أصول وتاريخ الفــرق الإسـلاميـة
جمع وترتيب: مصطفى بن محمد بن مصطفى -1424 هـ - 2003 م
رابط تحميل الكتاب
اضغط Usul Firq al-shiaa.zip (737.76 KB) هنا
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فى هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون( )، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً( )، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً( ).
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار.
أما بعد ...
فقد بعث الله تعالى محمداً برسالته الخاتمة إلى العالمين، فختم به الرسل، وختم برسالته الرسالات، فبلّغ رسول الله الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجمع الكلمة، وبيّن للناس دين الله القويم، وصراطه المستقيم، فآمن به واتبعه من وفقهم الله تعالى فنالوا سعادة الدارين، وتنكب طريقه أهل الضلالة فباءوا بشقاوة الدارين، ولقى رسول الله ربه، وأمة الإسلام متحدة الكلمة، مجتمعة الرأى، راسخة البناء، شرعها كتاب الله وسنة رسوله، وشعارها لا إله إلا الله محمد رسول الله.
ولقد ظلت الأمة على عهد رسول الله وقدر غير قليل من عهد أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين مجتمعة على كلمة سواء تعتصم بحبل الله من نوازع التفرق، ودواعى التشتت ملتزمة قول الله تعالى إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون( )، محققة قول الله سبحانه فى وصفها: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون( ).
ثم ما لبث المسلمون أن اتبعوا سنن من قبلهم، وساروا على درب الأمم التى مضت كما أخبر رسول الله (لتتبعن سَنَن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم) رواه البخارى وغيره، فتفرقوا واختلفوا وأصبحوا شيعًا، كل حزب بما لديهم فرحون، وصدق فيهم قول النَّبى (افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة) رواه أبو داود من حديث أبى هريرة( ).
وكان هذا التفرق نتيجة عوامل كثيرة نبينها فى هذا الكتاب بحول الله تعالى، كما سنبين بعون الله سبحانه أهم الفرق ومبادئ كل فرقه، ونبين مواطن الخطأ والصواب( ).
لماذا ندرس أصول وتاريخ الفرق الإسلامية ؟
يقول محمد العبدة: "وقد يظن البعض أن الحديث عن فرقة بادت -أو كادت- ترف عقلى، أو رياضة فكرية، تنبئ عن ملء حيز من الفراغ فى الوقت والفكر جميعاً، وقد يذهب هذا البعض مذهباً أكثر إيغالاً فى العجب من أولئك الذين يجهدون أنفسهم فى نشر أفكار قد درست، وصحائف قد طويت، وسير قد انقضت، وخاصة والأمر يتعلق بأفكار هى فى الأصح الأغلب دخيلة على الإسلام، مقتاتة على منهجه، هدامة لأصوله ثم لفروعه".
وإننا لنود أن نقف مع أولئك وقفة نستجلى فيها وجه الحق فيما يبدو إثارته، فإننا نرى أن فهم الدافع إلى كتابة بحث من الأبحاث وتبيينه شافياً معين للقارئ والكاتب معاً على الخوض فى الموضوع بقلم لا يتردد فى نشر ما طوى، أو إظهار ما خفى، وبعقل واع متفهم لما قد يجده من غرائب ينبو عنها الحس الإسلامى السليم، وبقلب عامر بالرغبة فى الوصول إلى الهدف وإحقاق الحق.
إن إعادة الحديث عن مذاهب مضت، وبيان ما فيها من بطلان وإظهار عوارها هو منهج مستمد من كتاب الله تعالى، فلقد قص علينا القرآن الكريم نبأ قوم لوط وقوم صالح وقوم هود، وما كان من غرور بنى إسرائيل فى دينهم والتوائهم فى عقيدتهم، مقارعاً لهم الحجة بالحجة مفندًا أباطيلهم بعد ذكرها كما قالوها دون حذف أو تبديل، فالحكم فى هذا الصدد هو الغاية التى يهدف إليها من وراء البيان، إن كانت للاعتبار من أحداثها والحذر من أفكارها فإن فى ذلك الفضل كل الفضل، أما إن كانت الأخرى، فهو الفساد وإشاعة الفاحشة لهدم العقول وإماتة القلوب هذه واحدة.
والأخرى: أن الأفكار لا تموت بموت أصحابها، فالفكر نتاج عقلى إنسانى أقرب فى مادته إلى الروح منه إلى الجسد، وحياته أطول أمداً من حياة أصحابه، وبقاؤه مرهون بقوة إشعاعه -حقاً كان أو باطلاً- ثم هى كالجرثومة التى تنتقل عدواها فتصيب الناس بمثل ما أصابت به صاحبها. تلك هى طبيعة الفكر ونتاج العقل، فلا بد من استيعاب تلك الخصيصة التى ثبتت بالاستقراء من خلال تاريخ الفكر الإنسانى عامة.
ثم ثالثة ... وهى أنك إذا تأملت ما تحصل للبشر من أفكار على امتداد الزمان والمكان، فإنك واجدٌ تشابهاً كبيراً فيما بينهم وستعجب من هذا التشابه، وكأنه مستمد بعضه من بعض.
ولا شك أن طوائف من تلك الأفكار قد استفادت من بعضها وما ذلك إلا نتيجة استعداد العقل وتوجهاته الأصلية وقوالبه الفكرية والنفسية والأولية التى ركبها الله فيه، فينتج له مع معطيات التفاعل الاجتماعى والنفسى أفكاراً تتشابه فى أصولها إلى حد كبير( ). أهـ.
بيان العقائد الفاسدة من مطالب الدعوة إلى الله تعالى: