتدخلت فيما لا يعنيني . فاعتذرت منه وعلمت أنها مؤامرة وعدت إلى دمشق في اليوم الثاني وقدمت استقالتي .

رواية الملك حسين : عقدت سورية مع مصر معاهدة دفاع مشترك قبل الحرب بأيام وحذت الأردن حذوها وبموجب هذه المعاهدة أصبح الفريق المصري عبد المنعم رياض قائداً للجبهة الأردنية السورية والفريق محمد فوزي رئيساً لأركان القيادة الموحدة . وانطلاقاً من هذه المهمة طلب عبد المنعم رياض من سوريا إمداد الأردن ببعض الألوية لأن سورية تستطيع حماية جبهتها بثلث قواتها يقول الملك حسين في تلك الليلة 4 حزيران استخدمنا خطوط المواصلات العسكرية في طلب الإمدادات من السوريين ولكنهم لزموا الصمت ومنذ الساعة التاسعة اتصلت قيادة العمليات بالسوريين فكان جوابهم أنهم بوغتوا بالأحداث وقمنا بطلبات متكررة لالتحاق طائرات الجيش السوري بطائرات الأردن فطلبوا إمهالهم ساعة فساعة وفي الساعة الحادية عشرة أقلعت الطائرات العراقية من قواعدها لتنضم إلى سلاحنا الجوي وتساهم بالمهمة المشتركة ويمكنني أن أوضح أن تأخر الطيران السوري في التدخل فوت علينا فرصة ذهبية كان يمكن أن ننتهزها لقلب الموقف لصالح العرب ولاستطعنا اعتراض القاذفات المعادية وهي في طريق عودتها إلى قواعدها بعد قصف القواعد المصرية وقد فرغت خزاناتها من الوقود وفقدت ذخيرتها وكان بإمكاننا مفاجأتها حتى وهي جاثمة في مطاراتها تملأ خزاناتها استعداداً لشن هجمات جديدة فلولا تأخر الطيران السوري لتبدلت نتائج المعركة وخط سيرها.

وفي الإنترنت يقول صائب بارودي وهو بعثي قومي عن حرب 1967: دخلت سوريا المعركة ووصلت قواتها صفد والحولة وتمركزت قوات منها بقيادة الضابط نورس طه تحت المرتفعات المطلة على بحيرة طبرية حتى مساء اليوم السابع وعبد الناصر يتصل بعبد الكريم الجندي ويقول له : أنا لا أثق بالآخرين يعني الأسد وجديد بوقف إطلاق النار اللعبة كبيرة وخطيرة ومصر غير قادرة على التحرك وصلاح جديد يرفض واتصل الجنرال الروسي بوزير الدفاع حافظ أسد وجديد وقال :إذا كنتم مصرين على الحرب فلابد أن تضعوا خطة وأنتم حتى الساعة لم تفعلوا شيئاً…ووضعت خطة بمعرفة السوفييت وفي صباح اليوم التاسع موعد التحرك حسب خطة السوفييت أمر وزير الدفاع حافظ أسد ترك الأسلحة والتراجع الكيفي من الجبهة وترك ترسانة حربية كبيرة لليهود مع عشرات القرى في جبل الشيخ .

رواية صحيفة النهار اللبنانية : لم تبدأ سوريا الحرب إلا صباح 6/6/1967 رغم أن سورية هي سبب الحرب وهي الداعية إليها ، واقتصرت الهجمات السورية على مستعمرات (وان-تل دان –كرياشوف ) ولم تخرج القوات الإسرائيلية للرد بسبب انشغالها بالقتال على باقي الجبهات وقالت الصحيفة : لم يدخل الإسرائيلين المعارك الفعلية ضد سورية إلا يوم الخميس 8/6 حيث تفرغوا لجبهتها وأضافت الصحيفة أن الإسرائيليون شنوا هجوماً شاملاً على المواقع السورية وبدل أن تقصف المدافع السورية القوات الإسرائيلية المهاجمة تابعت ضرب المستعمرات المذكورة .

أما خسائر إسرائيل فكانت 115 قتيلاً و306 جريحاً .

-معظم الذين تأخروا في تنفيذ أمر الانسحاب وتدمير الأسلحة أحيلوا إلى محاكم ميدانية بدل منحهم مكافآت وشهادات تقدير منهم آمر تل عزيزيات الذي استغرب صدور هذا الأمر فما كان منه إلا أن ثبت أمام الطيران الإسرائيلي ثم بعد توقف الطيران صعدت إلى التل دبابات إسرائيلية فحاول تفجير الألغام كهربائياً فوجد الكهرباء مفصولة (خيانة) فضرب أول دبابة وآخر دبابة ثم دمر الباقي .

وحرك قواته دون أن يفجرها فوصل القنيطرة مركز قيادة الجيش في الصباح فلم يجد أحداً من القيادة لقد هربوا جميعاً بأمر انسحاب رسمي ولم يجد يهودياً واحداً في القنيطرة ولما وصل دمشق استدعي وحوكم ميدانياً فكسرت رتبته وسرح جزاء إخلاصه ومقاومته وعدم تدمير الأسلحة والدبابات التي لديه .

 

رواية سعد جمعة رئيس وزراء الأردن آنذاك في كتابه المؤامرة ومعركة المصير صفحة 45

"اتصل سفير دولة كبرى في دمشق في الخامس من حزيران بمسؤول حزبي كبير ودعاه إلى منزله لأمر هام في الحال ونقل له في اللقاء أنه تلقى برقية عاجلة من حكومته تؤكد قضاء الطيران الإسرائيلي على سلاح الجو المصري . وأن المعركة بين العرب وإسرائيل قد اتضحت نتائجها وأن كل مقاومة ستورث خسائر فادحة وأن إسرائيل لا تنوي مهاجمة النظام السوري بعد أن يستتب لها تأديب جمال عبد الناصر ، وبانتهاء الزعيم المصري تفتح الآفاق العربية أمام الثورية البعثية، واتصل الوسيط بقيادات البعث والجيش وأعلم السفير الوسيط بتجاوب كافة القيادات مع هذا التطلع" .

 

 رواية دريد مفتي الوزير المفوض في مدريد :جاء إلى سعد جمعة بمكتبه في لندن وعرفه على نفسه قائلاً قرأت كتابك المؤامرة ومعركة المصير عن جريمة تسليم مرتفعات الجولان المنيعة دون قتال والتي اقترفها جديد ..أسد ..ماخوس ،وأحب أن أزيدك بياناً فقال : يوم كنت وزيراً مفوضاً لسورية في مدريد استدعاني وزير خارجية إسبانيا لمقابلته صباح 28/7/1967م وأعلمني ووجهه يطفح سروراً أن مساعيه الطيبة أثمرت لدى أصدقائه الأمريكان بناء على تكليف السيد ماخوس البعثي النصيري ، ثم سلمني مذكرة تتضمن ما يلي : تهدي وزارة الخارجية الإسبانية تحياتها إلى السفارة السورية عبر وسيطها ، وتعلمها أنها نقلت رغبة الخارجية السورية إلى الجهات الأمريكية المختصة بأنها ترغب بالمحافظة على الحالة الناجمة عن حرب حزيران 1967 وأنه ينقل رأي الأمريكان بأن ذلك ممكن إذا حافظت سورية على هدوء المنطقة وسمحت لسكان الجولان بالهجرة من موطنهم والاستيطان في بقية أجزاء الوطن السوري وتعهدت بعدم القيام بنشاطات تخريبية من جهتها تعكر الوضع الراهن (عن مجتمع الكراهية لسعد جمعة صفحة 130)

ثم تابعوا دريد مفتي إلى لبنان وقتلوه لأنه أذاع هذا السر ولم يرض الخيانة ، ودريد ضابط بعثي سني من أريحا السورية

 

 

وعلى الصعيد الشعبي فقد كنت في منطقة معرة النعمان أيام الحرب، وكنت طالباً في المرحلة الثانوية، وقد تم استدعاؤنا إلى معسكرات الفتوة، وتم تسليحنا نهاراً أثناء التدريب، وسحب الأسلحة ليلاً بإشراف مدربي الجيش الشعبي ومسؤولي شعبة الحزب، فقد كان النظام يخشى وجود السلاح بأيدي أبناء الشعب.

وقد وصل إلى المنطقة الكثير من العسكر المهزومين من الجبهة، وقابلت العديد منهم، فبعضهم عاد إلى المنطقة ومعه سلاحه الفردي بارودة أو مسدس، والبعض عاد بدون سلاح، والذين عادوا بأسلحتهم كانوا يطلقون النار في الهواء ابتهاجاً بعودتهم سالمين من ميدان الهزيمة، وكنا نطلق على هؤلاء صفة الأبطال لأنهم لم يرموا أسلحتهم، فالسلاح زينة الرجال، وكنا نطلق على الذين عدوا بدون أسلحة صفة المتخاذلين، وتلك الصفات مُستقاة من القاموس الثوري الذي يتمّ تعميمه بواسطة وسائل الإعلام الرسمية.

روايات العسكر المنسحبين كانت متنوعة، قال أحدهم: كنت في جسر بنات يعقوب، والعدو تحتنا، ونحن فوقه على الهضبة، لم يستطع الاقتراب من خنادقنا، ولكننا سمعنا من الراديو: أن القنيطرة قد احتلها العدو، وأمرنا الضابط بالانسحاب فانسحبنا، وقالوا لنا الاجتماع في مدينة حمص، وقد قطعنا المسافة من جسر بنات يعقوب إلى القنيطرة مشياً على الأقدام، تجنبنا المرور على الطرقات خوفاً من الطيران، ولما مررنا قرب القنيطرة شاهدنا بعض أفراد المقاومة الشعبية المدنين، فشتمونا وقالوا: أين تهربون وتتركونا؟ قلنا لهم: لقد سقطت القنيطرة، فقالوا: كذب تعالوا معنا، وبالفعل مررنا معهم على القنيطرة، وكنا جياعاً فأطعمونا وسقونا، وكانت القنيطرة تعجُّ بالهاربين، الضباط يهربون بسياراتهم، والعسكر يهربون على الأقدام، ومن القنيطرة ذهبنا إلى خان أرينبة، وتابعنا الهزيمة إلى مدينة دمشق ومنها إلى حمص فلم نجد أحداً، وصلنا إلى ثكنة خالد بن الوليد، فقالوا لنا: اذهبوا إلى بيوتكم، وعندما تسمعونا دعوة بالراديو تعودون إلى قطعاتكم، فغادرنا حمص ووصلنا بالسلامة.

وتواترت الروايات التي تؤكد سقوط القنيطرة بالراديو بناء على بلاغ من وزارة الدفاع قبل وصول العدو إليها، بل قبل سقوط خندق الدفاع الأول على الجبهة، وذلك السقوط المريب لا يشبهه في التاريخ سوى سقوط بغداد المفاجئ، ويبدو أن القادة الثوريون شريحة واحدة تجيد قواعد الاستلام والتسليم بسرعة ذرية.