هزيمة الصفويين المنكرة في معركة جالدران أما السلطان سليم الأول
د. محمود السيد الدغيم


استولى الصفويون على العديد من بلدان منطقة الجزيرة التي كانت تشمل ديارَ ربيعة، وتمتدُّ من الحَضَر إلى المَوصل إلى نُصيبين إلى ماردين وجبل الجودي. كما تمتدّ إلى ديار مُضر، وحرّان وسُميساط، وسُروج وآمُد ومنابعِ دجلة وميافارقين وأرزن وحصن كيفا وإسعرد وديار بكر. وقد نظر العثمانيون إلى التوسُّعِ الصفوي نظرةَ ارتياب، واعتبروها خطراً يهدِّد مستقبلَ وجودِهم الديني والسياسي والقومي والوطني، وشكَّلَ ذلك الصراعُ شِبهَ امتدادٍ للصراع (الذي استمرّ قروناً قبل الإسلام بين الأناضول الرومية النصرانية، وإيران الفارسية المجوسية)، ورُغم خضوع المنطقتين لسلطةِ الخلافة الأموية ثم العباسيةِ، وقبولِ الأكثريةِ السكانية لِلإسلام، فإنّ الصِّراعَ تجدّدَ ولكنَّهُ كان صِراعا مذهبياً بين السلطنةِ العثمانية المسلمة السُّنية والصفويين، ولم يقتصر الصراعُ على الخلافِ الجدلي بل امتدَّ إلى ميادينِ القتال، وتصفيةِ العسكريين والمدنيين في بعض الأوقات

وأثناء تأزمِ العلاقات بين العثمانيين والصفويين اشتدت التحالفاتُ العالمية ضدَّ السلطنةِ العثمانية، فطَلَبَ الصفويون من المماليك التحالُفَ معهم ضِدَّ العثمانيين، وتآمروا مع الأمير أحمد ضدَّ والدِه السلطان أبايزيد الثاني، ثم ضدَّ أخيهِ السلطان سليم، وحركوا أتباعَهم لتدمير السلطنة العثمانية من الداخل كُلَّمَا لاحت لهم بوادِرُ ضَعْفِ السلطنة العثمانية، وتآمروا مع الدول الأوروبية ضدّ العثمانيين، ومرّتْ وفودُهم التي قابلت البابوية في الأراضي المملوكية، وعلِم العثمانيون بكل تلك المؤامرات فلما تمكَّن السلطانُ سليم من ترتيب جبهتِه الداخلية طهَّرها ورتَّبَ هدنةَ الجبهةِ الغربية ثمَّ قرَّر القضاءَ على الخطر الصفوي.

فأرسل السلطان سليم طلائعَ قواتِ الاستطلاع السري نحو الأناضول، وألبسَهم ثياب  دراويشِ البكتاشية وقزل باش، واخترقوا التنظيمات السرية، فاكتشفوا الخلايا الكثيرة التي أعدّها الصفويون لِلفتكِ بالجيش العثماني، وقَطْعِ خطوطِ الإمداداتِ بعد عبور الجيش من مناطقِهم، وقام عناصرُ المخابراتِ العثمانية وقواتِ الاستطلاع السري بحصرِ أعدادِ وأماكنِ عملاءِ الصفويين والمماليكِ والأوروبين، وقُدِّمت المخابراتُ العثمانيةُ كافةَ المعلومات للسلطان سليم الأول، فوضع خطَّةً مُحكمة لتصفيتهم أثناءَ عبوره في مناطقِهم، وأوكلَ تلك المهمةَ للقوات الخاصة التي عُرفت منذ فتنةِ تيمورلنك بالصولاغية: ومفردها: صولاغ، وهي الحرسُ الخاصُّ المرتبطُ بالسلطان مباشرةً. وقد نفذ الصولاغيةُ مهمتهم بإبادة الذين ثبتت علاقاتهم بأعداء السلطنة العثمانية،

وعَرَضَ السلطانُ أوضاعَ العلاقاتِ العثمانية الصفوية السيئة على شيخ الإسلام علاء الدين بن أحمد (الأقسرايي الرومي القره ماني)، المشهور بزنبيلي أفندي، وقدم له كافة المعلومات حول تآمر الصفويين مع الأوروبيين واستباحتِم للحرمات، ونشرهم للبدع المخالفة للشريعة الإسلامية، وطلب السلطانُ الفتوى الشرعيةَ من شيخ الإسلام لكي يتصرّفَ تصرفاً شرعياً بناءً عليها، وقد وجَّهَ السلطانُ إلى شيخ الإسلام السؤالَ التالي: "إذا أراد قائدٌ مُسلِمٌ أنْ يستأصِلَ كافَّةَ الْمُلحدين بِمُساعدَةٍ جماعةٍ هُم أيضاً يُعانون من طاغيةٍ، ومَنَعَ هذا القائدُ مِنْ ذلك، فهَل يكونُ مُباحاً قتلُ هذا الطاغية، واستباحةُ أملاكِهِ؟"

وكان جوابُ شيخ الإسلام: "نعم يجوز قتلُ الطاغيةِ المتآمر مع الملحدين". وارتاح السلطانُ سليم للفتوى، واتخذ كافةَ الاستعدادتِ للمعركة المصيرية مع الصفويين، وانطلق في الثاني والعشرين من محرم سنة تسعِ مئةٍ وعشرين للهجرةِ الموافقة لسنة ألفٍ وخمسِ مئةٍ وأربعَ عشرةَ للميلاد، وكان انطلاقُ السلطان سليم من مدينة أدرنة على رأسٍ جيش جرار، ومسلَّح بأحدثِ الأسلحة النارية بما فيها البواريدُ والمدفعية بصنوفِها الخفيفةِ والثقيلة، واتجه من مدينة أدرنة شرقاً على طريق جده محمد الفاتح، فوصل وتجاوز القسمَ الأوروبي من العاصمة إسطنبول، وعَسْكَرَ في القسم الآسيوي بمنطقة أُسْكُدَار، فاستكمَلَ قواته البرية والبحرية، وانطلقَ الأسطولُ البحريُّ المشحون بالأسلحة والعتاد والتموين شمالاً عابراً مضيقَ البوسفور، فدَخَلَ البحرَ الأسود، واتجه شرقاً نحو مدينة طرابزون، وتابع السلطانُ مسيرتَه شرقاً على طريق جده محمد الفاتح الذي اتجه شرقا وانتصر على حسن أوزون جد الشاه إسماعيل الصفوي، وعلى خُطا الأجداد سار الأحفادُ،

وغادر السلطان أسكدارَ مع القوات البرية في الثالث والعشرين من شهر نيسان/ إبريل سنة ألفٍ وخمسِ مئةٍ وأربعَ عشرةَ للميلاد، فوصل إلى مدينة قونيا التركيةِ في أول حزيران/ يونيو، فاستراح السلطان والقوات مدة ثلاثة أيام، ثم تابع المسيرَ إلى مدينة سيواس التي تكثُرُ فيها الخلايا السريةُ؛ فترك فيها قوّةً مُكونة من أربعين ألفَ مقاتلٍ لحمايةِ المنطقة، وتأمين خطوطِ الإمداداتِ، وتطهيرِ المنطقة من القوى الموالية للصفويين، وواصلِ السلطانُ مسيرَه شرقاً، ومعه مئةُ ألفِ مقاتل، فوصل إلى مدينة أرزنجان التركية في الرابع والعشرين من شهر تموز/ يوليو، ووصلتْ إليه بَراًّ المهماتُ التي نُقلت بحراً من إسطنبول إلى طرابزون، وبعدَ ترتيبِ أمورِ الجيش، تابع المسيرَ، فوصلَ إلى مدينةِ أرض روم في الخامس من شهر آب/ أغسطس،

ووجدَ السلطانُ سليم أن عملاءَ الصفويين قد حرقوا جميعَ المحاصيلِ الزراعية والقرى على الطريق التي يسلِكُها الجيشُ العثماني من أرزنجانَ إلى تبريز لحرمانه من أية إستفادةِ من الموارد المحلية، وقد تمّ تنفيذُ تلك الحرائق بإشراف التركماني الأناضولي الباطني "محمد خان أُسطا جالو" الموالي للشاه إسماعيل الصفوي، وانسحب الصفويون شرقاً لاستدراجِ الجيش العثماني وإنهاكِه ثم الانقضاضِ عليه.

ورُغم المشقّة أمرَ السلطانُ سليم الجيش بمتابعة المسير، فبدأ تذمُّرُ الإنكشاريينَ البكتاشيين بدعوى طولِ مدّة الحملةِ، وازداد التذمُّرُ في المنطقةِ الواقعة بين أرزنجان وأرضروم حيث يكثرُ الباطنيون، وتطوَّر التذمُّرُ إلى محاولة اغتيالِ السلطان سليم حيث أطلقَ الإنكشاريون البكتاشيون النارَ على خيمة السلطان، فأصابوها لكن السلطانَ نجا، وامتطى صهوة جواده المسمى: قره بولوت، أي: الغيم الأسود، وابتعد به الجوادُ عن الخيمة، ثم قامت الحراسةُ الخاصة "الصولاغية" بإلقاءِ القبضِ على الْجُناةِ الخونة، وشكَّل السلطانُ سليم محكمةً ميدانة حكمت بإعدامِ الخونة، وصدّق السلطانُ سليم على حكم الإعدام فأُعدِم الإنكشاريون الخونة إعداماً شرعياً، ولم يمثلِ المسلمون بأجسادهم، وقامت قواتُ "الصولاغ" بملاحقةِ العناصرِ الموالية للصفويين وتصفيتِها وتطهيرِ المنطقة منها لتأمينِ حماية القوات الخلفية للجيش العثماني.

ثم غادر الجيشُ العثماني مدينةَ أرض روم، و تقدَّم باتجاه مدينةِ تبريز الإيرانية عاصمةِ التركمانِ الصفويين، وسار عدَّة أيام دون أن يَجِدَ أثراً للصفويين الذين أرادوا خديعتَه بالتراجُع المخطَّطِ له بانتظار أنهاكِ الجيش العثماني، ثم الانقضاضِ عليه، ولكن السلطانَ قرَّرَ الالتفافَ على تبريزَ عاصمةِ الصفويين التركمان، فاستمرَّ في تقدُّمِهِ، ووصلَ قصَبة "بيازيد الشرقية: دوغو بايزيد" ثم تجاوزها إلى آذربيجان، واتَّجَهَ نحو الجنوب الغربي، ورافق ضفافَ نهر زنكما حتى وصل في الثاني والعشرين من شهر آب/ أغسطس سنة ألفٍ وخمسِ مئةٍ وأربعَ عشرةَ للميلاد إلى صحراء جالدران إلى الشرقِ من تبريزَ بين بحيرة إرمية وتبريز؛ قرب ماكو الواقعة إلى الجنوب الشرقي من جبل آغري مسافةَ خمسين كيلو متراً.

 وهنالك عقد السلطانُ سليم مجلساً حربياً مساء الثاني والعشرين من شهر آب / أغسطس، وقرَّر مباشرةَ القتال في صباح اليوم الثالث والعشرين منه، ونُفِّذت الخِطةُ التعبوية للجيش العثماني الخُماسي، فكان موقعُ السلطان في القلب، ومعه الصدرُ الأعظم الداماد أحمد باشا هرسك زادة، وقاد الجناح الأيمن والي الأناضول سنان باشا، ومعه والي قره مان زينل باشا، والخيالة "سُباهيو التيمار الأناضولي" وقاد الجناح الأيمن والي رومللي البيلربك حسن باشا ومعه الخيالة "سُباهيو تيمار رومللي" وكانت فرقةُ مشاةِ الإنكشارية الثقيلة المجهزة بالبنادق مع المدفعية في المؤخرة، وكانت فرقة صاعقةِ رومللي الخيالةِ المسلحةِ في المقدمة. وكانت وحداتُ المشاة العثمانية الخفيفة "العُزب" مسلحةً بالبنادق أيضاً وموزعةً ضِمن الجيش توزيعاً متناسقاً.

وكان الجيشُ الصفوي مُعَسْكِراً بشكل تعبوي في جالديران قبلَ وصولِ الجيش العثماني، وبذلك يكون هو الذي اختارَ ميدان المعركة السهلي ليتيحَ فرصةَ المناورةِ والمباغتة لقواتِ الفرسان التركمان الذين يعتمِدُ عليهم الشاه إسماعيل. ولم يكن تشكيلُ الجيش الصفوي خُماسياًّ، بل يتكون من جناحين فقط، وكان الشاهُ في الجناح الأيمن من جيشه، وكان قائدُ الجناح الأيسر والي ديار بكر التركماني محمد خان أُسطا جالو، وكان عددُ الجيش الصفوي نحو مائة ألف مقاتل أكثرهم من الخيالة التركمان.

 والتقى الجيش العثماني بالجيش الصفوي في جالديران في الثاني من رجب سنة تسعِ مئةٍ وعشرين للهجرة الموافقة لسنة ألفٍ وخمسِ مئةٍ وأربعَ عشرةَ للميلاد، وبدأ هجومُ صاعقةِ رومللي العثمانيين الخيالةِ بشكل أدهشَ الصفويين، ثم أمرَ السلطانُ بفتح الجناحين على شكلِ هلالٍ مُقلداً بذلك جدَّه السلطان محمد الفاتح يرحمه الله، ثم فتحت المدفعيةُ العثمانية نيرانَها على الصفويين فبدأ تساقطُهم بالآلاف، ثم أمرَ السلطانُ بإغلاقِ الجناحين، وقدَّم فرقةَ الاحتياطِ إلى الأمام، وأمرَ بالهجومِ على مركز الجناح الصفوي الأيمن للقضاءِ على الشاه إسماعيل الذي قتلَ أمَّه بالسيف لأنه لم تتبع نحلتَه، فجُرحت يدُ الشاه ورِجلُه، فخاف الوقوعَ بيد السلطان سليم الذي كان يتوعدُهُ بقصاصةِ وألبس الشاهُ ثيابَهُ لشبيهٍ له من أتباعهِ الصولاغيين الصفويين وولى هارباً من ميدان المعركة، ولما وصلَ العثمانيون إلى مكانهِ صرخ شبيهُهُ: أنا الشاهُ، فانشغل العساكرُ العثمانيون باعتقاله ثم تبيَّن أنه شبيهٌ مزيفٌ للشاه إسماعيل الصفوي، وقُتِل قائدُ الجناح الصفوي الأيسرِ محمد خان، والصدرُ الأعظم الصفوي الباقي بك، وقاضي العسكر الصفوي سيد حيدر ووالي بغداد الصفوي خلفاء بك تركمان أوغلى، ووالي عراقِ العجم وإنطالية وهمدان يكان بك،

واستشهدَ من العثمانيين واحدٌ برتبة باشا وتسعةُ قادةِ سناجقَ برتبة قائد لواء، وقُتِل عشراتُ الآلاف من عساكر الطرفين، ولكنَّ العثمانيين انتصروا وهربَ الصفويون، فأسروا منهم الآلافَ، ودخل السلطان سليم عاصمتَهم تبريز في الرابع عشر من رجب سنة تسع مئة وعشرين للهجرة في الخامس من أيلول/ سبتمبر سنة ألفٍ وخمسِ مئةٍ وخمسَ عشرةَ للميلاد، وفي اليوم الثامن من أيلول أقيمتْ صلاةُ الجمعة في تبريز حسبَ الشعائر الإسلاميةِ السُّنية وتمّ الدعاء بالنصر للسلطان سليم، واستولى السلطانُ على الخزائن الصفوية، وجلب إلى إسطنبول تختَ الشاه إسماعيل المصنوعَ من الذهب الخالص، ومازالَ ذلك التحتُ موجوداً في مُتحف طوب قابي حتى الآن، وأمر السلطانُ بنقل الخزائن الصفوية مع مئاتِ الفنانيين والشعراءِ والعلماءِ والصناع والحرفيين من تبريز إلى اسطنبول، فألحق صُناعِ الخزف بمصانعِ إزنيك المشهورة،

وبقي السلطانُ في تبريز تسعةَ أيامٍ لتنظيم أمورٍها، ثم تعقَّب الشاهَ حتى ضفافِ نهر الرسّ، ولكنه لم يتمكّنْ من القبضِ عليه، وأقبلَ فصلُ الشتاء ببرده القارس، فتذمر بعضُ الإنكشاريين البكتاشيين، فاستراحَ السلطانُ سليم الأول ثمانيةُ أيام، وعزلُ بيقلي من الصدارة العظمى، ونصَّبَ مكانه خادم سنان باشا في تشرين الأول/ أكتوبر، ثم عاد السلطان إلى مدينة أماسيا فشتّى فيها، وفي الربيع رجع السلطان إلى بلاد العجم ففتح قلعة "كوماش: كُماخ" في أيار/ مايس سنة ألفٍ وخمسِ مئةٍ وخمسَ عشرةَ للميلاد، ثم عاد إلى سيواس. وترك السلطانُ سليم قادةَ الجيوش العثمانية لتنفذِ مُهمات الفتوحات التي أعطاها لهم، وعلِمَ بالتحركات الأوروبية على جبهةِ البلقان تنفيذاً لاتفاقِهم مع الشاه إسماعيل على فتحِ الجبهتين معاً، فغادرَ السلطانُ سيواسَ عائداً إلى اسطنبول ليكونَ قريباً من الجبهة الغربية، وأخذَ معه الإنكشاريةَ المتذمرين ثم اعتقلَ كبارَ ضباطِهم وحقَّقَ معهم، ولما تبَيَّنَ له تآمرُهم مع الصفويين نفَّذَ بهم حُكمَ الإعدام كي لا تتكررَ الحادثةُ، كما أعدَم قاضي عسكر الإنكشارية جعفر الجلبي لأنه كان المحرِّكَ الأساسيّ لتذمُّر الإنكشارية بسبب ارتباطاتهِ الخيانيةِ السِّرِّيَّةِ بالصفويين.

ولم تحصل تلك الأمورُ من فراغٍ محليٍّ أو عالمي، فقد تولى البابوية "بولص: يوليوس الثاني" من سنة ألفٍ وخمسِ مئةٍ وثلاثٍ للميلاد، واستمرّ  حتى سنة ألفٍ وخمسِ مئةٍ وثلاثَ عشرةَ للميلاد، وفي عهد بابويته عقدَ المجمعَ البابوي وشكلَ "العُصبة المقدسة" سنة تسع مئة وسبع عشرة للهجرة الموافقة لسنة ألفٍ وخمسِ مئةٍ وإحدى عشرةَ للميلاد، وضمّت تلك العصبةُ البابا وفرديناندو ملكَ إسبانيا وهنري الثامن ملكَ الإنكليز، وتعصبت البابوية وبريطانيا وإسبانيا والمانيا ضدَّ ملكِ فرنسا لويس الثاني عشر، وبدأتِ الحربُ بين الفريقين مما خفَّفَ الضغطَ الأوروبيَّ على الجبهة العثمانية الغربية، ولكنَّ البابا رحلَ، وانتخب مجمعُ الكرادلةِ البابا لاون العاشر، فتولى البابوية حتى سنة ألفٍ وخمسِ مئةٍ وإحدى وعشرين للميلاد، واتفق البابا مع الصفويين، ودعا الدول الأوروبيةَ إلى عقدِ الهدنة فتمت اتفاقيةُ لندن بين الملك الفرنسي وأعدائه سنة تسع مئة وعشرين للهجرة الموافقة لسنة ألفٍ وخمسِ مئةٍ وأربعَ عشرةَ للميلاد، وبذلك طُويت صفحةُ حروبِ الخمسَ عشرةَ سنةً بين الفريقين الأوروبيين، ودعا البابا الجميعَ إلى محاربة العثمانيين، وطلب من الملك الفرنسي لويس الثاني عشر"الملقب بأبي المِلة الكاثوليكية" أن يقودَ الحملة، ولكن دعوتَه لم تلقَ التلبيةَ المناسِبة بسببِ موتِ الملك الفرنسي لويس الثاني عشر آخرِ ملوكِ فرع أورليان، وانتقلَ مِلكُ فرنسا إلى صهرِهِ فرنسوا الأول "السمين"، فنقض الهدنةَ وحاربَ السويسريين وانتصرَ عليهم في معركةِ "مارنيان" التي استمرت من الثالث عشر  حتى الرابع عشر من  أيلول/ سبتمبر سنة ألفٍ وخمسِ مئةٍ وخمسَ عشرةَ للميلاد، وخسر السويسريون خمسة عشرَ ألف قتيلاً، ثم توسَّط البابا بالصلح، وعُقدت معاهدةُ صلحِ "كونكودات؛ أي: المعاهدة الكنسية" وحَلّت محلَّ معاهدةِ "العصبة المقدسة" ثم كرَّر البابا لاون العاشر دعوةَ الدول الأوربية إلى حربِ العثمانيين واستغلال فرصة انشغالهم بحروب الصفويين على الجبهة الشرقية سنة ألفٍ وخمسِ مئةٍ وخمسَ عشرةَ للميلاد، فراسَلَ ملكُ المجر لاديسلاس، فاستجاب لطلب البابا وقبضَ منه مبلغَ خمسين ألف دوكا ذهبية، وهاجم مدينة بلغراد عاصمة صربيا، ولكنه هُزم عسكرياًّ حيث تصدّى له سنجق بك سمندرة العثماني وردّ المجريين على أعقابهم.  ثم قابل البابا ملكَ فرنسا فرانسوا الأول في مدينة بولونية الإيطالية وحرَّضه على قتالِ العثمانيين دونَ جدوى، ثم راسلَ ملكَ البرتغال ودعاه لحربهم أيضاً، ولكن دعوتَه لم تلقَ التعاون المطلوبَ بسبب الخلافاتِ الأوروبية بين أتباعِ "الإمبراطور كارلوس الخامس: شارلكان وريثِ تاجِ مكسيم ليانوس الألماني وتاجِ فرديناندو الإسباني" وفرانسوا الأول مما أوقع بينهما أربعَ حروبٍ دموية على الأراضي الإيطاليةِ وغيرِها، وتلك الحروبُ ضيعت فرصَ التعامُل الصفوي – الأوروبي المشترك، وخدمتِ العثمانيين خدمةً جليلة، وأسفرتْ بعد ذلك عن تحسُّن العلاقاتِ الفِرنسية العثمانية ضدَّ إسبانيا وأتباعِها بعقد معاهدة سنة تسع مئة وتسعٍ وثلاثين للهجرة، الموافقة لسنة ألفٍ وخمسِ مئةٍ واثنتين وثلاثين للميلاد، في عهد السلطان سليمان القانوني بن السلطان سليم الثاني.

 ولما ازداد الخطرُ الأوروبي على الجبهة الغربية والجبهة الإفريقية ترَك السلطانُ سليم مُهمَّة الفتوحات الشرقية لِقادة القوات العثمانية الميدانية، وأرسلَ حملةً بقيادة الصدر الأعظم سنان باشا إلى إمارةِ ذي القدرية فألحقها بالحكم المباشر وأصبحت إيالةً عثمانية، ولكنه ولّى عليها ابنَ عَمِّ أُمِّهِ علي باشا ذي القدرية برتبة بيلربيك، واستردّ والي أرزنجان محمد باشا بيقلي مدينة آمُد من الصفويين وقُتل واليَها التركماني – الصفوي قره خان أُسطا جالو، وأباد بيقلي محمد باشا وأغواتُ الأكرادِ الشافعية الجيشَ الصفويَ الذي كان في ديار بكر وقتلوا قائدَه "قره خان أسطا جالو" في معركة قوجه حصار سنة ألفٍ وخمسِ مئةٍ وستَّ عشرةَ للميلاد، وأصبح بيقلي محمد باشا أولَ والٍ على إيالة ديار بكر العثمانية التي رحَّبت بالعثمانيين الذين أنقذوها من جرائم الصفويين، وتمَّ تعيينُ المؤرخ الكردي إدريس البدليسي معاوناً للوالي ومندوباً سامياً للشؤون المدنية في المناطق الكردية. وفي السابع من نيسان/ إبريل فتح بيقلي محمد باشا مدينة ماردين وهَرَبَ الصفويون شرقاً، ثم ضمَّ ميناء "بيره جك" على نهر الفرات، وفتح حصن كيفا "قلعة حسن كيف" الأيوبية لكنَّ السلطان سليم أمرَ بتركِها للأيوبيين إكراماً للبطل صلاح الدين الأيوبي، وفتح بيقلي أورفة، والرقة، والموصل، فأصبحت القوات العثمانية على حدود المماليك الشمالية مباشرةً وبدأت المناوشات الحربيةُ بين العثمانيين والمماليك الذين كان متحالفين مع الصفويين وأوروبا ضد المسلمين العثمانيين
 والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته



thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16439277
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة