للتحميل : كتاب الملل والنحل
المؤلف : أبو الفتح محمد بن عبدالكريم بن أحمد الشهرستاني، وفاته سنة 548هـ
موضوع الكتاب: علوم الإيمان والتوحيد، وهو كتاب يحتوي على تشخيص أرباب الديانات من الملل وأباع النحل المختلفة، وإظهار المخالف منهم للدين الحق، وإيضاح عظمة الدين الإسلامي الحنيف
رابط تحميل الكتاب
اضغط al-Milal wa-al-Nihal- Shihrstani.zip (414.58 KB) هنا
**********
الملل والنحل
القسم الأول
أرباب الديانات والملل من المسلمين وأهل الكتاب وممن له شبهة كتاب
نتكلم ههنا في معنى الدين والملة والشرعية والمنهاج والإسلام والحنيفية والسنة والجماعة فإنها عبارات وردت في التنزيل ولكل واحدة منها معنى يخصها وحقيقة توافقها لغة واصطلاحا وقد بينا معنى الدين: أنه الطاعة والانقياد وقد قال الله تعالى: " إن الدين عند الله الإسلام " وقد يرد بمعنى الجزاء يقال: كما تدين تدان أي كما تفعل تجازى وقد يرد بمعنى الحساب يوم المعاد والتناد قال تعالى: " ذلك الدين القيم " فالمتدين: هو المسلم المطيع المقر بالجزاء والحساب يوم التناد والمعاد قال الله تعالى: " ورضيت لكم الإسلام ديناً " ولما كان نوع الإنسان محتاجاً إلى اجتماع مع آخر من بني جنسه في إقامة معاشه الاستعداد لمعاده وذلك الاجتماع يجب أن يكون على شكل يحصل به التمانع والتعاون حتى يحفظ بالتمانع ما هو له ويحصل بالتعاون ما ليس له فصورة الاجتماع على هذه الهيئة هي: الملة.
والطريق الخاص الذي يوصل إلى هذه الهيئة هو المنهاج الشرعة والسنة.
والاتفاق على تلك السنة هي الجماعة قال الله تعالى: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " ثم كيفية التقرير الأول والتكميل بالتقرير الثاني بحيث يكون مصدقاً كل واحد ما بين يديه من الشرائع الماضية والسنن السالفة تقديراً للأمر على الخلق وتوفيقا ًللدين على الفطرة - فمن خاصية النبوة: لا يشاركهم فيها غيرهم.
وقد قيل: إن الله عز وجل أسس دينه على مثال خلقه ليستدل بخلقه على دينه وبدينه على خلقه.
الجزء الأول المسلمون
قد ذكرنا معنى الإسلام.
ونفرق ها هنا بينه وبين الإيمان والإحسان ونبين: ما المبدأ وما الوسط وما الكمال - بالخبر المعروف في دعوة جبريل عليه السلام حيث جاء على صورة أعرابي وجلس حتى ألصق ركبته بركبة النبي صلى الله عليه وسلم وقال: " يا رسول الله! ما الإسلام " فقال: " أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم شهر رمضان ويحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " قال: " صدقت " ثم قال: " ما الإيمان " قال عليه السلام: " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك " قال: " صدقت ".
ثم قال: " متى الساعة " قال عليه السلام: " ما المسئول عنها بأعلم من السائل ".
ثم قام وخرج فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هذا جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم ".
ففرق في التفريق بين الإسلام والإيمان.
والإسلام قد يرد بمعنى الاستسلام ظاهرا ويشترك فيه المؤمن والمنافق.
قال الله تعالى: " قالت الأعراب آمنا: قل: لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا " ففرق التنزيل بينهما.
فإذا كان الإسلام بمعنى التسليم والانقياد ظاهراً موضع الاشتراك فهو المبدأ.
ثم إذا كان الإخلاص معه بأن يصدق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويقر عقداً بأن القدر خيره وشره من الله تعالى بمعنى أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه كان مؤمناً حقاً.
ثم إذا جمع بين الإسلام والتصديق وقرن المجاهدة بالمشاهدة وصار غيبه شهادة فهو الكمال.
فكان الإسلام: مبدأ والإيمان: وسطاً والإحسان: كمالاً.
وعلى هذا شمل لفظ المسلمين: الناجي والهالك.
وقد يرد الإسلام وقرينه الإحسان قال الله تعالى: " بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن " يحمل قوله تعالى: " ورضيت لكم الإسلام ديناً " وقوله: " إن الدين عند الله الإسلام " وقوله: " إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين " وقوله: " فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " وعلى هذا خص الإسلام بالفرقة الناجية.
والله أعلم.
أهل الأصول المختلفون في: التوحيد والعدل والوعد والوعيد والسمع والعقل.
نتكلم ها هنا في معنى الأصول: معرفة الباري تعالى بوحدانيته وصفاته ومعرفة الرسل بآياتهم وبيناتهم.
وبالجملة: كل مسألة يتعين الحق فيها بين المتخاصمين فهي من الأصول.
ومن المعلوم أن الدين إذا كان منقسماً إلى معرفة وطاعة والمعرفة أصل والطاعة فرع فمن تكلم في المعرفة والتوحيد كان أصولياً ومن تكلم في الطاعة والشريعة كان فروعياً.
فالأصول: هو موضوع علم الكلام والفروع: هو موضوع علم الفقه.
وقال بعض العقلاء: كل ما هو معقول ويتوصل إليه بالنظر والاستدلال فهو من الأصول.
وكل ما هو مظنون ويتوصل إليه بالقياس والاجتهاد فهو من الفروع.
وأما التوحيد فقد قال أهل السنة وجميع الصفاتية: إن الله تعالى واحد في ذاته: لا قسيم لهن وواحد في صفاته الأزلية: لا نظير له، وواحد في أفعاله: لا شريك له، وقال أهل العدل: إن الله تعالى واحد في ذاته: لا قسمة ولا صفة له، وواحد في أفعاله: لا شريك له فلا قديم غير ذاته: ولا قسيم له في أفعاله ومحال وجود قديمين ومقدور بين قادرين وذلك هو التوحيد.
وأما العدل فعلى مذهب أهل السنة أن الله تعالى عدل في أفعاله بمعنى أنه متصرف في ملكه وملكه: يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
فالعدل: وضع الشيء موضعه وهو التصرف في الملك على مقتضى المشيئة والعلم والظلم بضده فلا يتصور منه جور الحكم وظلم في التصرف.
وعلى مذهب أهل الاعتزال:العدل: ما يقتضيه العقل من الحكمة وهو إصدار الفعل على وجه الصواب والمصلحة.
وأما الوعد والوعيد فقد قال أهل السنة: الوعد والوعيد كلامه الأزلي وعد على ما أمر وأوعد ما نهى فكل من نجا واستوجب الثواب فبوعده وكل من هلك واستوجب العقاب فبوعيده فلا يجب عليه شيء من قضية العقل.
وقال أهل العدل: لا كلام في الأزل وإنما أمر ونهى ووعد وأوعد بكلام محدث فمن نجا فبفعله استحق الثواب ومن خسر فبفعله استوجب العقاب والعقل من حيث الحكمة يقتضي ذلك.
وأما السمع والعقل فقد قال أهل السنة: الواجبات كلها بالسمع والمعارف كلها بالعقل.
فالعقل لا يحسن ولا يقبح ولا يقتضى ولا يوجب والسمع لا يعرف أي لا يوجد المعرفة بل يوجب.
وقال أهل العدل: المعارف كلها معقولة بالعقل واجبة بنظر العقل وشكر المنعم واجب قبل ورود السمع والحسن والقبح: صفتان ذاتيتان للحسن والقبيح.
فهذه القواعد هي المسائل التي تكلم فيها أهل الأصول.
وسنذكر مذهب كل طائفة مفصلاً إن شاء الله تعالى.
ولكل علم موضوع ومسائل نذكرهما بأقصى الإمكان إن شاء الله تعالى.