تعقيباً على ملف العثمانيين في ملحق تراث جريدة الحياة

د. محمود السيد الدغيم

باحث أكاديمي سوري مقيم في لندن

نشرت جريدة الحياة ملفاً في صفحتي التراث يوم السبت في 19/ 06/ 2004م، ودارت محتويات الملف حول العثمانيين وبلاد الشام (1517 - 1918) وتضمن مقدمة تحت عنوان: احتفالية عبد الكريم رافق - العثمانيون وبلاد الشام والدراسات العربية عن العلاقة، ودارت المقدمة حول مضمون البحوث التي قُدِّمت أمام المعهد الألماني للأبحاث الشرقية (بيروت)، والمعهد الفرنسي للشرق الأوسط في ندوة تكريمية للدارس السوري ابن محافظة إدلب عبد الكريم رافق، بتاريخ (28 - 30 أيار/ مايو، 2004).

1

وبدأ الملف بعمود تحت عنوان: بين التاريخ والأيديولوجيا للدكتور رضوان السيد، ثم دراسة بعنوان: علامة في دراسات تاريخ بلاد الشام الاجتماعي والاقتصادي، للدكتور الأردني محمد عدنان البخيت، ودراسة بعنوان: أعمال عبد الكريم رافق العلمية إذ تعنى بالمراحل المبكرة والتأسيسية دراسة تحليلية للكاتب السوري عبد الله حنا، ودراسة بعنوان: مسألة الزعامة في العصر العثماني الأول. استنتاجات عن نموذج بني معن للدكتور اللبناني مسعود ضاهر، ودراسة بعنوان: دخول الشام تحت حكم اسطنبول ومدى تأثيره في المراكز العلميّة في جبل عامل للقاضي الجعفري جعفر المهاجر

وامتاز الملف بنفس معادٍ للعثمانيين يتكئ على ثلاث أثاف من الأثافي الكفيلة بالقضاء على الموضوعية، هي: الأُثْفِيَّةُ القومية العربية،والأُثْفِيَّةُ الماركسية الشيوعية، والأُثْفِيَّةُ المذهبية الشيعية، ويستند الملف على أرضية إستشراقية غربية معادية للعثمانيين والمسلمين السنة. ومع ذلك لا يخلو الملف من فائدة تسلط الأضواء على مستوى الدراسات العربية التي مازالت رهينة النعرات، وتعليق مشاكلنا على مشاجب الآخرين.

ومن النقاط المضيئة الواردة في الملحق قول الدكتور رضوان السيد: "وجدت أن هذا الاهتمام المتجدد بالدولة العلية، لا يزال ناقص الشمول. إذ ليست هناك دراسة عربية واحدة عن نشوء الدولة وتحولها إلى إمبراطورية، كما أن الإمبراطورية لا تزال الدراسات الخاصة بها في الغالب من صناعة أوروبية أو أميركية، وهذا فضلاً عن بحوث العلاقات الدولية، وموقع الإمبراطورية وأدوارها في النظام العالمي القديم".

وأحب أن أضيف: إن الدراسات التي صدرت باللغة العربية اعتمدت على الترجمة من لغات أعداء الخلافة الإسلامية العثمانية، ومنها اللغة الروسية التي كتبها الشيوعيون اعتماداً على عداءين هما العداء الروسي القيصري الرومي الأرثوذكسي للمسلمين العثمانين، والعداء الماركسي الشيوعي السوفياتي، وتضاف إلى الدراسات الروسية المترجمة جميع الدراسات التي كُتبت بلغات المنظومة الشيوعية في أوروبا الشرقية والصين، واعتمدها الدراسون الماركسيون دونما إشارة إلى المصادر والمراجع باعتبارها من الْمُسَلَّمَاتِ الْمُعْتَمَدَةِ طالما أنها تعادي "الدين أفيون الشعوب" على حدِّ زعمهم، وهنالك بعض الدراسين الذين اعتمدوا على الدراسات الأيرانية الفارسية الصفوية الشيعية التي كُتبت بروح عدائية لا تختلف عن الصليبية والماركسية، وهذه الحقائق ملموسة في محتويات الملف الذي نشرته جريدة الحياة.

ويقول الدكتور رضوان: "ثم أن هناك قصوراً شديداً في معرفة اللغة العثمانية عندنا وفي مصر وحتى تركيا مذ صار صعباً على الشبان الأتراك قراءة الحرف العربي بعد القطيعة الكمالية".

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأتراك الجمهوريون العلمانيون قد ترجموا من اللغة العثمانية إلى التركية الحديثة ما يحلوا لهم من التاريخ العثماني، فاستبعدوا الروح الإسلامية، وأبرزوا القومية التركية، ثم جاء المترجمون والدارسون العرب، فترجموا ذلك التاريخ المزور، وطعموه بتزوير عربي قومي أو حزبي أو مذهبي، فضاع القارئ العربي، وتشوشت أفكاره حتى أصبح العرب يحملون السلطنة العثمانية جميع مصائبهم من المغرب حتى عمان رغم أن المغرب لم يحكمه العثمانيون، كما أنهم لم يحكموا بعض المناطق العمانية، ومع ذلك التخلف العربي واحد سواء أكانت منطقته تحت السلطة العثمانية أم لم تكن.

ويقول الدكتور رضوان: "إن حنين الإسلاميين العرب للعثمانيين له مسوِّغاته، وإن لم تعد دوافع ذاك الحنين دينية خالصة. أما الأكاديميون، فيتعلق الأمر عندهم بتقدم البحوث والمناهج التاريخية، والكتابة التاريخية في شكل عام، وقبل ذلك وبعده الوعي التاريخي بالذات والدور، والموقع في العالم المعاصر".

وتعليقنا على هذا الكلام: إن الفصل بين الإسلاميين والأكاديميين لا مبرر له حيث نجد أن بعض من يدعي الأكاديمية والموضوعية تعامل مع التاريخ العثماني بنزوات مبنية على الحقد المؤدلج البعيد كل البعد عن الموضوعية، ولم يتعلق الأمر عندهم على الوعي التاريخي، وأما ما يسمى بالمؤرخين الإسلاميين فقد قرأ بعضهم التاريخ العثماني قراءات خاطئة تنسجم مع خلفياتهم السياسية والقومية، وعلى رأس هؤلاء الذين انضموا إلى الإسلاميين من القوميين والماركسيين وأتباع المذاهب الدينية المخالفة للمذهب الحنفي الذي اتبعه العثمانيون، ولذلك نستطيع القول: إن دراسات التاريخ العثماني العربية وغير العربية مازالت بعيدة عن الإنصاف، ومازالت الصورة مشوهة عن عمدٍ، أو عن جهل.

2

أما الدكتور الأردني محمد عدنان البخيت، فقد أشاد - بنزاهة الغربيين الذين تتلمذ عليهم الدكتور عبد الكريم رافق - في بحثه "علامة في دراسات تاريخ بلاد الشام الاجتماعي والاقتصادي" وأثنى على

مجلة (دراسات تاريخية) 1979، التي تصدرها لجنة كتابة تاريخ العرب في جامعة دمشق، وهنا نودُّ الإشارة إلى أن مشروع إعادة كتابة التاريخ يشبه مسح المخ إلى حدٍّ بعيد، ومن يتابع الكتابات التاريخية التي صدرت في بلاد الشام خلال القرن العشرين يكتشف دسَّ السُّمّ في الدسم، ومع ذلك لا نعدم ومضات خجولة هنا وهناك لكنها خافتة ضمن ليل بهيم تسوده الأيديولوجيا السوداء.

3

وتضمن الملف بحثا بعنوان: "أعمال عبد الكريم رافق العلمية إذ تعنى بالمراحل المبكرة والتأسيسية. دراسة تحليلية" للكاتب السوري

عبد الله حنا الذي عرض بعض كتابات عبد الكريم رافق، وربط منهجيته بعصر التنوير الذي استفاده رافق أثناء تحضير الدكتوراه في جامعة لندن، ولذلك رأى أن: "غاية الاحتلال العثماني للبلاد العربية الإبقاء على الوضع السائد فيها شريطة تقديم الطاعة ودفع أموال الميري للسلطات العثمانية في اسطنبول".

هذا الكلام مملوء بالتدليس الذي يناقض الحقيقة، ومن المعروف أن البلدان العربية بدأت تتساقط تحت الحكم الصليبي الكاثوليكي الذي قاده فرديناندو وإيزابيلا، فبعد سقوط الأندلس سقطت الجزائر وتونس وليبيا، وامتد القرصنة الصليبية إلى سواحل شبه الجزيرة العربية، وأصبحت المدينة المنورة مهددة، ووضع الباب خطة لنبش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تكن تلك الأمور خافيةً على سلاطين آل عثمان الذين كان يصلهم الوفد تلو الوفد من المسلمين طلباً للنجدة والإغاثة، وكانت الطرق مقطوعة أمامهم جراء التآمر والتعاون الصفوي الأيراني والمملوكي والصليبي، وهذا التآمر المبني على الحقد الديني الصليبي، والحقد المذهبي الصفوي، والحقد النفعي المملوكي، هو الذي دفع العثمانيين إلى تحرير البلدان العربية وليس احتلالها كما يدعي عبد الله حنا ومن هم على شاكلته من دُعاة الموضوعية الماركسية.

ويقرر عبد الله حنا إن "رافق سليل تيارين:

العراقة النهضوية.. والحداثة القائمة على رؤية من أهدافها الأخذ من الغرب مفاتيح التطور الضروري لنهوض الشرق" وفي هذا الكلام تضليل يناقضه الواقع الذي نعيشه فالغرب لم يساهم في نهضة الشرق بل يحتله على الصعيد الثقافي والاقتصادي، والآن يشن حملاته الصليبية الصهيونية على العرب والمسلمين، ومع ذلك يصفق له عملاؤه سراًّ وجهراً.

ويهاجم عبد الله حنا البترو دولار، وينعى "تراجع تأثير الأفكار الاشتراكية بعد ضعف الاتحاد السوفيتي ومن ثم زواله، والتأثير السلبي للتعامل بالبترو دولار، ورغبة القوى الاستعمارية وبخاصة في الولايات المتحدة في مساندة هذا الفكر الظلامي للوقوف امام جبهتين: جبهة الافكار الحية للنهضة العربية ورديفها حركة التحرر العربية، وجبهة القوى العالمية المناهضة للاستعمار والاستبداد والتي كان في مقدمتها الاتحاد السوفياتي ومن حوله ما عرف بالمنظومة الاشتراكية".

كأن عبد الله حنا يعيش في كوكب آخر، فهو يتحسر على الشيوعية التي لم تقدم للأمة العربية سوى الوعود الخلابة، واحتلت الدول الإسلامية في آسيا الوسطى، وأوروبا الشرقية وأكثر من نصف آسيا وإفريقيا، وخلفت الإلحاد والإباحية وعصابات المافيا والانهيارات الاقتصادية التي حولت سكان الاتحاد السوفيتي المنهار إلى متسولين في شتى الدول الرأسمالية مما ساهم بتنشيط تجارة الرقيق الأبيض.

ولا يخفي عبد الله حنا عداءه للإسلام حيث يصف المسلمين بصفة "قوى الظلام" المحلي اليميني (العربي الإسلامي)" ويدعي تعاونهم مع "الجانب الآتي من وراء المحيط، والذي اسهم ويسهم بل يغذي الظلامية" ويدعي أن هذه القوى وقفت "أمام حركة التحرر الوطني، ومقاومة الشيوعية". ومما لاشك فيه أن هذا الربط ليس له أساس سوى الوهم الذي يسيطر على المأخوذين بغرام الماركسية وكل ما يعادي المسلمين لغاية في نفس يعقوب.

ويقول عبد الله حنا: "وإن من يقرأ سيل الكتب والمجلات، التي يمولها البترودولار، او يرى الفضائيات العربية يصاب بالدهشة مما آلت إليه الأوضاع الفكرية من اهتمام بتوافه الأمور والاعتقاد بالخرافات والأساطير والخوارق" وهذا الكلام يتضمن طعناً بالدين ووسمه بسماتٍ ليست منه في شيء، وقد ألصقها الملحدون بالدين الإسلامي من باب الحقد لا أكثر ولا أقل، ونحن نرجو لعبد الله حنا وأمثاله أن ينظروا حولهم فالعالم أوسع من المنظور الماركسي اللينيني، والقبول بالتعددية هو البديل عن النظرة الأحادية الشمولية.

4

وتضمن الملف بحثاً للأستاذ اللبناني مسعود ضاهر، بعنوان: "مسألة الزعامة في العصر العثماني الأول. استنتاجات عن نموذج بني معن"

ولفت انتباهي قول الأستاذ: "لكن الولاة أنفسهم لن ينجوا من سلبيات تلك السياسة إذ تعرض بعضهم للعزل المبكر، ومنهم من لم يتم العام الأول من ولايته بسبب عجزه عن جباية الضرائب من المقاطعات المتمردة".

والحقيقة التي لم يذكرها الأستاذ أن أهم أسباب العزل في السلطنة العثمانية هو فسادُ الولاة، وتقاضيهم الرشوة، وليس بسبب عجزهم عن جباية الضرائب، ومن الجدير بالذكر أن المواصلات كانت صعبة في تلك الأيام، ولم يكن وصول الشكوى سهلاً، ولكن المؤكد أن السلطنة لم تكن تتساهل مع الفاسدين بل كانت تعزلهم، وتقيم عليهم الحدود الشرعية التي قد تصل إلى القتل بالحدّ.

ويقول الأستاذ مسعود: "وعندما تجاوز بعض الولاة حدود الصراعات المحلية وسعوا إلى إقامة تحالفات إقليمية أو خارجية هددت أمن السلطنة ومصالحها العليا، جردوا عليه حملات عسكرية لتأديبه وإنزال أشد العقوبات بالقوى المحلية التي ساندته، ومنهم القوى المحلية في الإمارتين المعنية والشهابية".

وهذا الكلام يدلُّ على أن الدولة العثمانية كانت على حق في قمع الخونة الذين كانوا يتآمرون مع الدول الأجنبية وفي مقدمتها فرنسا، ومما لاشك فيه أن التآمر كان يستند إلى أسباب دينية أو مادية، ومن الطبيعي أن تقف السلطنة ضد التآمر مع الدول المعادية.

5

وتضمن الملف بحثا للشيخ الجعفري جعفر المهاجر بعنوان: "دخول الشام تحت حكم اسطنبول ومدى تأثيره في المراكز العلميّة في جبل عامل"

قال جعفر: "سنة 921هـ/ 1515م وقف الجيش العثماني، بقيادة سليم الأول في سهل مرج دابق، الى الشمال من حلب، تواجهه جيوش المماليك، بقيادة سلطانهم العجوز قانصوه الغوري." وهذا التاريخ غير دقيق لأن الغوري قُتِلَ في معركة مرج دابق في 25 رجب سنة 922هـ/ 1516م، وليس سنة 921هـ كما زعم المهاجر. ويقول: إن "الدولة العثمانية عاشت ما يقلّ قليلاً عن ستة قرون ونصف" وهذا خطأ أيضاً فقد نشأت سنة 1282م واستمرت حتى سنة 1923م، أي استمرت 642 سنة وهذه المدة أكثر من ستة قرون، وليس كما زعم، ويقول: "اجتاحت الأناضول تحت شعار نشر الإسلام في الرقعة الرومية" والحقيقة أن الإسلام كان منتشراً في الأناضول، وكانت مدينة قونية عاصمة المسلمين السلاجقة، ثم أصبحت عاصمة عثمانية قبل بورصة وأدرنة وإسطنبول.

ويقول المهاجر: "نذكر هنا أن فاتح الشام لم يكترث اطلاقاً بالخلافة وبحمل لقب الخليفة، كما فعل الظاهر بيبرس من قبل" وهذا الكلام غير دقيق لأن السلطان سليم أخذ الخلافة، ونقل معه إلى إسطنبول الخليفة محمد المتوكل على الله العباسي وعائلته.

ويقول المهاجر: "قبل أشهر من مرج دابق كان الجيش العثماني نفسه يقف في سهل جاليدران، بين بحيرة آرومية وتبريز، يواجهه الجيش الصفوي الإيراني". والحقيقة أن معركة جالديران وقعت سنة 920هـ/ 1514م وليس قبل أشهر من معركة مرج دابق.

ويقول الشيخ جعفر: "لكن اقامته في تبريز لم تطل لأكثر من ثمانية أيام. انكفأ بعدها مسرعاً نحو بلاده. الأمر الذي ترك الإيرانيين حائرين مدهوشين". والحقيقة التي أغفلها الشيخ هي أن سبب الانكفاء غرباً هي الخيانة التي ارتكبها المماليك حينما ضربوا مؤخرة الجيوش العثمانية، وقطعوا طريق الإمدادات بين أيران والأناضول مما كان سيؤدي إلى تدمير الجيش العثماني ووقوعه بين الجيوش المعادية في أيران وسوريا بالإضافة إلى تحركات البلقان المدعومة من البابوية في روما، وهذا هو السبب الذي دفع السلطان سليم إلى التراجع كي يحافظ على جيشه، ويؤدب المماليك ثم يتفرغ للصفويين بعد تعطيل ذلك التحالف الثلاثي بين روما والصفويين والمماليك.

ويقول المهاجر: "ولم يكن غرضه (السلطان سليم) في جاليدران إلا تأمين ظهره وهو يتجه جنوباً صوب الشام" وفي هذا الكلام خلط واضح لأن العثمانيين كانوا يقيمون علاقات جيدة مع المماليك، ولكن المماليك تراجعوا عن الموقف المطلوب، وعندما ابتدع الصفويون مذهبهم قاومهم المماليك، ولكنهم تعاونوا معهم ضد العثمانيين، وسمحوا للوفود الصفوية والوفود الصليبية باستخدام الأراضي المملوكية للتنقل ذهاباً وإيابا بين البابوية في روما وإيران.

ويقول المهاجر: "والحقيقة أن الصفويين .. بصفتهم تنظيماً صوفياً" وهذا الكلام غريب فالصفويون طالبوا السلطنة العثمانية أن تعترف بمذهبهم كمذهب خامس فرفض العثمانيون ذلك لأن مذهب الصفويين مزج بين التصوف والتشيع الباطني والبدع.

ويقدم المهاجر صورة ترجيدية حيث يقول: "لذلك كان من أول الأعمال التي قام بها السلطان سليم قبل أن يتجه الى جاليدران تنظيم مذبحة هائلة للشيعة في أنحاء مملكته، سقط ضحيتها أربعون ألفاً من الرجال. أما النساء والأطفال والشيوخ، فضلاً عن أقرباء القتلى وأصدقائهم، فقد دُمغ كل منهم على جبهته بالحديد المحمى ليُعرف الى الأبد، ثم أمر بنفيهم في أنحاء أوروبا، وخصوصاً في مكدونيا". والحقيقة أن السلطان سليم قضى على الفتن التي كانت تهدد السلطنة، ومن المعلوم أن تيمور لنك كان شيعيا وقد أسر السلطان بايزيد الأول سنة 804هـ/  1402م، ونشر الفساد في بلاد المسلمين وفرض التشيع على العرب والأكراد والأتراك، وناضل العثمانيون أكثر من قرن حتى أعادوا للمسلمين السنة حقوقهم المسلوبة.

ويقول المهاجر: "تجربة الشعوب التركية مع الشعوب الإسلامية كانت دائماً تجربة اشكالية، منذ دخولهم الى الإسلام راضين، في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي. أضف الى ذلك، أن دخولهم هذا بدأ محصوراً ومُحاصراً بمذهب واحد هو المذهب الحنفي. ولذلك، ربما، لم يفهموا من الحق في الاجتهاد والاختلاف حتى المستوى البائس الذي (فهمه)، أو على الأقل، عمل به المماليك أثناء فترة حكمهم الطويلة. ومن ذلك أن الظاهر بيبرس، المؤسس للحكم المملوكي فكرياً وعملانياً، تقبّل فكرة وجود أربعة مذاهب متوازية، أما العثمانيون فقد حصروا المناصب ذات الصفة الدينية بمذهبهم وحده".

وهذا الكلام نابع عن تعصب شيعي ليس له ما يبرره سوى ضيق الأفق، فالشيعة لا يمثلون كافة المسلمين بل يمثلون أنفسهم كأقلية، وعلاقة العرب بالأتراك لم تكن مشكلة بل كانت نقطة مضيئة، فلما طغى البويهيون الشيعة على الخلافة الإسلامية العباسية جاء تدخل السلاجقة الأتراك لإنقاذ المسلمين وليس كما ادعى المهاجر، وقد تصدى السلاجقة للصليبين، وتابعهم الأتابكة التركمان والأيوبيون، وقام أتراك تركستان الشرقية والغربية بمحاربة التتار فترة طويلة قبل سقوط بغداد جراء التآمر سنة 656هـ 1258م، وقام المماليك برد التتار في عين جالوت سنة 658هـ/ 1260م، ورفع المماليك راية الدفاع عن العالم الإسلامي، ثم سلموا الراية إلى العثمانيين فحفظوا بيضة الإسلام رغم تآمر المتآمرين.

ويدّعي المهاجر: "تحوّل عدد غير قليل من الفقهاء السنّة في الشام ومصر الى المذهب المحظوظ، محافظة على حظوظهم" وهذا الكلام غير مقبول ممن يدعي الموضوعية لأن الدين أسمى من الحظوظ التي يدعيها، وهو في هذا الكلام يسخر من المسلمين الذين يخالفونه، ولا يقنعون بأفكاره وبدعه.

ويدعي أن المماليك "كان كل همهم محصوراً في حراسة الامتيازات التي تتمتع بها الطبقة العسكرية التي يمثلونها. ولذلك فقد تركوا امر الاختلاف في العقائد والفقه وبلبالها الى أربابها، يذهبون بها حيث يحلو لهم". وهذا الكلام لا يتجاوز التجني، وبناء آلاف المدارس والمكتبات والزوايا والتكايا والأوقاف المملوكية خير دليل على تفنيد هذا الادعاء المغرض، وما ذهب إليه المهاجر من قَصْرِ النهضة العلمية على جبل عامل المتشيع، متجاهلاً ما أنتجته بقية الحواضر والمذاهب الإسلامية الأربعة، والغريب أن المهاجر يتقبل التعاون مع الصفويين ويبرره، ويستغرب موقف الدولة العثمانية التي كانت في حالة حرب دينية مع الدولة الصفوية والمذهب الشيعي، ولكنه لا يعترض على ما ألحقه الصفويون من ذبح واغتيال بحق المسلمين السنة بشكل عام.

ومصرع شيخ جباع زين الدين بن علي في أيام السلطان سليمان القانوني وقع حينما كانت الحرب على أشدها بين العثمانيين السنة والصفويين الشيعة، وفي ذلك الوقت نفذ الصفويون مذابح في العراق وغيرها بحق المسلمين السنة مما فرض على السلطان قيادة المعارك الكبرى التي عُرفت بسَفر العراقين.

وقد برر المهاجر رحيل العامليين إلى إيران حيث يقول: "فانطلقوا بالعشرات صوب إيران الصفوية التي كانت بأمسّ الحاجة إليهم. وهكذا قدّم العثمانيون لأعدائهم الصفويين معونة أساسية مجاناً من حيث لا يحتسبون" ولا شكّ إن العثمانيين كانوا ينظرون إلى المتعاونين مع الصفويين على أنهم عملاء للعدو، ورحيلهم أفضل من بقائهم في البلاد. ولنا بالأحداث المعاصرة خير دليل على خطورة المتعاونين مع القوات الأجنبية.

 

 


thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16464798
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة