الشعر المغني للشاعر المصري: علي الجارم



برنامج الشعر والغناء؛ الحلقة: الثانية والأربعون
 إعداد وتقديم د. محمود السيد الدغيم، وشاركت في تقديم هذه الحلقة المذيعة اللبنانية هيلين الحاج

{playerflv}/flv/Ali al-Jarem.flv|300|40|#000000|{/playerflv}

يُرجى الانتظار حتى يشتغل البرنامج لأن سرعة تشغيله مرتبطة بسرعة كومبيوتراتكم، وسرعة خطوط تزويدكم بخدمة الإنترنت

************

ويمكنكم تحمل البرنامج icon Ali al-Jarem.zip (20.17 MB)  من هنا

هذه الحلقة حول الشعر المغني للشاعر المصري: علي الجارم
وهذه الحلقة هي الحلقة : 42 من سلسلة برامج الشعر والغناء، ومدة الحلقة: 44 دقيقة وأربعين ثانية
وبثت هذه الحلقة من راديو سبيكتروم بلندن الساعة الثامنة مساء يوم السبت 31/5/ 1998م
وأعيد بثها أكثر من مرة
وقدمت من هذا البرنامج عدة حلقات من إذاعة ام بي سي اف ام، وبثت من البرنامج ثلاثون حلقة من راديو دوتشي فيلي الاذاعة العربية الألمانية، وبثت عدة حلقات من الإذاعة السودانية ، وبثت بعض الحلقات من الإذاعة التونسية، وقدمت لاتحاد الإذاعات العربية ثلاثون حلقة، وبلغ عدد حلقات هذا البرنامج الأسبوعي مئة وعشر حلقات


*************
علي الجارم.. وتجربة ناجحة لملحن هاو
لا أعرف بالضبط من صاحب هذا الاختيار الموفق، لكلمات شاعرنا الكبير علي الجارم، لكي تشدو بها أم كلثوم؟!. فهل يا ترى يرجع الفضل في ذلك الاختيار إلى الملحن المغمور آنذاك الدكتور أحمد صبري النجريدي.. الذي لعب دوراً رئيسياً في إتقان أم كلثوم غناء القصائد منذ بداية رحلتها الفنية مع مطلع العشرينات.. أم يعود ذلك الفضل لأم كلثوم نفسها التي كانت قد أقبلت في تلك المدة على غناء هذه النوعية المتميزة من كلمات شعراء مصر في العصر الحديث؟!.. وذلك تقليداً لأستاذها في الغناء الشيخ أبو العلا محمد.
ومهما كان هذا المتسبب في هذا الاختيار، فإن انضمام الشاعر المصري الكبير على الجارم إلى كوكبة الشعراء الذين تغنت بكلماتهم سيدة القصيدة العربية أم كلثوم، قد زان الاثنين. الشاعر والمطربة.
ويبدو أن جرأة أم كلثوم في اختيارها لهذه الكلمات التي سطرها الشاعر على الجارم ضمن إحدى قصائده، وفي هذا الوقت المبكر من مشوار حياتها قد ساهم كثيراُ في استمرارها بقوة فوق هذا الطريق الصعب الذي يرتاده غيرها من المطربين إلا لمدد محددة فقط!
ذلك لأن علي الجارم كان من أوائل الشعراء المصريين المعاصرين الذين تعاملت مع كلماتهم بذكاء شديد أم كلثوم..، وقد غنت عدة أبيات فقط من قصيدة طويلة في عام , 1926.وبألحان الملحن الطنطاوي الهاوي آنذاك الدكتور صبري النجريدي!
ولقد سجلت هذه القصيدة في نفس العام على اسطوانة جرامفون.  ثم غنتها عائشة الوعد بتوزيع جديد
وتقول كلمات هذه القصيدة التي اختارت عنوانها من كلمات البيت الأول:

 "مالي فتنت":
مالي فتنت بلحظك الفتاك
وسلوت كل مليحة إلاك
يسراك قد ملكت زمام صبابتي
ومضلتي وهدا في يمناك
فإذا وصلت فكل شيء باسم
وإذا هجرت فكل شئ باك
هذا دمي في وجنتيك عرفته
لا تستطيع جحوده عيناك
لو لم أخف حر الهوى ولهيبه
لجعلت بين جوانحي مثواك
إني أغار من الكئوس فجنبني
كأس المدامة أن تقيل فاك
لك من شبابك أو دلاك نشوة
سحر الأنام بفعلها عطفاك
 
وقد نشر الشاعر الراحل على الجارم هذه الأبيات ضمن قصيدته الموجودة بديوانه المنشور في عام , 1938.الذي صدر عن مطبعة دار المعارف ومكتبها في مصر.. ومن قبل أن ينشرها في هذا الديوان ألقاها في حفل أدبي إقيم في عام
1916.وقد اختارت أم كلثوم الكلمات السابقة لكي تغنيها حين نشرت هذه القصيدة في الصحف آنذاك..
وعنوان القصيدة التي اختارت منها كوكب الشرق هذه الكلمات: هو "الحب والحرب". أما عدد أبياتها الكلي فبلغ 39 بيتاً، مع أن كوكب الشرق قد غنت فقط 9 أبيات.
كما اشتملت هذه القصيدة وفق ما جاء بديوان علي الجارم على خمسة مقاطع.. المقطع الأول وعدد أبياته ثمانية أبيات.. اختارت منه أم كلثوم الأبيات السبعة التي شدت بها.. وقد أهملت البيت الثامن الذي يقول فيه الشاعر:
خدعتك ما عذب السلاف وإنما
قد ذقت لما ذقت حلو لماك
أما المقطع الثاني من هذه القصيدة فقد اشتمل على 9 أبيات.. وكذلك المقطع الثالث 8 أبيات والرابع 9 أبيات.. وأخيراً اشتمل المقطع الخامس والأخير على 5أبيات.
والملاحظ أن أم كلثوم لم تختر من هذه المقاطع المتبقية من القصيدة ولا بيتاً واحداً.. وقد اكتفت بما اختارته من أبيات المقطع الأول، وكما سبق وذكرنا.
وشاعر كبير مثل على الجارم له أهمية عظيمة في حياتنا الأدبية والفكرية.. حيث ملأ السمع والأبصار بأعماله المتنوعة.. لذلك فقد حفلت بسيرة حياته عشرات الكتب.. والمجلات

***

**
من أعمال علي الجارم
كتاب البخلاء ، المؤلف: أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ
ضبط: علي الجارم، أحمد العوامري
جارميات _ بحوث ومقالات الشاعر والأديب علي الجارم
ديوان الجارم
كتاب : البلاغة الواضحة -البيان -المعاني-البديع 
تأليف : علي الجارم ، و مصطفى أمين ، و عبد الكريم العطا
 النحو الواضح في قواعد اللغة العربية للمدارس الابتدائية : المؤلفان : علي الجارم ، و مصطفي امين 
النحو الواضح للمدارس الثانوية 

جوائز حصل عليها
قدر العالم العربي على الجارم حق قدره فمنحته مصر وسام النيل 1919 والرتبة الثانية سنة 1935 ، انعم عليه العراق بوسام الرافدين سنة 1936 وانعم عليه لبنان بوسام الأرز من رتبة كومندور سنة 1947 ، توفي بالقاهرة فجأة وهو مصغ إلى أحد أبنائه يلقي قصيدة له في حفل تأبين محمود فهمي النقراشي وذلك عام 1949م

في كل عام تمر ذكرى رحيل ذكرى الشاعر الكبير "علي الجارم"  في الثامن من آذار/ فبراير 1949م، وقد جمع الجارم بين موهبة الشعر وموهبة النثر، فكان نثره لا يقل عن شعره روعة وقوة وجمالاً وبيانًا، وكتب الأقصوصة والقصة والرواية الطويلة ، يكمل الصورة حينما نذكر ما نعته به الوسط الأدبي إذ لقبوه بشاعر العروبة والإسلام لأنه كرس قلمه للدفاع عن الأمة العربية وهذا الدين العظيم.
سنواته الأولى في مدينة رشيد
   ولد علي صالح عبد الفتاح الجارم سنة 1881م في مدينة رشيد بمحافظة الجيزة بمصر ، وكان يحب مدينته وكتب يقول فيها :
جــدّدي يـــا رشيدُ للـــحـبّ عَهْدَا
   حَسْبُنا حســــــبُنا مِطالاً وصــدَّا
جــدّدي يـــا مدينة َ السحرِ أحــلا
   ماً وعْيشاً طَلْقَ الأسارير رَغـْـدا
جــدّدي لمحة ً مضتْ مــن شبابٍ
   مــثــل زهـر الربا يرِفُّ ويندَى
وابعثي صَحْوة ً أغار عليها الشــ
   يْبُ حتَّى غـدتْ عَــنـاءً وسـُهـدا
وتعالَى ْ نــعــيـشُ في جَنَّة ِ الـمـا
   ضـي إذا لم نجِدْ مـن العيشِ بـُدّا
ذِكْرياتٌ لــو كــان للــدهـــرِ عِقْدٌ
   كـنّ فــي جِيدِ سالفِ الدهر عِقدا
   أولى قصائد الجارم كانت بعنوان "الوباء" عام 1895م، عندما اجتاحت جرثومة "الكوليرا" بلده رشيد وحصدت الأرواح، وقد قال فيها مخاطبًا هذا المكروب اللعين:
أي هــذا الــمـكـروب مــهــلا قليلا
   قد تجاوزت في سـراك الـسـبـيلا
لست كالواو أنت كالمنجل الحصاد
   إن أحــسـنـوا لك الـتــمــثـــيـــلا
العلم ميزان الحياة عند الشاعر
   تعلم الجارم في الأزهر ودار العلوم وتخرج منها سنة 1908، ثم بعث على انجلترا فأقام سنة بمدينة توتنجهام درس اللغة الإنجليزية ، وكان محبا للعلم بصورة كبيرة مرددا : 
والْعِلْمُ مِيزانُ الْحَياة ِ فإِنْ هَوَى
   هَوَتِ الْحَياة ُ لأَسْفلِ الأَدْرَاك
   ومن النوادر أنه في عام 1910م شاهد الضباب في إنجلترا يتكاثف، فإذا المبصرون أنفسهم يضلون الطريق حائرين، وإذا العميان يقودونهم خلال هذا الضباب، فكتب يقول :
أبصرت أعمى في الضباب بلندن
   يــمـشـي فـلا يـشـكـو ولا يــتــأوه
فـأتـاه يـسـألـه الـهـدايـة مـبـصـــر
   حـيـران يـخبـط في الظلام ويعمه
فـاقـتـاده الأعـمـى فــســار وراءه
   أنـىّ تــوجـــه خــطــوه يـتـوجـــه
   التحق الجارم بالكلية الجامعة بـ اكستر ومكث بها ثلاث سنوات درس خلالها علم النفس وعلوم التربية والمنطق والأدب الإنجليزي، حصل على إجازة في كل المواد وعاد إلى مصر في أغسطس سنة 1912 ، ثم عين مدرسا بمدرسة التجارة المتوسطة ثم نقل منها بعد سنة على دار العلوم مدرسا لعلوم التربية، في مايو سنة 1917 نقل مفتشا بوزارة المعارف..ثم رقي إلى وظيفة كبير مفتشي اللغة العربية وظل فيها حتي 1940 حين نقلا وكيلا لدار العلوم وظل فيها إلى أن أحيل إلى المعاش سنة 1942.
ابنه أحمد علي الجارم وهو طبيب وأستاذ الأمراض الباطنة بكلية الطب جامعة القاهرة 1972 ، أنشأ قسم الأمراض المتوطنة بكليات الطب بجامعة القاهرة وطنطا والأزهر ، عضو مجمع اللغة العربية 2003 ، أعاد طبع الأعمال الشعرية والنثرية والأدبية واللغوية الكاملة للمرحوم والده الشاعر الكبير.
                                             تراث شعري ونثري فريد عن الجارم
    كان أديب موسوعي متعدد المواهب، جمع بين موهبة الشعر والنثر الأدبي.. فكان شاعرًا وقاصًا وروائيًا وناقدا ولغويا ونحويًا وتربويًا، عاصر كبار الشعراء والأدباء مثل شوقي وحافظ وطه حسين ومطران، وأسهم بزاد وافر في مجال الشعر والقصة والبلاغة والتاريخ الأدبي ، تفرغ الجارم للأدب بعد إحالته على المعاش وحينما انشأ ..مجمع اللغة العربية كان من أعضائه المؤسسين، وكانت له جهود في التعريب , إذ عرب كتاب "قصة العرب في أسبانيا". 
     وأسهم في التأريخ للأدب العربي بتأليفه كتاب "تاريخ الأدب العربي" مع آخرين، وفي مجال اللغة ألف الكثير من الكتب منها "النحو الواضح" و"البلاغة الواضحة", ترك الجارم تراثا نثريا يكاد يزيد عن تراثه الشعري كما أن بعض معاصريه اعتبروا رواياته التاريخية أهم من نثر أحمد شوقي وكان أبرزها الأعمال النثرية الكاملة التي صدرت في القاهرة عن الدار المصرية اللبنانية وتقع في 1040 صفحة تضمها ثلاثة مجلدات.
   وقال أحمد علي الجارم – نجل الأديب الراحل- في مقدمة الجزء الأول إن والده كتب عشر روايات، مشيرا إلى أن ما اعتبره تأخرا في اهتمام الدارسين بتراث الجارم يعود إلى عدم إتاحة أعماله لفترة زمنية طويلة، حين منعت الرقابة العسكرية إبان حكم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر إعادة طبع مؤلفات الجارم بالإضافة إلى "مؤامرة الصمت" التي حيكت حوله في هذا العهد.
   وضم المجلد الأول روايات فارس بني حمدان التي كتبها في العام 1945 والشاعر الطموح المتنبي وخاتمة المطاف في نهاية المتنبي ، في حين ضم المجلدان الثاني والثالث قصتي الفارس الملثم (1949) والسهم المسموم التي نشرت عام 1950 بعد وفاته إضافة إلى روايات مرح الوليد في سيرة يزيد الأموي ، وسيدة القصور آخر أيام الفاطميين في مصر(1944) وغادة رشيد التي كانت في السنوات الماضية مقررة على طلاب المدارس الثانوية في مصر وتتناول كفاح الشعب ضد الاستعمار الفرنسي (1798 – 1801)، رواية هاتف من الأندلس (1949) وشاعر ملك قصة المعتمد بن عباد إضافة إلى ترجمته عام 1944 لكتاب المستشرق البريطاني أستانلي لين بول وعنوانه "قصة العرب في إسبانيا".
   كما ترك الجارم أعمالا مثل المعارضات في الشعر العربي، شارك في تأليف كتب أدبية منها المجمل في الأدب العربي، المفصل في الأدب العربي، النحو الواضح في 6 أجزاء بالاشتراك مع زميله الأستاذ مصطفي أمين إبراهيم، البلاغة الواضحة جزآن بالاشتراك مع زميله الأستاذ مصطفي أمين إبراهيم أيضا، علم النفس وآثاره في التربية والتعليم بالاشتراك مع نفس الزميل وكان هذا الكتاب من أوائل الكتب التي ألفت بالعربية في علم النفس .
أبيات تقطر حباً للإسلام
   كان الإسلام محورًا لأغلب أعمال علي الجارم، إذ استوحى في رواياته وقصصه وأشعاره العديد من المعاني القرآنية، واستمد من السيرة النبوية المطهرة والتاريخ الإسلامي أروع إبداعاته، مثل "هاتف من الأندلس" و"غادة رشيد" و"الشاعر الطموح".
   نقرأ له جزء من قصيدة يشدو فيها حبا للإسلام والنور الذي عم البشرية بسيد الخلق محمد – صلى الله عليه وسلم - تقول :
أطـلـّـت على سُحبِ الظلامِ ذُكـاءُ
   وفُـجـِّرَ مـن صـخـرِ التنـُوفة ِ مَاءُ
وخُــبــّرت الأوثـــانُ أنَّ زمانَـهـا
   تــولـى ّ وراحَ الـجـهـلُ والجهلاءُ
فما سجدت إلاّ لذي العرشِ جـبهة
   ولــــم يَــرتـفـعْ إلاّ إلــيـه دُعـــَاءُ
تبسم ثغرُ الصبحِ عن مولدِ الهُدى
   فـــللأرضِ إشــراقٌ بــه وزُهــاءُ
وعادت به الصحراءُ وهـي جديبة
   عـلـيـهـا مـن الـدينِ الجـديد رُوَاءُ
ونافـست الأرضُ السماءَ بكوكـبٍ
   وضـِيء الـمـحـّيا مـا حَوَتْه سماءُ
لـه الـحـق والإيـمـانُ بــاللّه هــالة
   وفـي كـلِّ أجـواءِ الـعـقولِ فَضاءُ
تــألــّق فــي الـدنـيا يُزيـح ظلامَها
   فـــزال عـمى ً مــن حولهِ وعَماءُ
وردّ إلــى الـعـُـرْب الــحـَيـاة وقـد
   مـضى عليهم زمانٌ والأمامُ وراءُ
ويقول : 
عــجبـتُ لأمرِ القومِ يحمونَ ناقـة
   وســاداتـهــم مــن أجـْلـِهـا قُتلاءُ
بدا في دُجى الصحراء نورُ محمدٍ
   وجـلجـلَ في الصحراء منهُ نِداءُ
نــبـيُ بـه ازدانـت أبـاطـِحُ مــكـة  
   وعــزَّ بـــهِ ثــَوْرٌ وتـــاه حِــرَاءُ
ُنادي جريء الأصغريْن بــدعـوة
   أكـبَّ لهـا الأصـنـامُ والزُعــمـاءُ
دعـاهـم لـربٍ واحـدٍ جـلَّ شـأنــه
   له الأمرُ يولى الأمرَ كيف يَـشاءُ  
الجارم ..عروبة حتى النخاع
   لقد كان علي الجارم عاشقًا للغة القرآن الكريم، احتفى بها في زمن سعى الاستعمار فيه إلى الحد من قوتها عبر عمليات غسيل مخ لأدمغة أناس، اعتقدوا أن لغتهم تحول دون التقدم، فدعوا إلى إحلال الحروف اللاتينية محل حروفها، وكان يرى أن اللغة العربية هي المدخل الطبيعي لوحدة الأمة العربية، فهو القائل : 
نـــــــزل القرآن بالضاد فــــلـــو
   لــــــم يـــــكن فيها ســــواه لكفاها
   ولعل من أبرز قصائده قصيدة "العروبة" التي جاءت من 77 بيتا، وألقاها في مؤتمر الثقافة العربي الأول الذي أقامته الجامعة العربية في لبنان عام 1947م، وجاء فيها :
تــوحـد حـتتى صـار قـلـبـا تحوطـه
   قـلـوب مـن الـعـرب الكرام وأضلـع
وأرسـلـهــا فـي الخافـقـيـن وثـيـقــة
   لها الحـب يـمـلـى والـوفــاء يـوقـــع
لقد كان حلما أن نرى الشرق وحـدة
   ولـكــن مــن الأحـلام مــا يــتــوقــع
ويقول :
بــــنــــي العروبة إن الله يـجمعـنـا
   فلا يفرقنا فـــــي الأرض إنــسـان
لــــــنـــا بها وطـن حـر نـلـوذ بـــه
   إذا تنـاءت مــســافــات وأوطـــان
ويقول أيضا :
بــلــغ العـرب بالبلاغة والإســلام
   أوجــــا أعــيــا عــلــى كــيـــوان
لبسوا شمـس دولـة الفـرس تـاجــا
   ومــضـوا فـي مـغافــر الــرومـان
وجروا ينشرون فـي الأرض هديا
   من سنا العـلـم أو ســنــا الــقــرآن
نستمع له في افتتاح دورة الانعقاد الثالث لمجمع اللغة العربية يردد :
جــزيــرة أجـدبـت فـي كــل نـاحـية
   وأخصبت في نواحي الخلق والأدب
جــدب بــه تـنـبـت الأحـلام زاكـيـة
   إن الـحجـارة قـد تـنـشـق عـن ذهب
تـود كـل ريـاض الأرض لو منحت
   أزهـارهـا قـبـلـة مـن خـدهـا التـرب
   كان علي الجارم كما وصفه معاصروه شاعر العروبة والإسلام، فقد عايش قضايا أمته وتفاعل معها، وجاءت أروع النماذج الشعرية معبرة عن انتمائه الوطني والقومي والإسلامي، فنجد قصيدته "فلسطين" التي بلغت ثلاثة وسبعين بيتًا، منها : 
نفـسـي فداء فلسطين ومـا لقيـت
   وهل يناجي الهـوى إلا فلسطيـنا 
نفسي فداء لأولى القبلتين غـدت
   نهبا يزاحــم فــيه الذئـب تـنـيــنا
ويقول :
ومصرُ والنيلُ ماذا اليْومَ خطبُهما
   فــقـد سَرى بحديثِ النيلِ رُكْبان
كنانة ُاللّه حصنُ الشرقِ تُحرســُه
   شِيبٌ خِفافٌ إلــى الْجُلَّى وشُبَّان
   ويستعرض الجارم في مقدمته حياة وآثار العرب في الأندلس التي يراها عجيبة ومثيرة أيضا حيث يشير إلى أن العرب عاشوا في الفتن نحو 800 عاما قل أن تستطيع أمة سواهم البقاء في مثلها وينفي الجارم على سبيل المثال عن العرب تهمة الهدم وعدم التحضر مشددا على أن الهدامين لآثارهم ومدنياتهم إنما هم أعداؤهم من البربر والإفرنج والتتار.
 شاعر إنسان
   كتب الجارم أشعارا كثيرة في وصف الطبيعة الغناء بربوع الوطن العربي وجمالها ولعلنا نختار واحدة من أروع ما سطر يخاطب فيها طائر بقوله :
طائـرٌ يـشـدو عـلـى فـنـن
   جدَّد الذكرى لذي شـــجــن 
قــام والأكــوانُ صامـتــةٌ
   ونسيمُ الصُّبْحِ فـي وَهــــَن
هاج في نفسي وقـد هدأت
   لـوعـةً لــولاه لــم تــكــــن ْ
هــزَّه شـــوقٌ إلـى سـكـنٍ
   فـبـكـى للأهـل والـسـَّكـــَن
وَيْــكَ لا تـجــزعْ لـنـازلـةٍ
   ما لطيرِ الـجـوِّ مـن وطــن
أما الموت فيقول عنه :
إن جرد الموتُ نصلاً ما صَمدت لـه
   فــطالَـمـا رَدَّ نـصـلٌ مـنــك أرواحـا
قــد كـنـت تـَهزِمُه فِــي كــل مُعْتَـركٍ
   يـزاحـم الشَّمـسَ أسـيـافــاً وأرمـاحـا
وكان جَرْحُك يأسو كلَّ مــا جـرحَـتْ
   يَـدُ الـزَّمـان ويَحيـَى كـلَّ ما اجتاحـا
الــيـــومَ يَــثْـــأَرُ والأيـــامُ عُـــدّتُــــه
   لا الطبُّ يُجدي ولا الجرَّاح جراحـا
جوائز حصل عليها
   قدر العالم العربي على الجارم حق قدره فمنحته مصر وسام النيل 1919 والرتبة الثانية سنة 1935 ، انعم عليه العراق بوسام الرافدين سنة 1936 وانعم عليه لبنان بوسام الأرز من رتبة كومندور سنة 1947 ، توفي بالقاهرة فجأة وهو مصغ إلى أحد أبنائه يلقي قصيدة له في حفل تأبين محمود فهمي النقراشي وذلك عام 1949م .
قالوا عنه :
معاصروه من الأدباء : شاعر العروبة والإسلام
   الأديب الكبير عباس العقاد في تقديمه لديوانه الشعري : "الجارم عالم باللغة، وعالم مع اللغة بفنون التربية وفروعها، وهو الشاعر الذي زوده الأدب والعلم بأسباب الإجادة والصحة، فكان شعره زادا لطالب البيان في عصره، ومثالاً صالحًا للثقافة التي أسهم فيها بأدبه وعلمه".
    الدكتور حلمي قاعود : " علي الجارم شاعر وواحد من مدرسة البيان في النثر الحديث .
   الناقد محمد أبوبكر حميد : كانت شاعريته تكمن خلف وقوفه عند أعلام شعرنا القديم، مثل ابن زيدون في رواية (هاتف من الأندلس) والمعتمد بن عباد في (شاعر ملك) والمُتنبي في (الشاعر الطموح) و(خاتمة المطاف) "

من شعره
حنين طائر 
طائرٌ يشدو على فننِ
جدَّد الذكرى لذي شجنِ
قام والأكوانُ صامتةٌ
ونسيمُ الصُّبْحِ في وَهَن
هاج في نفسي وقد هدأتْ
لوعةً لولاه لم تكن
هزَّه شوقٌ إلى سكنٍ
فبكى للأهل والسَّكَن
وَيْكَ لا تجزعْ لنازلةٍ
ما لطيرِ الجوِّ من وطن
قد يراكَ الصُّبحُ في «حلبٍ»
ويراكَ الليلُ في «عدن»
أنتَ في خضراءَ ضاحكةٍ
من بكاءِ العارضِ الهَتِن
أنتَ في شجراءَ وارفة
تاركٌ غصناً إلى غصن
عابثٌ بالزَّهرِ مغتبطٌ
ناعمٌ في الحِلّ والظَّعَن
في ظلالٍ حولها نَهَرٌ
غيرُ مسنونٍ ولا أَسِن
في يديكَ الريحُ تُرسلها
كيفما تهوى بلا رسن
يا سليمانَ الزمانِ أفقْ
ليس للّذات من ثمن
وابعثِ الألحانَ مطربةً
يا حياةَ العينِ والأُذن
غَنِّ بالدنيا وزينتِها
ونظامِ الكونِ والسُّنَن
وبقيعانٍ هبطتَ بها
وبما شاهدتَ من مُدُن
وبأزهار الصباحِ وقد
نهضتْ من غفوة الوسن
وبقلب شفَّه وَلَهٌ
حافظٍ للعهد لم يَخُن
كلُّ شيءٍ في الدُّنا حَسَنٌ
أيُّ شيءٍ ليس بالحسن؟
خالقُ الأكوان كالئُها
واسعُ الإحسانِ والمنن
كان لي إلفٌ فأَبعدهُ
قَدَرٌ عنّي وأبعدني
*******
أنا مَدَّ الدهرِ أذكرهُ
وهو مَدَّ الدهرِ يذكرني
قد بنينا العشَّ من مُهجٍ
غُسِلتْ من حَوْبة الدَّرَن
من لَدُنْهُ الودُّ أَخلَصَهُ
والوفا والطهرُ من لَدُنِي
كانتِ الأطيارُ تحسدهُ
جنَّةَ المأوى وتحسدني
وظنَنَّا أنْ نعيش بهِ
عيشةَ المستعصمِ الأَمِن
فرمتْ كفُّ الزمان بهِ
فكأنَّ العُشَّ لم يكن
طار من حولي وخلّفني
للجوى والبثّ والحَزَن
ونأى عنّي وما برحتْ
نازعاتُ الشَّوق تطرقني
ومضى والوجدُ يسبقهُ
ودموعُ العين تسبقني
******
إنْ تزرْ يا طيرُ دوحتَهُ
بين زهرٍ ناضرٍ وجَنِي
وشهدتَ «التِّمْسَ»(1) مُضطرباً
واثباً كالصافن الأَرِن(2)
عبثتْ ريحُ الشمال بهِ
فطغى غيظاً على السُّفن
فانشُدِ الأطيارَ واحدَها
في الحُلَى والحُسن والجَدَن(1)
وتريَّثْ في المقال لهُ
قد يكون الموتُ في اللَّسَن!
صِفْ له يا طيرُ ما لقيتْ
مُهجتِي في الحبّ من غَبَن
صفْ له روحاً مُعذَّبةً
ضاق عن آلامها بدني
صفْ له عيناً مُقرَّحةً
لأبيِّ الدمعِ لم تَصُن
*******
يا خليلي والهوى إِحَنٌ
لا رماكَ اللهُ بالإحَن
إنْ رأيتَ العينَ ناعسةً
فترقّبْ يقظةَ الفِتَن!
أو رأيتَ القَدَّ في هَيَفٍ
فاتّخذْ ما شئتَ من جُنَن(2)
قد نعمنا بالهوى زمناً
وشقينا آخرَ الزمن!
أَبْصَرْتُ أَعْمَى فِي الضَبابِ بِلَنْدَنٍ
أَبْصَرْتُ أَعْمَى فِي الضَبابِ بِلَنْدَنٍ     يَمْشِي فَلاَ يَشْكُو وَلاَ يَتَأَوَّهُ
فأَتَاهُ يَسْأَلُهُ الْهِدَايَة َ مُبْصِرٌ      حَيْرَانُ يَحْبِطُ فِي الظلاَمِ وَيَعْمَهُ
فَاقْتَادَهُ اْلأَعْمَى فَسَارَ وَرَاءَهُ     أَنَّى تَوَجَّهَ خَطْوُهُ يَتَوَجَّهُ
وَهُنَا بَدَا الْقَدَرُ الْمُعَرْبِدُ ضَاحِكاً    وَمَضَى الضبابُ ولا يَزَالُ يُقَهْقِهُ
**
يابْنَتِي إِنْ أردْتِ آية َ حُسْنٍ
يابْنَتِي إِنْ أردْتِ آية َ حُسْنٍ      وجَمالاً يَزِينُ جِسْماً وعَقْلاَ
فانْبِذِي عادة َ التَّبرجِ نَبْذاً        فجمالُ النُّفوسِ أسْمَى وأعْلَى
يَصْنَع الصّانِعُون وَرْداً ولَكِنْ   وَرْدَة ُ الرَّوضِ لا تُضَارَعُ شَكْلا
صِبْغَة ُ اللّهِ صِبْغَة ٌ تُبْهَر النَّفْ  سَ تعالى الإلَهُ عَزّ وجَلاّ
ثمَّ كُوني كالشَّمس تَسْطَع للِنَّا    سِ سَواءً مَنْ عَزّ مِنْهُم وَذلاّ
فامْنَحِي المُثرِيَات لِيناً ولُطْفاً    وامْنَحِي البائساتِ بِراً وفَضْلا
زِينَة ُ الوَجْه أَن تَرَى العَيْنُ فيه   شَرَفاً يَسْحَرُ العُيُونَ ونُبْلا
واجعَلِي شِيمة َ الْحَيَاءِ خِماراً    فَهْوَ بِالْغَادة الكَريمة ِ أَوْلَى
ليس لِلْبِنْت في السَّعادة حَظٌّ     إِن تَنَاءَى الحياءُ عَنْها ووَلَّى
والْبَسِي مِنْ عَفَاف نَفْسِكِ ثوْباً   كلُّ ثوبٍ سِوَاه يَفْنَى ويَبْلَى
وإِذا ما رأَيْتِ بُؤْساً فَجُودِي      بدُموع الإِحْسَان يَهْطِلْن هَطْلا
فدُمُوع الإِحسان أَنْضَر في الْخدّ   وأَبْهى من الّلآلِي وأَغْلَى
وانظُرِي في الضَّمير إن شِئْتِ   مرآ ة ً ففيه تبدُو النفوسُ وتُجْلَى
ذاكِ نُصْحِي إِلى فتَاتِي وسُؤْلي      وابْنَتي لا ترُدّ للأَب سُؤْلا
**********
محوتِ الليلَ ناصعة َ الْجَبينِ
محوتِ الليلَ ناصعة َ الْجَبينِ     فكنتِ بشائِرَ الصبحِ المبينِ
وأرسلتِ الصحائفُ منك نوراً   ففرّ الشكُ من وَضَحِ اليقين
وكان الحقُّ مذءوماً سجيناً      فحطّمتِ القيودَ عن السجين
وكنتِ صحيفة َ الأبرارِ حقّاً    تلقّتكِ الكنانة ُ باليمين
سوادُ مِدادك اللَّماحِ سِحرٌ     تمنّت مثْلَه سودُ العيون
أثيري التربَ عن حقٍّ مُضاعٍ   فقد طال المُقامُ على الدفين
ومُدّي الصوتَ صخّاباً جريئاً     فمعنى الموتِ من معنى السكُون
وذودي عن حمَى الوطن المفدّى  وردّي حرمة َ الحقِّ المصون
وصولي صولة َ الرئبالِ يعدو     على من حام من حوْل العرين
فنحن الآنَ نحيا في زمانٍ     تنكَّر للضعيفِ المستكين



thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16446531
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة