مقامات بديع الزمان الهمذاني : للتحميل بصيغة ملف وورد

وفاة بديع الزمان الهمذاني: 11 من جمادى الآخرة 398هـ

فن المقامة يتلمس علاج المجتمع في حلة من اللفظ، إن المتلقي يعجب بالصياغة، وحسن السبك، وجمال السجع، فينشغل بها ولا يفرغ لما تهدف اليه المقامة في مضمونها إلا بعد اكتمال المقامة وعمق التفكير في المضمون.


وفن المقامة يقوم على الراوي ْ وهو في مقامات بديع الزمان الهمدانيْ عيسى بن هشام، وعلى البطل، وهو في مقامات البديع أبو الفتح الاسكندري، وجل مقامات بديع الزمان الهمداني  في الكدية والبطل في تلك المقامات لديه القدرة على التلون، والخداع، في سبيل الحصول على المال، فهو يلجأ الى ضروب من الحيل، ليظهر بمظهر المستحق، ولديه الطرق المتنوعة، التي يصل عن طريقها الى قلوب الناس، فيستدر عطفهم، ويحصل على المال، والمقامات وان كان جلها في الكدية إلا أنها تعالج موضوعات أخرى، فنجد بعض المقامات تتناول القضاء، وبعض المقامات تعالج موضوع الخرافات السائدة في المجتمع

اضغط هنا icon Maqamat al-Hamazani.zip (131.81 KB)   للتحميل

الْمَقَامَةُ الْقَرِيضِيّةُ

حَدّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: طَرَحَتْنيِ النّوَى مَطَارِحَهَا حَتّى إذَا وَطِئْتُ جُرْجَان الأَقْصى. فاسْتَظْهَرْتُ عَلَى الأَيامِ بِضِياعٍ أَجَلْتُ فِيهاَ يَدَ الْعِمَارةِ، وَأَمْوَالٍ وَقَفْتُهَا عَلى التّجَارَةِ، وَحَانُوتٍ جَعَلْتُهُ مَثَابَةٍ، وَرُفْقَةٍ اتّخَذْتُهَا صَحَابَةً، وَجَعَلْتُ لِلْدّارِ، حَاشِيَتَيِ النّهَار، وللحَانُوتِ بَيْنَهُمَا، فَجَلَسْنَا يَوْماً نَتَذَاكَرُ القرِيضَ وَأَهْلَهُ، وَتِلْقَاءَنا شَابّ قَدْ جَلَسَ غَيْرَ بَعِيدٍ يُنْصِتُ وَكَأَنّهُ يَفْهَمُ، وَيَسْكتُ وَكَأَنّهُ لاَ يَعْلَمُ حَتّى إِذَا مَالَ الكَلاَمُ بِنَا مَيْلَهُ، وَجَرّ الْجِدَالُ فِينَا ذَيْلَهُ، قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمْ عُذَيَقَهُ، وَوَافَيتُمْ جُذَيْلَهُ، وَلَوْ شِئْتُ لَلَفْظْتُ وَأَفَضْتُ، وَلَوْ قُلْتُ لأَصْدَرْتُ وَأَوْرَدْتُ، وَلَجَلَوْتُ الْحقّ في مَعْرَضِ بَيَانٍ يُسْمِعُ الصُّمَّ، وَيُنزلُ الْعُصْمَ، فَقُلْتُ: يَا فَاضِلُ أدْنُ فَقَدْ مَنَّيْتَ، وَهَاتِ فَقَدْ أَثْنَيتَ، فَدَنَا وَقَالَ: سَلُونِي أُجِبْكُمْ، وَاسْمَعُوا أُعْجِبْكُمْ. فَقُلْنَا: مَا تَقُولُ فِي امْرِىءِ الْقَيسِ? قَالَ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ وَقَفَ بِالدِّيارِ وَعَرَصَاتِهَا، وَاغْتَدَى وَالطَّيرُ فِي وَكَنَاتِهَا، وَوَصَفَ الْخيلَ بِصِفَاِتهَا، وَلَمْ يَقُلِ الشِّعْرَ كَاسِياً. وَلَمْ يُجِدِ القَوْلَ رَاغِباً، فَفَضَلَ مَنْ تَفَتَّقَ للْحِيلةِ لِسَانُهُ، وَاْنتَجَعَ لِلرَّغْبَة بَنَانُهُ، قُلْنَا: فَما تَقُولُ فِي الْنَّابِغَةِ? قالَ: يَثلِبُ إِذَا حَنِقَ، وَيَمْدَحُ إِذَا رَغِبَ، وَيَعْتَذِرُ إِذَا رَهِبَ، فَلاَ يَرْمي إِلاَّ صَائِباً، قُلْنَا:فَمَا تَقُولُ فِي زُهَيرٍ? قَالَ يُذِيبُ الشِّعرَ، والشعْرُ يُذيبَهُ، وَيَدعُو القَولَ وَالسِّحْرَ يُجِيبُهُ، قُلْنَا: فَمَا تَقُولُ فِي طَرَفَةَ: قَالَ: هُوَ ماَءُ الأشْعَارِ وَطينَتُها، وَكَنْزُ الْقَوَافِي وَمَديِنَتُهَا، مَاتَ وَلَمْ تَظْهَرْ أَسْرَارُ دَفَائِنِهِ وَلَمْ تُفْتَحْ أَغْلاَقُ خَزَائِنِهِ، قُلْنَا: فَمَا تَقُولُ فِي جَرِيرٍ وَالْفَرَزْدَقِ? أَيُّهُمَا أَسْبَقُ? فَقَالَ: جَرِيرٌ أَرَقُّ شِعْراً، وَأَغْزَرُ غَزْراً وَالْفَرَزْدَقُ أَمْتَنُ صَخْراً، وَأَكْثَرُ فَخْراً وَجَرِيرٌ أَوْجَعُ هَجْواً، وَأَشْرَفُ يَوْماً وَالْفَرَزْدَقُ أَكَثَرُ رَوْماً، وَأَكْرَمُ قَوْماً، وَجَرِيرٌ إِذَا نَسَبَ أَشْجَى، وَإِذَا ثَلَبَ أَرْدَى، وَإِذَا مَدَحَ أَسْنَى، وَالْفَرزدقُ إِذَا افْتَخَرَ أَجْزَى، وَإِذَا احْتَقرَ أَزرَى، وَإِذا وصَفَ أَوفَى، قُلنَا: فَمَا تَقُولُ فِي المُحْدَثِينَ منْ الشُّعَراءِ والمُتَقَدِّمينَ مِنهُمْ? قالَ: المُتَقَدِّمونَ أَشْرفُ لَفْظاً، وَأَكثرُ منْ المَعَاني حَظاً، وَالمُتَأَخِّرونَ أَلْطَفُ صُنْعاً، وَأَرَقُّ نَسْجاً، قُلْنا: فَلَو أَرَيْتَ مِنْ أَشْعارِكَ، وَرَوَيْتَ لَنا مِنْ أَخْبارِكَ، قالَ: خُذْهَما في مَعْرِضٍ واحِدٍ، وَقالَ:

أَما تَرَوْني أَتَغَشَّـى طِـمْـرَاً

 

مُمْتَطِياً في الضُّرِّ أَمْراً مُـرَّاً

مُضْطَبناً عَلى اللَّيالي غِـمَـراً

 

مُلاقِياً مِنْها صُرُوفاً حَـمْـرَا

أَقْصَى أَمانِيَّ طُلُوعُ الشِّعْـرى

 

فَقَد عُنِينَا بِالأَمَـانـي دَهْـرَاً

وَكانَ هذَا الحُرُّ أَعْلـى قَـدْراً

 

وَماءُ هذَا الوَجْهِ أَغْلى سِعْـرَا

ضَرَبْتُ لِلسَّرّا قِبَاباً خُـضْـرَا

 

فِي دَارِ دَارَا وَإِوَانِ كِسْـرى

فَانْقَلَبَ الدَّهْرُ لِبَطْنٍ ظَـهْـرا

 

وَعَادَ عُرْفُ العَيْشِ عِنْدي نُكْرَا

لَمْ يُبْقِ مِنْ وَفْـرِى إِلاَّ ذِكْـرَا

 

ثُمَّ إِلى الـيَوْمِ هَـلُـمَّ جَـرَّا

لَوْلا عَجُوزٌ لِي بِسُـرَّ مَـنْ رَا

 

وَأَفْرُخٌ دونَ جِبَالِ بُـصْـرَى

قَدْ جَلَبَ الدَّهْرُ عَلَيْهِـمْ ضُـرَّا

 

قَتَلْتَ يَا سَادَةُ نَفْسي صَـبْـرَا

قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ، فَانَلْتُهُ مَا تَاحَ. وَأَعْرَضَ عَنَّا فَرَاحَ. فَجَعَلْتُ أَنْفيهِ وَأُثْبتُهُ، وَأَنْكِرُهُ وَكَأَنِّي أَعْرِفُهُ، ثُمَّ دَلَّتْنِي عَلَيهِ ثَنَاياهُ، فَقُلْتُ: الإِسْكَنْدَريُّ وَاللَّهِ، فَقَدْ كَانَ فَارَقَنَا خِشْفاً، وَوَافانا جِلْفاً، وَنَهَضْتُ عَلى إِثرِهِ، ثَمَّ قَبَضْتُ عَلَى خَصْرِهِ، وَقُلْتُ: أَلَسْتَ أَبَا الفَتْحِ? أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ? فَأَيُّ عَجُوزِ لَكَ بِسُرَّ مَنْ رَا? فَضَحِكَ إِليَّ وَقَالَ:

وَيْحَكَ هذَا الزَّمَان زُورُ

 

فَلَا يَغُرَّنَّكَ الـغُـرُورُ

لاَ تَلْتَزِمْ حَالَةً، وَلكِـنْ

 

دُرْ بِالَّليَالِي كَمَا تَدُورُ.


thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16438137
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة