برنامج الشعر والغناء
الحلقة: الخامسة والثلاثون
هذه الحلقة حول الشعر المغني للشاعر المصري محمود حسن إسماعيل


Launch in external player


برنامج الشعر والغناء
إعداد وتقديم د. محمود السيد الدغيم
هذه الحلقة حول الشعر المغني للشاعر المصري محمود حسن إسماعيل
وهذه الحلقة هي الحلقة : 35 من سلسلة برامج الشعر والغناء، ومدة الحلقة: 46 دقيقة
وبثت هذه الحلقة من راديو سبيكتروم بلندن الساعة الثامنة مساء يوم السبت 14/4/ 1998م
وأعيد بثها أكثر من مرة
وقدمت من هذا البرنامج عدة حلقات من إذاعة ام بي سي اف ام، وبثت من البرنامج ثلاثون حلقة من راديو دوتشي فيلي الاذاعة العربية الألمانية، وبثت عدة حلقات من الإذاعة السودانية ، وبثت بعض الحلقات من الإذاعة التونسية، وقدمت لاتحاد الإذاعات العربية ثلاثون حلقة، وبلغ عدد حلقات هذا البرنامج الأسبوعي مئة وعشر حلقات

محمود حسن إسماعيل في سطور
 من مواليد قرية النخيلة مركز أبوتيج محافظة أسيوط
 حصل على ليسانس العلوم العليا 1936
 عمل بالمجمع اللغوي محررا بمعجم فيشر 1937
 عمل بمراقبة الثقافة العامة (الإشراف على تشجيع الإنتاج الفكري 1938
عمل بوزارة الشئون الاجتماعية (الاشراف على المجلة والإذاعة 1944
عمل مراقبا عاما، ثم مديرا عاما للبرامج الثقافية بالإذاعة المصرية 1944
 المستشار الثقافي لهيئة الإذاعة منذ عام 1969 حتى نهاية عمله بالإذاعة
 رئيس لجنة النصوص (الفترة الذهبية للأغنية المصرية
 عضو بمجمع بحوث اللغة العربية بالكويت (آخر المناصب التي تولاها
 أصدر كتاب الشعر في المعركة الجزء الأول 1957، والجزء الثاني 1967
له عدد من الدراسات الأدبية والمقالات والقصائد التي نشرت في العديد من الدوريات العربية مثل: السياسة الأسبوعية- أبوللو- النهضة الفكرية- الرسالة- الهلال- المصور- الإذاعة- الأقلام العراقية- البيان الكويتية- الرسالة الجديدة- الأدباء العرب- الوعي الإسلامي الكويتية- المسلمون- الأديب اللبنانية- مجلة المجلة- مجلة الشعر- كذلك الإشراف على تحرير مجلة الشعر
وفي الصحف مثل
الأهرام - البلاغ - المصري - الدستور - الأخبار - الجمهورية
ببلوجرافيا
حسب ترتيبها بالأعمال الكاملة للشاعر
الديوان الأول: أغاني الكوخ 1935
الديوان الثاني: هكذا أغني 1937
الديوان الثالث: المـــلك 1946
الديوان الرابع: أين المفر 1947
الديوان الخامس: نار وأصفاد 1959
الديوان السادس: قاب قوسين 1964
الديوان السابع: لابــــــــد 1966
الديوان الثامن: التائهون 1967
الديوان التاسع: صلاة ورفض 1970
الديوان العاشر: هدير البرزخ 1972
الديوان الحادي عشر: صوت من الله 1980
الديوان الثاني عشر: نهر الحقيقة 1972
الديوان الثالث عشر: موسيقى من السر 1978
الديوان الرابع عشر: رياح المغيب نشرته دار سعاد الصباح لأول مرة 1993
 ولد الشاعر في العاشر من يوليو عام 1910 بقرية (النخيلة) التابعة لمركز (أبوتيج) بمحافظة أسيوط. ويقول محمود حسن إسماعيل وهو يتحدث عن نشأته: عشت في قريتنا السنوات الأولى، ولم أكن في معظم الوقت مع أهلي في الكوخ بل كنت أعيش في الغيط على مشارف نهر النيل جنوب (أبوتيج) أشارك في العمل، أعزق الأرض، وأبذر الحب، أتابع البذرة منذ غرستها حتى الحصاد وتعلمت في الخص ودرست فيه وتقدمت إلى امتحان شهادة البكالوريا من الخارج، وحصلت عليها ثم رحلت إلى القاهرة لأدخل دار العلوم، كنت أقرأ في الخص الصحف وخاصة (البلاغ الأسبوعي) وكانت هذه الصحف تأتي إلى الباشا صاحب الضيعة المجاورة لحقلنا، وكان واحد يعمل عند الباشا اسمه فريد يذهب كل يوم إلى مكتب البريد لإحضار بريد الباشا وفيه الجرائد والمجلات، وكان فريد يمر بي فأتصفح بعض ما يحمل، وآخذ منه (البلاغ الأسبوعي) في يوم أو يومين قبل أن يصل الباشا، لم تكن لدي في الخص غير الكتب المدرسية، ولم أقرأ شعرا غير المحفوظات المقررة، ومن هذه المحفوظات بدأ رفضي لكل قول مكرر وتعبير زائف.
القاهرة
نزح مع الشاعر محمود حسن إسماعيل من قريته في صعيد مصر نايا أخرس الغناء، لم يكد ينشق لهاث المدينة في أكتوبر من عام 1932 حتى هزجت ناره بأنغام حملتها أوراق ديوانه الأشهر (أغاني الكوخ)، التي طلت على مسامع الناس في أول أيام عام 1935، في مناخ شعري أحول الروافد، زائغ الدرب، يقبس بيد مما غبر من تراثه، ويخلس بالأخرى مما عبر من غير ذاته، فكان ديوانه كما ذُكر ينبئ عن عبقرية مبكرة للشاعر الذي تغنى بحب الوطن، لكنه في الوقت نفسه لاقى هجوما عنيفا من بعض النقاد، إذ تخيلوا أن الشاعر لا يكون شاعرا أو كاتبا إلا إذا كتب عن جمال القمر في القرية مثلا، أما الأسباخ والأتربة والإنسان المتمرغ فيها، فلا يليق أن يتناولها من يحترم نفسه، وكانت الاستعارات البعيدة التي يستخدمها شاعرنا موضوع التندر والفكاهة مثل قوله عن الكوخ (بعثر عليه الدمع) إذ كتب ناقد يقول إن الدمع لا يبعثر إنما يسكب، والواقع أن شاعرنا كان يبعد أحيانا كثيرة ويشتط حتى يتعب قارئه ويضطر إلى أن يعيد قراءته حتى يعي ما يقوله، وكان يوغل وراء ما يريد صيده، فإما أن يدركه ويأتي به وإما لا يأتي بشيء ذي بال. لقد غنى محمود حسن إسماعيل للكوخ وللفلاح حين كان أبناء القرى الذين عرفوا المدينة يتبرؤون من الفلاح والقرية، وحين صدر (أغاني الكوخ) الذي يراه المعنيون بالأدب والشعر باكورة دواوينه، لم تكن الكتابة عن الفلاح كمنهج إلا عند شاعرنا وعند بنت الشاطئ في مقالات لها بالأهرام وقتها، و(أغاني الكوخ) صدر ولم يزل الشاعر طالبا بدار العلوم، وما أن صدر الديوان حتى خلف أنصار هذا الاتجاه الجديد في الأدب إلى إقامة حفل تكريم للشاعر في 26 من فبراير نفس العام، وقد ألقى للمحتفلين قصيدة سماها (وطن الفأس)، وما من شك في أن هذا الاتجاه عند الشاعر جاءه تلقائيا ثم وعاه وعيا تاما فاتخذه منهجا عمليا طوال حياته.
صور شعرية
يلاحظ أن ريادة حركة الشعر قد ظهرت في مصر قبل حركة الشعر الحر في العراق التي أرخ لها مؤرخو الأدب بقصيدة (الكوليرا) لـ(نازك الملائكة) بما يقرب من عشرين عاما، وكان من رواد هذه الحركة محمود حسن إسماعيل، فقد نشرت (مجلة أبوللو) في عدد فبراير 1933 قصيدته (مأتم الطبيعة) وقدمتها بعنوان قصيدة من الشعر الحر، ولنا أن نقف وبإيجاز أمام بداية كل من قصيدة (الكوليرا) لنازك الملائكة وقصيدة (مأتم الطبيعة) لشاعرنا. تقول الملائكة:
طلع الفجرُ
أصغِ إلى وقع خُطى الماشين
في صمتِ الفجرِ، أصخ، انظُر ركب الباكين
عشرة أموات عشرونا
لا تُحصِ ، أصخ للباكينا
اسمع صوت الطفل المسكين
موتى، موتى، ضاع العددُ
موتى، موتى، لم يبق غدُ
في كل مكانٍ جسدٌ يندبه محزون
لا لحظة إخلادٍ لا صمت
هذا ما فعلت كف الموت
تشكو البشرية تشكو ما يرتكبُ الموت
وقد صورت الملائكة في قصيدتها مشاعرها نحو مصر خلال وباء الكوليرا، وقد ساقتها ضرورة التعبير إلى اكتشاف الشعر الحر كما قالت عن نفسها.. ويقول محمود حسن إسماعيل:
أطرق الطير على هام الغصون
كذبيح، نفرت فيه الكلام
ودجا الكون، وسجاه السكون
بدثار الموت، والموت ظلام
وذكا فيه لهاب للشجون
أخرس الشادي بشجو، وغرام
أي خطب قد دهاه؟
وأسى أطبق فاه؟
تختلف القصيدتان في الصورة الشعرية وأدوات التعبير وفي النفس الشعري - إن صح التعبير- وفي المنحى الوجداني؛ عنوان القصيدتين فيه مباشرة عند الملائكة، ورومانسية ملتحمة بالوجدان عند شاعرنا، أغرقت قصيدة (الكوليرا) في التقريرية المباشرة التي تفسد الشعر من خلال إفساد أدواته وأولها الموسيقى على الرغم من أن الملائكة قد انتقلت من الجملة الخبرية إلى الجملة الإنشائية من أمر ونهي ست مرات في هذه الأسطر الشعرية، في حين أن قصيدة (مأتم الطبيعة) قد ارتفعت بموسيقاها على الرغم من أن الشاعر لم ينتقل إلى الجملة الإنشائية من الجملة الخبرية إلا في سطرين شعريين في استفهام ما بين ثمانية أسطر شعرية والانتقال بين الخبر والإنشاء يثري النص كما هو معروف.
أمام سذاجة الصورة الشعرية وتقريريتها ومباشرتها ونثريتها عند الملائكة، تقف الصورة الشعرية بتشكيلها الزماني والمكاني عند محمود حسن إسماعيل وقد استطاع أن يوفق بين الحركة التي تموج بها النفس (الذات) والحركة التي تموج بها الأشياء (الموضوع) فجاءت المفردات في بنائها وفي علاقتها بالصورة تحمل قدرا من الموسيقى أمكن توظيفه في هذه النقلة في موسيقى الشعر، وقد طوع الشاعر الشكل الموسيقي لحركته النفسية والوجدانية، وهو الأساس الأول في الشعر الحر لأن الشاعر القديم كان يطوع حركته النفسية والوجدانية للشكل الموسيقي القائم، هذا التفاعل الخلاق بين الشيء الخارجي والشيء الداخلي، بين الموضوع والذات، شحن المفردات في قصيدة (مأتم الطبيعة) بشحنات موسيقية عالية. بناء على هذا يمكن القول بأن قصيدة (الكوليرا) بشكلها الخبري قد تضاءل فيها هذا القدر من التواؤم والتفاعل بين الذات والموضوع.
ألوان جملت اللوحة الشعرية
نشأ الشاعر في شارع من شوارع (النخيلة) اسمه (شارع الراهب) وبجوار بيتهم هناك كنيسة كان يسمع أجراسها، ويرى عندها بعض رجال الدين المسيحي؛ أما بيته ففيه القرآن يتلى والصلوات تقام؛ أما مزاج شاعرنا الخاص فيشكله حب الطبيعة والتأمل فيها وحبه للعزلة، كذلك الحزن المصري العريق الضارب في أعماق الريف المصري منذ آلاف السنين، ومن ثم فإنه كان قليل الأصدقاء، وإذا أضفنا إلى ما سبق مؤثرات أخرى في حياته الفنية، نشير إليها في إيجاز قاصدين ذلك التناقض في حياته الاجتماعية إبان تكوينه بين سادة للناس وعبيد للأرض وملاكها، وتأثره بأساتذته في دار العلوم وهي في أوج مجدها، وصحبة الزملاء ورفاق الدراسة، كذلك الحياة السياسية والأدبية التي أثرت في حياة الشاعر النفسية والفنية فقد عاصر ما بين الحربين العالميتين، ونشأت في تلك الفترة حركات أدبية، احتدم الصراع فيها بين القديم والحديث، وأدت الصحافة دورها كاملا في هذه المعارك فعرفت الناس بأدباء خالدين، وشعراء عظام، ومن هذه الحركات جماعة (أبوللو) التي انضم إليها النوابغ من الشعراء الشباب، كما أنه عاش متوسط الحال أرهقه غاية الإرهاق بناء بيت كانت النواحي المادية وبطء الإجراءات ومعاكسات أصحاب النفوس الوضيعة سببا في إحساسه بالضياع، كذلك أسرته، وقد سجلت زوجته هذا الإحساس في كلمتها التي نشرتها في عدد مجلة الثقافة الذي صدر عام 1977.
النزعة الصوفية
وما سبق لا يدعنا نتعجب من كون محمود حسن إسماعيل صوفي المزاج نشأة ووراثة وتأثيرا، وليس عجيبا أيضا أن يكون صوفي الكلمة والنغمة، يصدر عن ألم دفين وزهد، وجد فيه وفرض عليه وأملته على نفسه السامية دواع من ماضيه النقي وحاضره المزدحم بالمتناقضات، وآماله التي اصطدمت بصخور الزيف والباطل وخلل الموازين، ومن أمثلة هذه النزعة الصوفية ما تخيرناه من بين ديوانين هما (أغاني الكوخ) و(قاب قوسين) والأخير هو قمة النضج والتدفق عند الشاعر، وهاكم بعض الأدلة ففي قصيدة الكوخ قال:
ضمت حواشيه على عابد..
محرابه من فاقة دائر
رهبان عابدون حازوا الهدى..
ليلا فما في ديرهم كافر
من لم يقم منهم صلاة الدجى..
في النوم أداها له الساهر
يغفلون والكلب على مهدهم..
سهران لا يغفو له ناظر
هذا هو الكوخ بداخله عابد فقير وهناك عباد يصلون ويصلي عنهم الساهر إذا غفلوا والكلب سهران لا يغفو وكأنه (قطمير) كلب أصحاب الكهف باسط ذراعيه - صورة من رحيق سورة الكهف في مزاج الشاعر.
وفي قصيدة (النفس والخطيئة) يطلب الشاعر من الله تأجيل موعد اللقاء، لأن الخطايا تواكبت عليه والتوبة ماتت في مهدها بين يديه فهو يريد عمرا ثانيا، ولعلها من وحي قوله تعالى - في الآية 100 من سورة المؤمنون- "رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت"، يقول الشاعر:
كل الخطايا في يدي..
يا رب أجل موعدي
فتوبتي موءودة..
في مهدها لم تولد
مازلت أدعو الله..
للروح منذ مولدي..
ولكن الشيطان لا يترك التائبين النادمين على ما بدر منهم فهو يسدد سهامه لكل تائب ويغري بالمعصية كل ناسك، ويقابل الشاعر ذلك بمزيد من الاستنجاد طالبا بعض النور في ظلمات الحياة واثقا أن باب السماء لم يوصد:
رباه ... بعض النور،
قد طم الدجى في خلدي
سبحت بالإيمان في.. تيه عميق أبدي
قلبي إلى نورك نشوان..
بحب سرمدي
منطلق إلى سماء بابها.. لم يوصد.
فإذا وصلنا مع الشاعر إلى (شاطئ التوبة)، عنوانه لقصيدة أخرى يبكي ويذرف الدموع حزينا مستهولا معاصيه، إنها تعوي كالذئاب وتفح كالأفاعي وتنوح كالثكالى:
أبكي وتبكي ويبكي.. دمعي ويبكي بكايا
يقول: يا رب هذا.. إثمي وهذا تقايا
وذاك دربي وهذي .. على الطريق عصايا
ما كنت أعمى ولكن .. أعمى أغني شجايا
رباه عفوك إني .. للنور مدت يدايا.
وإذا تساءلنا ماذا يريد وماذا يكره؟ أجابنا: (أريد لقاء الله لا لمتابة.. ففي كل سر منه تسكن توبتي/ أريد لقاء الله دعوة حائر.. تلاشت خطاه عند باب الحقيقة/ أريد لقاء الله تضرع راحتي.. ويضرع سرا مؤمن في سريرتي).
لعلنا قد لفتنا إلى تغلغل خلق الصوفي في نفس الشاعر وفي شعره، وما يؤكد ذلك أن المعجم اللغوي للشاعر يكاد يكون معجما صوفيا وهو ليس بالمعجم الضيق ولا المحدود فما أوسع آفاق المتصوفين وما أكثر رموزهم، ونختم هذه المشاهد من صوفية الشاعر بهذا المشهد من ديوان (أين المفر) يصور فيه الشاعر النخيل وقد توقف عن الحركة لشدة القيظ بأنه صوفي الحد وهي صورة مبتكرة ترجع إلى رصيد التصوف في نفس الشاعر (وألحد صوفي النخيل فما أرى.. به هزة كانت إلى النسك تنتمي/ لقد كان رعاش الأيادي تبتلا.. إلى الله لم يندس ولم يتأثم/ فما باله أصغى.. وأصغت ظلاله/ كمنتظر حكم القضاء المحتم).
ذكرنا بعض ما يبين أن الشاعر استخدم كثيرا من ألفاظ العبادات في المعنى، وقد استخدم الشاعر في قصائد أخرى ألفاظا منها الركوع والسجود والصلاة، كذلك الضراعة والترانيم والطواف، وكلها شواهد وآليات تؤكد صوفية محمود حسن إسماعيل.
الملك فاروق
مدح الشاعر محمود حسن إسماعيل الملك فاروق بإصدار ديوان (الملك) وقد عيب عليه ذلك، بعد زوال الملابسات التي قال فيها ذلك الشعر، وتلك الملابسات تقول: إن فاروق في ذلك الوقت كان لا يزال شابا تتعلق به آمال الشعب، ولم يفسد بعد وكانت له مبادرات طيبة مثل مواساته لأهل الصعيد في الملاريا ومدحه العديد من الشعراء وغيرهم، وغنى له كبار المطربين والمطربات، فكان مدحه تعبيرا شعبيا صادقا، على أن مدح محمود حسن إسماعيل للملك كان يتضمن كثيرا من صور الشعب الكادح ويعبر عن كدحه وتطلعه، فكان صوت الكوخ يقول للملك فاروق نحن هنا، أما وإن فاروق قد انحرف بعد ذلك عن صالح الشعب فهذه مسألة أخرى.
الرحيل
في الخامس والعشرين من شهر أبريل من عام 1977 غادر الشاعر محمود حسن إسماعيل دنيانا، ونقل جثمانه من الكويت إلى القاهرة، وفي السابع والعشرين من نفس الشهر، شيع عشاق الشعر والأدب جنازته، فشيعوا حين شيعوه، عالما من الأدب الرفيع، وترك لنا محمود حسن إسماعيل حين رحل فنه شعرا زاخرا بكل معاني الحياة وبكل نبضة من نبضات القرية بدقائقها وتفاصيلها وكل ومضة من أمل الإنسان المصري والعربي والعالمي، فإن طموحات الإنسان- أي إنسان- جزء من طموحات الإنسانية يتغنى بها الشاعر السامي عبر العصور وبأصدق الألحان.
المراجع
(1) مقدمة الشاعر للطبعة الأولى من ديوانه أغاني الكوخ، القاهرة1935
(2) كتاب أعلام أسيوط، كتاب صادر عن محافظة أسيوط، أسيوط 1988
(3) الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر، دار سعاد الصباح، القاهرة 1993
(4) الديوان الرابع عشر- رياح المغيب قصائد لم تنشر، دار سعاد الصباح، القاهرة 1993
(5) أ/ محمد الطيبي هارون: الاتجاه الصوفي في شعر محمود حسن إسماعيل، دراسة منشورة في كتاب غير دوري، هيئة قصور الثقافة المصرية 1996
(6) د/ أحمد السعدني: الصورة الشعرية عند محمود حسن إسماعيل، دراسة منشورة في كتاب غير دوري، هيئة قصور الثقافة المصرية 1996


يصوره الشاعر محمود حسن إسماعيل (ولد في 2 يوليو 1910 وتوفي في 25 إبريل 1977م) يصور لنا رمضان كضيف عزيز حل وارتحل، فيقول
أضيفٌ أنت حـــلَّ على الأنام 
 وأقسم أن يحيا بالصــيام
قطعت الدهر جوابـــا وفـيــا  
  يعود مزاره في كل عــام
تخيم لا يحد حمـــاك ركـــن
  فكل الأرض مهد للخيـام
ورحت تسن للأجواء شرعا
  من الإحسان علوي النظام
بأن الجوع حرمان وزهــــد
 أعز من الشراب أو الطعام

لم يكن الغناء العربي بمعزل عن معايشة القضايا القومية للأمة التي ينتمي إليها ويعبر عن آمالها وتطلعاتها, وقد تجسدت هذه الفلسفة في أغنية "دعاء الشرق" التي يقول مطلعها:
"يا سماء الشرق طوفي بالضياء    وانشري شمسك في كل سماء
ذكريه واذكري أيامه    بهدى الحق ونور الأنبياء"
وهي القصيدة التي صاغ كلماتها الشاعر "محمود حسن اسماعيل" وبلغ في تلحينها "عبد الوهاب" مرتبة الكمال الفني, وأغنيات أخرى زاخرة بهذه المعاني, على عهد يكشف مواطن فلسفة الشعر والجمال والابداع في الغناء العربي المعاصر, ويؤكد مدى تأثير الشعر العربي في تطوير مسار الأغنية العربية, ومدى تغلغل كلمات الشاعر في وجدان الفنان والملحن, بصورة تدفعه إلى التعمق في الإبداع, والسير قدماً باللحن إلى ما يستحقه من إبداع وتطور, جدير بإعجاب المستمع وباحترام الجمهور, وجدير بالخلود في وجدان التاريخ

محمود حسن إسماعيل
(1910 - 1977م )
مولده ونشأته:
ولد فى 10 يوليو عام 1910م بقرية النخيلة مركز أبو تيج بمحافظة أسيوط .
ذهب الى القاهرة بعد ان تكون فهمه الفطرى للأدب بين الأكواخ والحقول من قرية فى قلب الصعيد التى نشأ وكبر وتكون مزاجه الأدبى فيها تلك هى قرية النخيلة
تعليمه
درس الشاعر محمود حسن إسماعيل بقرية النخيلة حتى حصل على البكالوريا ثم التحق بدار العلوم وتخرج فيها عام 1936م وكان أثناء دراسته ينشر أشعاره فى مجلة الرسالة
إنتاجه الشعرى
لمحمود حسن اسماعيل إنتاج شعرى غزير إذ بلغت دواوينه اثنى عشر ديوانا شعريا مرتبة حسب تاريخ الإصدار كالآتى
أغانى الكوخ سنة 1935م
هكذا أغنى سنة 1937م
أين المفر سنة 1947م
نار وأصفاد سنة 1959م
قاب قوسين سنة 1964م
لابد سنة 1966م
التائهون سنة 1968م
هرير الرزخ سنة 1969م
صلاة ورفض سنة 1970م
نهر الحقيقة سنة 1972م
موسيقا من السر سنة 1978م
صوت من الله سنة 1979م
وفاته
في السابع والعشرين من إبريل سنة 1977م شيع عشاق الشعر والأدب محمود حسن إسماعيل بعد أن نقل جثمانه من الكويت إلى القاهرة وكان فيهم كثير ممن عرفوا صباه وشبابه واستمعوا لشعره قبل أن يلقى في المحافل والندوات وقبل أن يطبع دواوينه والذين عاشوا معه تطلعاته فشيعوا عالما من الشعر الرفيع والمنهج البديع والريادة المبكرة .


محمود حسن إسماعيل
(1910-1977)
ولد بقرية النخيلة بمحافظة أسيوط في 2/7/1910، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي بين مدارس أسيوط والقاهرة.
ثم لحق بكلية دار العلوم جامعة القاهرة وتخرّج منها عام 1936 حيث حصل على ليسانس العلوم العليا، وقد اكتسب ثقافة واسعة وأُتيح له من التجارب ما لم يتح لزملائه، فعمل أول ما عمل محرراً بالمجمع اللغوي، ولم يلبث أن انتقل مستشاراً ثقافياً بالإذاعة المصرية وعمل فيها عدة سنوات، سافر بعدها في أواخر السبعينيات إلى الكويت بعد أن أُحِيلَ إلى التقاعد حيث عمل مدة سنتين أو ثلاثاً إلى أن توفي إلى رحمة الله بالكويت في 25 نيسان سنة 1977م، فنقل جثمانه إلى مصر حيث دفن في ثراها، وكانت مصر في وجدانه طوال فترة غربته عنها.
ومحمود حسن إسماعيل شاعر كبير متميز له لونه الشعري الخاص به، وقد أثار شعره الكثير من الجدل، فأشاد به بعض النقّاد باعتباره شعراً ذا أبعاد عميقة، وهاجمه آخرون باعتباره شعراً غامضاً بعيداً عن أرض الواقع، يجسد أخيلة مغرقة في الرمزية.
وقد تشكّل وجدان محمود حسن إسماعيل بكل صور الطبيعة الجميلة التي شاهدها في قريته النخيلة، وبكل أحزان الفلاحين البسطاء ومعاناتهم، أولئك الذين نشأ بينهم وعاشرهم وتأثّر بهم فتشرّب كل هذه الصور التي عكسها في شعره طوال حياته.
أشهر أعماله:
أصدر عدة دواوين هي على التوالي:
- أغاني الكوخ، 1935.
- هكذا أغني، 1937.
- الملك، 1946.
- أين المفر، 1947.
- نار وأصفاد، 1959.
- قاب قوسين، 1964.
- لا بد، 1966.
- التائهون، 1967.
- صلاة ورفض، 1970.
- هدير البرزخ، 1972.
- صوت من الله، 1980.
- نهر الحقيقة، 1972
- موسيقى من السر، 1978.
- رياح المغيب، نشرته دار سعاد الصباح لأول مرة عام 1993.
وقد صدرت منذ بضع سنوات مجموعة أشعاره الكاملة.
وكان شعر محمود حسن إسماعيل موضوعاً لعدة رسائل جامعية باعتباره لوناً فريداً في الشعر العربي المعاصر لواحد من أبرز شعراء التجديد.
من قصائد الشهيرة المغنّاة:
تغنى بشعره كبار المطربين، ومن أشهر قصائده «النهر الخالد»، «ودعاء الشرق»، اللتان شدا بهما الموسيقار محمد عبد الوهاب، وأنشودة «يد الله» للمطربة نجاح سلام، وأغان أخرى مختلفة.
ندوات ومحاضرات:
- الاشتراك في مؤتمرات الأدباء والشعر العربي، والمحافل الأدبية في مصر والبلاد العربية منذ عام 1935.
- الاشتراك في الندوة العالمية لموضوع الالتزام في الأدب بيوغسلافيا عام 1969.
- تمثيل مصر في مهرجان الشعر العالمي بيوغسلافيا عام 1969.
- الاشتراك في مهرجان الكواكب بمدينة «حلب».
جوائز تقديرية وأوسـمة:
حصل على عدة جوائز منها :
- وسام الجمهورية من الطبقة الثانية عام 1963.
- وسام الجمهورية من الطبقة الثانية عام 1965.
- جائزة الدولة التشجيعية عام 1964.
- وسام تقدير من الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة.
أعمال أدبية :
 - له كتاب «الشعر في المعركة » الذي صدر الجزء الأول منه عام 1957، والجزء الثاني عام 1967.
دراسات أدبية ومقالات وقصائد نشرت في المجلات والصحف:
له عدد من الدراسات الأدبية والمقالات والقصائد التي نشرت في العديد من الدوريات العربية مثل: السياسة الأسبوعية، أبوللو، النهضة الفكرية، الرسالة، الهلال، المصور، الإذاعة، الأقلام العراقية، البيان الكويتية، الرسالة الجديدة، الأدباء العرب، الوعي الإسلامي الكويتية، المسلمون، الأديب اللبنانية، مجلة المجلة، مجلة الشعر- مع الإشراف على تحريرها. وفي الصحف مثل: الأهرام، البلاغ، المصري، الدستور، الأخبار، الجمهورية.


شعر: صلاة إلى غمامة شاردة
أقبلي كالصـلاة
رقرقها النُسْـك
بمحـراب عابـد متبتّـلْ
أقبلـي آية من الله ُعليـا
زفّـها للفنـون
وحـي منـزّلْ
أقبلي فالجراح ظمأى
وكاس الحب ثكلى
والشعر ناي معطّلْ
أنت لحـن على فمي عبقـريّ
وأنا في حدائـق الله
ُبلبـلْ
أقبلي قبل أن تميـل بنا
الريـحُ
ويهوي بنا الفنـاءُ المعجّلْ
أنت كاسي وكرمتي
ومدامي
والطلا من يديك
ُسكْر محلـّلْ
أنت لي رحمة براها شعاع
هـلّ من أعين السمـا
وتنـزّلْ
أنت نبـع من الحنـان عليه
أطـرق الفن ضارعا
يتوسّـل
ولك الصـوت ناغم عاده الشـوق
فأضحـى حنينه يترسّلْ
نبرات كأنهـا شجـن الأوتار
في عـود عاشـق
مترحّـلْ
أو نشيد أذابـه الأفُـقُ النائـي
وغناه خاطـري المتـأمّلْ
فتعالي نغيب عن ضجّة الدنيا
ونمضي عن الوجود
.. ونرحلْ!
شعر محمود حسن إسماعيل

الانتظار - لمحمود حسن إسماعيل


انـتظرني  هنا  مع الليل.. iiإنّي
أنـا  فـي صدركَ المحطَّم iiسِرُّ
هـكذا  قالتِ  الشقيّةُ iiواللَّيْـ
ـلُ  على  صدرها أنينٌ iiوشِعْر
واهـتـزازٌ كـأنّه قُبَل iiالعُشّا
قِ، لـم يـحمِها حجاب وسترُ
ولـهـا  نـظـرةٌ كأنَّ iiبقايا
مـن وداع عـلى الجفون iiتمرّ
نعسةٌ،  وانتعاشة..  وهنا الشَيْ
ءُ الذي قيل عنه للناس: سِحر!
وابـتـهالٌ  كأنّه غُربة iiالطَّيْـ
ـرِ،  لـها في سمائم البِيد سَيْر
ولـها رعشةٌ كما انتفضتْ iiكأ
سٌ بـكـفّي، فكلُّها ليَ iiسُكْر
زمّارتي في الحقول كم صدحتْ
فـكدتُ  من فرحتي أطيرُ iiبها!
الـجَدْيُ في مرتعي iiيراقصُـها
والـنَّـحْل  في ربوتي iiيُجاوبُها
والـضَّوْءُ  منْ  نشوةٍ iiبنغْمتها!
قـد مـال فـي رَأْده يُلاعبُها
رنـا  لـها من جفون سَوْسنَةٍ
فـكـاد  من سَكرةٍ iiيُخاطبُها
نـفـخـتُ  في نايها iiفطَرَّبني
وراح فـي عُـزلـتي iiيُداعبُها
يُـغـازلُ  الروحَ  من ملاحِنِهِ
بـخَـفْـقَةٍ في الضُّحَى تُواثبُها
سـكرانُ  من بهْجة الربيع iiبلا
خـمْـرٍ بـه رُقْرِقَتْ سَواكِبُها
يـهـفـو إلـى مهده iiبمائسةٍ
مـن غَـضِّ بـرْسيمه iiيُراقبُها
صَـبـيَّـةٍ  فُـوِّفَتْ iiغلائلُها
وطُـرِّزَت  بـالـسَّنَا iiذوائبُها
غـنَّيْتُ في ظلِّها.. فهل iiسمعتْ
لـحـني وقَدْ أُرْعِشَتْ ترائبُها!
أم  زارهـا فـي مِهادها iiنَسَمٌ
وراح مـن فـتـنةٍ iiيُجاذبُها؟

هكذا أغنِّـــي
إن تسل في الشعر عني...هكذا كنت أغني
لا أبالي أشجَى سمعَك أم لم يُشجِ لحني
هو من روحي لروحي صلوات, و تغنِّي
و هْو من قلبي ينابيع بها يهدر فني
للأسى فيها تعاليل, و لليأس تمنّي
و هْو إحساسي الذي ينساب كالجدول مني
واثب كالطير في الأظلال من غصن لغصنِ
ذاهل كالوتر المهجور في عود المغنِّي
ساهم الأنفاس حيران...أيبكي أم يُغنِّي؟
لم يُصب من دهره غير جحود و تجنِّي
فانبرى يعصف في دنياه بالشدو المُرنِّ
زاجلا تذكي صداه نارُ أيامي و حزني
إن تُرد منه سُلُوَّاً عن أساة...فامضِ عني
هكذا يخفق نايي بين إلهامي و بيني
يُلهم الله...فيمضي و تر الروح يغنِّى
فسواء رحت تغضي لائما...أو رحت تُثني
مزهري نشوان لا توقظه ضجةُ كوني
مذهبي؟ لا مذهب اليوم سوى أصداء لحني
و لها الخلد! و لي في ظلها سحر التغنِّي
هي خمري! و هْي حاني! و هْي أعنابي و دنِّي
قد وهبت الفن عمري, و وهبت الشرق فنِّي
فليلم مَن شاء...إني راسخ كالطود جنِّي
فإذا رقَّ...فقل: يا قُبَلَ الأسحار غنِّى
إن تشأ فاسمع نشيدي...أو تشأ فارحل و دعني
و إذا أشجاك همسٌ من صداه...لا تلمني
ما أنا إلا كظلٍّ لشعوري...فاعفُ عني
محمود حسن إسماعيل

أنت دير الهوى وشعري صلاة

أقبلي كالصلاة
أقبلي كالصلاة رقرقها النسك
بمحراب عابد متبتل
أقبلي أية من الله علينا
زفها للوجود وحيُ مُنزَل
أقبلي كالجراح طمأي
وكأس الحب ثكلي
والشعر ناي معطل
أنت لحنُ علي فمي عبقري
وأنا في حدائق الله
بلبل
أقبلي قبل أن تميل بنا الريح
ويهوي بنا الفناء المعجل
زورقي في الوجود حيران
شاك ، مثقل باسي
شريد مضلل
أزعجته الرياح واغتاله الليل
بجنح من الدياجير مسبل
 
أقبلي يا غرام روحي فالشط
بعيد والروح باليأس مثقل
أنت نبعي وأيكتي وظلالي
وخميلي وجدولي المتسلسل
أنت لي واحة أفيء إليها
وهجير الأسي بجنبي مشعل
أنت ترنيمه الوجود بشعري
وأنا الشاعر الحزين المبلبل
أنت كأسي وكرمتي ومُدامي
والطلا من يديك سكر محلل
أنت فجري علي الحقول حياة
وصلاة ونشوة وتهلل
 
أنت طيف الغيوب
رفرف بالرحمة والطهر والهدي
والتبتل
أنت لي توبة
إذا زل عمري
وصحا الأثم في دمي وتململ
أنت لي رحمة
براها شعاع
هلي من أعين السما وتنزل
أنت صفو الظلال
تسبح في النهر
وتلهو علي ضفاف الجدول
أنت عيد الأطيار فوق الروابي
أقبلي، فالربيع للطير أقبل
أنت هولي وحيرتي
وجنوني
يوم للحسن زهوة وتدلل
أنت نبع من الحنان
عليه أطرق الفن ضارعا يتوسل
 
فتعالي نغيب عن ضجة الدنيا
ونمضي عن الوجود ونرحل
وإلي عشنا الجميل
ففيه هزج للهوي
وظل وسلسل
ووفاء يكاد يسطع الدنيا
بشرع إلي المحبين مرسل
عاد للغش كل طير
ولم يبق سوي طائر شريد مخبل
 
هو قلبي الذي تناسيت بلواه
فأضحي علي الجراح يولول
أقبلي .. قبل أن تميل به الريح
ويهوي به الغناء المعجل
أقبلي
فالجراح ظمأي
وكأس الحب ثكلي
والشعر ناي معطل
 
1938
 



وجئت أصلي
وجئت أصلي
ورغم الأعاصير ترمي خطاها بسفحي وجرحي
وساحات هولي
أتيت أصلي
ورغم احتراق الدروب
ونهش الخطوب لحبات قلبي ورملي
أتيت أصلي
ورغم الرزايا ... وتجوالها في خميلي وأيكي
وعشبي وسهلي
دهست السدود
ودست القيود
وجزت المدود ... وجئت أصلي ...

وجئت أصلي
وفجرت ذاتي لهيبا جديدا
يمزق أغلال رقي وذلي
وماكنت عبداً
ولاذقت قيدا ولكن صوتا خفيا من الله يملي !!
إذا حدث عنه، تردى صباحي بليلي !!
ورغم الظلام الذي ذقته من شرودي وميلي
نفضت الدجي عن وجودي ومزقت ويلي
وكبرت لله .. قلبي يكبر
قبل اختلاجات قولي

أتينا جميعا نصلي ..
وما كاد يفتح للنور باب
وجدنا المصلي
ميادين لهو تخاصر فيها الخنا والفسوق
وجدنا الحمام الذي كان يصغي
لصوت الحواميم
ذبيح الأمان
جريح المكان
يولول في صمته لا يفيق !!
... وجدنا التراب الذي صلى فيه "محمد"
حريقاً .. به لعنة الله ترغي وتزبد !!
... وجدنا المنابر
تحكي مجازر للطهر مخنوقة في العروق
... وجدنا علي صخرة الحق
.. ليلا .. ينادي الشروق
ونارا .. تشد يد النور
من قاع لسيل عميق
وصوتا من الله ...
يزأر في كل ركن عتيق
سنمضي لمحرابها؛ القدس جمعا نصلي
ولو غالنا الموت ... لم يبق أنفاس شيخ وطفل
بيوم ... سيزحف بالقادسية
وبالغضب الحر في كل نفس أبية
وبالثأر .. وهو الصلاة الزكية
فهيا إلى الثأر ... من كل سفح وسهل
وهيا ... وهيا
إلى المسجد القدس ... جمعا نصلي !!

وجئت له فوق ناري ... ومن ناري
أصلي !!
وجئت إلى أولة القبلتين
وبنت السماء التي ضمت النور بالساعدين
وبيت الضياء الذي رشه الله بالراحتين
ضياء، وعطراً
وقدسا وطهراً
ووحياً يسبح في أيتين

... وجئت
وجاء بجنبي صوت الآذان
مع الصمت يصرخ : أين الآذان؟
وجاءت بكفي تكبيرتان
هما رحمة الله في كل آن ...
وجاءت معي ركعتان، وجاءت معي سجدتان
وإيماءتان إلي الله مشدودتان
بجفنين للنور فوق المعارج تستطلعان

... وجاءت معي ليلة
عانقت بها سدة العرش تسبيحتان
بها الله سلم...
ونور ينادي
ونور يلبي
ونور يعانقه المشرقان !
ومن قاب قوسين
راحت تضيء جبين السما هالتان
 


اللحن المقهور
ليتني كنت صلاة
في كهوف الناسكينا
أتلاشى في طريق الله سوقا وحنينا
ليتني كنت غناء
تائها بين الصحاري
هزني طير غريب
فوق ركبان حيارى
***
ليتنى كنت شعاعا
في ليالي الحائرينا
أسكب السلوان للدمع وأغتال الأنينا
ليتني كنت سكونا
خاشعا بين الجبال
تتلاقى في آيات وجودي بالزوال
ليتني كنت غدا لا
تعلم الأقدار سره
أو نشيدا ضن شادي
الغيب أن يعزف نبره
ليتنى كنت على لُج البحار الخضر زورق
كيفما شاءت بي الريح على الأمواج تخفق
***
ليتنى كنت حفيف الغاب في آذان بيد
يسمع الليل صباباتى ويصغى لنشيدي
***
ليتني كنت صفير الحب من ناي الرعاة
تشرب الكثبان والقطعان خمراً من لهاتي
***
ليتنى كنت عصا في
كفٍ أعمى لايراها
هي تهديه ولكن
من إلى النور هداها‍
ليتني كنت غراما
بين جنبي عاشقين
سمعا إنشاد نيراني، فظلا خاشعين
ليتني كنت رياحا
تهتف الآباء منها
أنا أهواها … ولكن
رغم أنفي لم أكنها‍ٍ.

الفستان الأحمر
إن تكن ناراً؛ فما أشهى خلودي في سعيرك
أو تكن وردا؛ فيالهفة روحي لعبيرك
طرفك الهفهاف بيدي لوعة خلف ستورك
ولّهتُ روحي فطرت ترتوي من فيض نورك
تتمنى لو تهادت موجة فوق غديرك
أو خيالاً من هواها سابحاً طي ضميرك
ليت يا "فستان" لما لحت تزهو في حريرك
كنت ذرا نابض الإحساس يجري في أثيرك
يلثم الحسن ويهوي فانياً بين عطورك






thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16432813
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة