للاستماع والتحميل : برنامج الشعر والغناء ، الحلقة: الرابعة والعشرون
هذه الحلقة حول الشعر المغني للشاعر المصري الراحل أحمد فتحي آل فايد شاعر الكرنك
Dr. Mahmoud EL-Saied EL- Doghim, إعداد وتقديم: د.  محمود السيد الدغيم

Launch in external player

رابط تميل واستماع البرنامج

اضغط icon AHMAD.Fathi.ram (10.48 MB)  هنا
****

إذا لم تسمعوا الصوت فهذا يعني أن ليس لديكم برنامج ريل بلير، ومع ذلك يمكنكم الاستماع بتشغيل الملف التالي "فلاش" بالضغط على السهم الأبيض وسط المربع الأسود


****

برنامج الشعر والغناء
إعداد وتقديم د. محمود السيد الدغيم
هذه الحلقة حول الشعر المغني للشاعر المصري أحمد فتحي
وهذه الحلقة هي الحلقة : 24 من سلسلة برامج الشعر والغناء، ومدة الحلقة: 44 دقيقة
وبثت هذه الحلقة من راديو سبيكتروم بلندن الساعة الثامنة مساء يوم السبت 24/1/ 1998م
وأعيد بثها أكثر من مرة
وقدمت من هذا البرنامج عدة حلقات من إذاعة ام بي سي اف ام، وبثت من البرنامج ثلاثون حلقة من راديو دوتشي فيلي الاذاعة العربية الألمانية، وبثت عدة حلقات من الإذاعة السودانية ، وبثت بعض الحلقات من الإذاعة التونسية، وقدمت لاتحاد الإذاعات العربية ثلاثون حلقة، وبلغ عدد حلقات هذا البرنامج الأسبوعي مئة وعشر حلقات

********


**
أحمد فتحي، لقبه : شاعر الإذاعة، وشاعر الكرنك نسبة إلى القصيدة التي غناها محمد عبد الوهاب سنة 1941 م،
ويقال أنه اضطر إلى بيع قصائده إلى الأثرياء كي يعيش، ولذلك يجب أن يتم التنقيب عن تلك القصائد التي كتبها أحمد فتحي، وانتحلها الأثرياء فصاروا يحسبون من الشعراء
البلد:مصر
تاريخ ميلاد أحمد فتحي 2/8/1913، ووفاته 3/7/1960 ميلادي
ـ ولد في الاسكندرية عام 1913 وتوفي عام 1960
ـ تخرج في مدرسة الفنون التطبيقية
ـ عمل في التدريس وفي الجمارك ثم اشتغل في إذاعة بريطانية ثم عمل مراقباً لبرامج الاذاعة في السعودية
ـ صدر له ديوان شعر بعنوان " قال الشاعر " 1948
قصــــــائده
  فجر
لشاعر الكرنك التي لحنها وغناها الموسيقار رياض السنباطي
كلُّ شيءٍ راقصُ البهجةِ حولي ها هنا  
  أيّها الساقي بما شئتَ اسقنا، ثُمَّ اسقِنا
واملأِ الدنيا غناءً، وبهاءً، وسنا  
  نَسِيتْنا، لِمَ لا نَنسى أغاريدَ المنى؟!
علَّنا أنْ تعرف النومَ هنا أعينُنا..  
  ****
ذهب الأمسُ، بما راع، ويومي ذَهَبا  
  يُسرع الليلُ فراراً، من هُتافات الرُّبا
وجبينُ الغد يُلقي، عن سَماه الحُجُبا  
  باعثاً في جانب الأفق بشيراً مُحسِنا
تسبق النورَ خطاهُ، قبلما يبدو لنا..  
  ****
رُدَّ كأسي عن فمي يا أيّها الساقي ودعني  
  وأفقْ من نشوة الراح ومن حلم التغنّي
كلُّ ما مرَّ بنا وهمُ خيالٍ وتمنِّي  
  حسبُنا وهماً، وحلماً، وخيالاً، حسبُنا
أقبل الصبحُ، فهل تدري بماذا جاءنا؟!  
  ****
آهِ من قلبي وما يعتاده من ذكرياتِ  
  أبداً يَشقى بماضٍ من رؤى العمرِ وآتِ
لا أنا أسلو أمانيَّ ولا الحظُّ يُواتي  
  يا نديمي لاحتِ الشمس فقُم وامضِ بنا
فلعلَّ الدهر أنْ يغفلَ عن موكبنا..  


قصة الأمس
غناء أُم كلثوم - شعر أحمد فتحي
+++ 
أنا لن أعود إليك مهما اسْتَرْحَمَتْ دقات قلبي
أنت الذي بدأ الملالة والصدود وخان حبي
فإذا دعوت اليوم قلبي للتصافي لن يلبي
+++
أمل الدنيا ودنيا أملي كنت لي أيام كان الحب لي
بين افراح الغرام الأول حين غنيتك لحن الغزل
لاحت أزاهير الصبا والفتون وكنت عيني، وعلى نورها
قلبي ولم تُدرِك مداه الظُنون وكنت روحي، هام في سرها
+++
ما بيننا إلا الرضا والصفاء وعدتني أن لا يكون الهوى
بشرى توافينا بقرب اللقاء وقلت لي إن عذاب النوى
طاب فيها خاطري ثم اخلفت وعوداً
في غرامٍ ناضر ؟ هل توسمت جديداً
فغرامي راح يا طول ضَراعاتي إليه
وانشغالي في ليالي السهدُ، والوَجْدِ عليه
+++
نَعْمَةٌ من تصوراتي ووجدي كان عندي وليس بَعْدَكَ عِندي
في ابتعادي وكبريائي وزهدي يا ترى ما تقول روحك بعدي
عِشْ كما تهوى قريباً، أو بعيدا
حَسْبُ أيامي جراحاً ونواحاً ووعودا
ولياليَّ ضياعاً وجحودا
ولقاءً ووداعاً يترك القلب وحيدا
يَسْهَرُ المصباحُ والأقداحُ والذكرى معي
وعيونُ الليل يخبو نورها في أدمعي
يالذكراك التي عاشت بها روحي على الوهم سنينا
ذهبت من خاطري إلا صدى يعتادني حيناً فحينا
+++
وأمانيُ حسانُ رَقَصَتْ في مَعْبَدي قصة الأمس أناجيها وأحلامُ غَدي
وسحاباتٌُ خيالٍ غائمٍ كالأبدِ وجراحٌ مشعلاتٌ نارَها في مرقدي
أنا لن أعود إليك مهما استرحمت دقات قلبي
أنت الذي بدأ الملالة والصدود وخان حبي
فإذا دعوت اليوم قلبي للتصافي لن يُلبي
+++
مع إشراقات شهر فبراير من عام , 1958.نقلت الإذاعة حفلاً كبيراً لأم كلثوم تغنت فيها بقصيدة قصة الأمس،
وبالرجوع إلى الأوراق التي نشرت بها هذه القصيدة خاصة إلى كتاب "اعترافات شاعر الكرنك".. وجدنا نوعاً من التطابق فيما تغنت به أم كلثوم وكلمات القصيدة التي كتبها الشاعر الراحل أحمد فتحي إلا في بعض الألفاظ التي غيرتها أم كلثوم والملحن رياض السنباطي.. وعلى سبيل المثال.. ففي البيت الذي غنته أم كلثوم التي تقول فيه:
فغرامي راح يا طول ضراعاتي إليه
كان في أصل ما كتب أحمد فتحي:
فغرامي راح يا طول غرامي إليه
وقد غيرت أم كلثوم بذلك كلمة "ضراعاتي" بدلاً من كلمة "غرامي".
وفي البيت الذي تقول فيه أم كلثوم:
وليالي ضياعاً وجحوداً
ولقاء ووداعاً يترك القلب وحيداً
كان في الأصل:
وليالي ضياعاً، وجحوداً
وعناء يترك القلب وحيداً
حيث استبدلت أم كلثوم كلمة "غناء" التي كتبها الشاعر إلى كلمتي "ولقاء ووداعاً"!.
وبخلاف ذلك لاحظنا أن أم كلثوم قد كررت الأبيات الأولى التي قال فيها الشاعر:
أنا لن أعود إليك مهما
استرحمت دقات قلبي
أنت الذي بدأ الملالة
والصدود وخان حبي
فإذا دعوت اليوم قلبي
للتصافي لن يلبي
وهذه الأبيات لم يكررها الشاعر في نهاية قصيدته كما فعلت أم كلثوم حين تغنت بها.
هذا عن القصيدة.. فماذا عن الشاعر وعن ظروف اختيار أم كلثوم لكي تغنيها في عام , 1958.بعدما أخذ أحمد فتحي يراسل أم كلثوم بقصائده الجديدة منذ أن تغنى بقصائده الموسيقار محمد عبد الوهاب، من قبل هذا التاريخ بسنوات على حد قول الشاعر الراحل صالح جودت!؟!.
ومما يقال بشأن هذه القصيدة أيضاً.. إن أم كلثوم قد اختارتها بعدما نشرها أحمد فتحي في جريدة الأهرام.. وهذا القول يؤكده أيضاً صالح جودت في كتابه عن "شاعر الكرنك". حيث حكى لنا تفاصيل لقائه مع أم كلثوم بعدما خذله عبد الوهاب بعد أنشودة الكرنك، عندما رفض أن يغني له قصيدة "البحيرة"، فاتجه يومئذ إلى أم كلثوم لينتقم بها من عبد الوهاب، وبعث إليها بأكثر من قصيدة.
ويضيف صالح جودت: ولكن أم كلثوم خذلته هي الأخرى في ذلك العهد، عهد الشباب الأول.. ثم ها هي ذي تعود في أيامه الأخيرة فتغني له هذه القصيدة العذبة ويسترد شاعرنا كل ما فقد من أمل ويحسب أن القدر قد ابتسم له بعد طول عبوس، ويبعث إلى أم كلثوم بقصيدة أخرى فلا تستجيب له هذه المرة، فيعاود الكرة مع عبد الوهاب، ولكن أبواب عبد الوهاب تقف صماء أمام طلبه.
أما نصيبه المادي من هذه الأغنية فلا يزيد على خمسين جنيهاً، ينفقها في غمضة عين، ويعود إلى حانته ليغرق همه في الكأس، ويستسلم لموجة قاتلة من البأس.
ويؤكد صالح جودت أن أم كلثوم قد شدت بقصيدة "قصة الأمس". قبل رحيل صاحبها بسنتين فقط.. إذ توفاه الله في عام  1960وكان آنذاك يقيم في غرفه بأحد فنادق القاهرة.. عندما أحس أنه متعب مكدود، ويحاول أن يظفر بأحد من أصدقائه الأطباء فلا يجد منهم أحداً.
ويصبح صباح حزين.. ففي الساعة العاشرة من الصباح يصل الطبيب فيجد أن رحمة الله بشاعرنا قد سبقته في ساعة مجهولة من الليل. ليلة الرابع من يوليه عام 
1960.لقصيدة "قصة الأمس" في حياة صاحبها قصة أيضاً.. عاشها من قبل أن تفصح عنها أم كلثوم.. وقد دون طرفاً من هذه القصة الأديب محمد محمود رضوان في كتابه "اعترافات شاعر الكرنك".. حيث قال: "كان في حياة أحمد فتحي قصة حب كبير.. وقد ألهمه هذا الحب أجمل قصائد الحب وأرقها في سنواته العشر الأخيرة. وعندما حان الفراق ألهمته وحدته وحنينه ووجده قصيدته الوجدانية الرائعة "قصة الأمس" التي تنبض بالحرارة والصدق وحرقة الوجد التي قبسها من روح قلبه ونور وجدانه، فمن هذه التجربة العنيفة التي صهرته بالعذاب.. خرجت قصة الأمس".
وكما حفل النقاد والمؤرخون بالحديث عن أشعار أحمد فتحي حفلوا كذلك بالحديث عن حياته وسيرته الذاتية.. ونحن هنا استكمالاً لما بدأناه سوياً عبر هذه الأوراق.. نعيش لحظات تطول أو تقصر مع لمحات من هذه السيرة الذاتية.. منذ الميلاد وحتى الرحيل.
ولد الشاعر أحمد فتحي إبراهيم سليمان بقرية كفر الحمام بمحافظة الشرقية في الثاني من أغسطس عام 1913، وكان طفلاً وسيماً متوسط القامة أزرق العينين يشبه والده..
وبعد مولد أحمد فتحي بفترة وجيزة انتقلت أسرته إلى مدينة الإسكندرية بحي الجمرك حيث كان والده يعمل مدرساً بالمعهد الديني بالإسكندرية.
وبالنسبة لميلاد الشاعر أحمد فتحي فقد أكد الشاعر صالح جودت في الكتاب المشار إليه في الفهرس أنه ولد في مدينة الإسكندرية وليس في كفر الحمام كما أكد الأديب محمد محمود رضوان، وقد التحق بالكتاب حيث حفظ القرآن الكريم وجوده.. ثم ما لبثت أسرته أن عادت إلى القاهرة حيث انتقل الوالد ليعمل مدرساً بجامعة الأزهر.. وبالتالي ألحق ابنه بمدرسة العقادين الابتدائية، وأقامت أسرته بشارع "ميدان الموصلي" بقسم الدرب الأحمر بحي الأزهر، ثم التحق أحمد فتحي بالمرحلة الثانوية.
وفي الإسكندرية حيث عادت اسرته إلى هناك مرة ثانية التحق هناك بمدرسة الفنون التطبيقية التي كانت تابعة لجمعية العروة الوثقى. التي تخرج منها في عام 1930، وذهب إلى انجلترا في بعثة دراسية، ولما عاد ألحقه خاله موظفاً بالجمرك..
وعمل أحمد فتحي بهيئة الإذاعة البريطانية ثم عمل بإذاعة المملكة العربية السعودية. وبعد عودته من الرياض عمل صحفياً بجريدة الشعب.. وأصدر خلال حياته ديواناً واحداً بعنوان: "قال الشاعر" في عام 1949، كما انضم إلى جماعة أبولُّو في عام 1934، وكانت أولى قصائده التي بعث بها إلى هذه الجماعة بعنوان: "الوجدان المضطرب".

قصيدته "الكرنك" التي شدى بها الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب

مراجع عن أحمد فتحي:  محمد رضوان، «اعترافات شاعر الكرنك»، الصادر عن المركز القومي للآداب، عام 1987، في سلسلة مواهب.
 كتاب صالح جودت «شاعر الكرنك»،
الجرائد والمجلات المصرية
ملحق
ولد الشاعر احمد فتحي في عام 1913 وكان يتشاءم من ذلك الرقم ويعزو اليه كثيراً من همومه وتعقيدات حياته.. ومن عجب ان يؤرخ الشاعر في قصة رمزية كتبها لأطوار حياته في سن الشباب حيث الفراغ في الوقت، وقدر من حياة ميسورة او شبه ميسورة (كان ابوه عميدا للمعهد الازهري في الاسكندرية وكان خاله عضواً في البرلمان). وفي هذا السياق يعترف الشاعر قائلاً: حين دلفت إلى سن الشباب، واخذت أتناول الحياة من كل جانب، واروي من شبابي ظمأه وجدت اني أسير على مر الأيام في طريق شائك.
وعندما انتقل الشاعر مدرسا في القاهرة تلقفته مغاني العاصمة في دنيا الثلاثينات واحتفلت به منتدياتها ودوائر الفن والثقافة فيها وكانت يانعة مزدهرة في تلك الايام.. هنالك بدأت أشعاره تجد طريقها إلى اسماع الملايين من خلال محطة اذاعة القاهرة.. وغني له مطرب مجيد في تلك الفترة اسمه محمد صادق قصيدة بعنوان (انت) يقول فيها احمد فتحي:
سألتني عنك اشواقي واحلام سهادي
واماني التي تصحبني في كل واد
وفي العهد الذي شهد الشاعر القلق المتوتر أبدا وهو يلقي مراسيه في العربية السعودية حيث ظل يعمل في اذاعة جدة إلى أوائل الخمسينات وقد عاش حياة معقولة ومريحة حين عاد إلى القاهرة في السنوات الأخيرة من عقد الخمسينات وهي الفترة التي أبدع فيها آخر روائعه - قصيدة (انا لن أعود إليك) التي أنشدتها أم كلثوم. هكذا- باختصار شديد- دارت حياة (شاعر الكرنك) أحمد فتحي.. فنان موهوب وشاعر مطبوع.. لكن تقلب الحياة وضعف الإرادة وخطل النظرة إلى البشر والأشياء أوصلته إلى مرارة في النفس وانغماس في معاقرة الشراب إلى حد نال من الإرادة والصحة في آن ولقد حاول الشاعر أن يلخص كل هذه المرارات في أبيات قال فيها:
ماذا أفدت بأشعاري وروعتها
سوى علالة تخليد لآثاري
قصة الأمس
أحمد فتحي
    أنا لن أعود إليك مهما استرحمت دقات قلبي
أنت الذي بدأ الملالة والصدود وخان حبي
فإذا دعوت اليوم قلبي للتصافي لا لن يلبي
٭٭٭
كنت لي أيام كان الحب لي
أمل الدنيا ودنيا أملي
حين غنيتك لحن الغزل
بين أفراح الغرام الأول
٭٭٭
وكنت عيني وعلى نورها
لاحت أزاهير الصبا والفتون
وكنت روحي هام في سرها
قلبي ولم تدرك مداه والظنون
٭٭٭
أنا لن أعود إليك مهما استرحمت دقات قلبي
أنت الذي بدأ الملالة والصدود وخان حبي
فإذا دعوت اليوم قلبي للتصافي لا لن يلبي
٭٭٭
وعدتني الا يكون الهوى
ما بيننا إلا الرضا والصفاء
وقلت لي إن عذاب النوى
بشرى توافينا بقرب اللقاء
٭٭٭
ثم أخلفت وعودا
طاب فيها خاطري
هل توسمت جديدا
في غرام ناضر
٭٭٭
فغرامي راح ياطول غرامي اليه
وانشغالي في ليالي السهد والوجد عليه
٭٭٭
كان عندي وليس بعدك عندي
نعمة من تصوراتي ووجدي
يا ترى ما تقول روحك بعدي
في ابتعادي وكبريائي وزهدي
٭٭٭
عش كما تهوى قريبا أوبعيدا
حسب أيامي جراحا
ونواحا ووعودا
ولياليا ضياعا
وجحودا
ولقاء ورجاء
يترك القلب وحيدا
٭٭٭
يسهر المصباح والاقداح والذكرى معي
وعيون الليل يخبو نورها في أدمعي
يالذكراك التي عاشت بها روحي على الوهم سنين
ذهبت من خاطري إلا صدى يعتادني حينا فحينا
٭٭٭
قصة الأمس أناجيها وأحلام غدى
وأماني حسان رقصت في معبدي
وجراح مشعلات نارها في مرقدي
وسحابات خيال دائم كالأبد
٭٭٭
أنا لن أعود إليك مهما استرحمت دقات قلبي
أنت الذي بدأ الملالة والصدود وخان حبي
فإذا دعوت اليوم قلبي للتصافي لا لن يلبي
++++
قصيدة الكرنك لأحمد فتحي .
حلم لاح لعين الساهر وتهادى في خيال عابرِ
وهفا بين سكون الخاطر يصل الماضي بيمن الحاضر
طاف بالدنيا شعاع من خيال حائر يسأل علن سر الليالي
يا له من سرها الباقي ويالي لوعة الشادي ووهم الشاعر
حين القى الليل للنور وشاحه وشكى الظل إلى الرمل جراحه
با ترى هل سمع الفجر نواحه بين أنغام النسيم العاطر
صحت الدنيا على صبح رطيب وهفا المعبد للحن الغريب
مرهفا ينساب من نبع الغيوب ويناديه بفن الساحر
ها هنا الوادي وكم من ملك صارع الدهر بظل الكرنك
وادعا يرقب مسرى الفلك وهو يستحيي جلال الغابر
أين يا أطلال جند الغابر أين آمون وصوت الراهب
وصلاة الشمس وهمي طار بي نشوة تزري بكرم العاصر
أنا هيمان ويا طول هيامي صور الماضي ورائي وأمامي
هي دمعي وغنائي ومدامي وهي في حلمي جناح الطائر
ذلك الطائر مخضوب الجناح يسعد الليل بآيات الصباح
ويغني في غدو ورواح بين أعصان وورد ناضر
في رياض نضر الله ثراها وسقى من كرم النيل رباها
ومشى الفجر إليها فطواها بين أفراح الضياء الغابر
حلم لاح لعين الساهر وتهادى في خيال عابر
وهفا بين سكون الخاطر يصل الماضي بيمن الحاضر

صالون الشيخلي: المطرب عبد المجيد جدوع وبعض الذكريات
كان شقيقه يصطحبه للسينما لمشاهدة أفلام محمد عبد الوهاب الغنائية المؤثرة، واستطاع أن يحفظ أغانيه بسهولة وأن يرددها مع نفسه وبعض أصدقائه، وفي الأربعينات كان يشترك في الفعاليات المدرسية تحت إشراف رائد التمثيل في العراق الراحل حقي الشبلي، وممن شاركوا في تلك الفعاليات عبد الجبار أمين “وهو مطرب إذاعي” ووديع خونده والدكتور علاء الخالدي.. وعند تخرج وجبة جديدة في كلية الصيدلة دعاه زميله الدكتور علاء الخالدي وطلب منه المشاركة الفنية، فوقف لأول مرة على المسرح.. وأنشد قصيدة “الكرنك” الخالدة لمحمد عبد الوهاب
وشاءت الصدفة أن يزورهم مدير الإذاعة حسين الرحال في دارهم.. وأن يستمع إليه.. فطلب منه الغناء أمام مايكرفون الإذاعة.. ولما كانت فرقة الإذاعة الخاصة لا تجيد أداء أغاني محمد عبد الوهاب وخاصة الطويلة منها.. فقد استعان بفرقة خارجية هي فرقة أخوان الفن وأغلب أعضائها من العازفين الهواة.. كان ذلك عام 1951 وكان في تلك الفترة يلتقي بعدد من الفنانين المعروفين أمثال “ رضا علي، يحيى حمدي، ناظم الغزالي، محمد عبد المحسن، وعبد الجبار أمين”، والذي كان من أشد المعجبين بالموسيقار محمد عبد الوهاب.. ويذكر عبد المجيد جدوع أن رضا علي عند زيارته للدار التي كانوا يلتقون فيها كان يصطحب معه المطربة فائزة أحمد التي غنت له بعض الأغاني المعروفة، وإنه كان يهوى الرسم ويكتب كلمات بعض الأغاني.. وإنه قام بعملية المونتاج لفيلم “وردة” الذي أخرجه الراحل يحيى فائق وصوره كريم مجيد.
وإنه قدم حفلة خاصة لحماية الأطفال في سينما الملك غازي.. تلك أيام مضت ولن تعود ولن تعيش ذكراها إلا في مخيلة  من عاشها وذاق حلوها ومرها..
تمنياتي للفنان عبد المجيد جدوع بالصحة والعمر المديد..
*****
  ----------
 الطبيعة وتشكيل الإحساس الرومانسي في شعر الأمير عبدالله الفيصل !!
----------
د. صابر عبدالدايم
تعد الطبيعة رافداً عميقاً من روافد التجربة الشعرية، وموقف الشعراء منها له عدة اتجاهات، فهناك من يقنع بالوصف الخارجي للطبيعة، وهناك من يشرك الطبيعة معه في إحساسه، وهناك من يندمج فيها اندماجاً كلياً، وهذا الاندماج يسمى: الغناء الوجداني في مشاهد الطبيعة
والرومانسيون يندمجون في الطبيعة، ويتخذون من مشاهدها أدوات فنية لصياغة مشاعرهم، وتبيان مكنونات أنفسهم، وهذا الاندماج كان وراءه هذا الإحساس الادمي بالاغتراب الزماني والمكاني، لذلك ينتاب الرومانسيين حنين جامح إلى الماضي، وإلى الحياة الفطرية النقية بعيداً عن حياة المدنية الزائفة، وقد عبَّر عن ذلك أحد رواد الرومانسيين وهو شاتوبريان قائلاً: "كانت عزلتي التامة بين مشاهد الطبيعة سبب استغراقي في حالة تستعصي على الوصف، فكنت أحس كأنما يسيل في قلبي ما يشبه جداول من سيول بركانية متأججة، وكان يعوزني شيء أملأ به هوة الفراغ في وجودي"(1).
والشاعر "عبدالله الفيصل" في موقفه من الطبيعة لا يكتفي بالوصوف الخارجي، ولا يندمج فيها اندماجاً كلياً، لكن يظل في تعامله معها في مرحلة وسطى، هي استخدام الطبيعة وتوظيفها للإفصاح عن مشاعره. وهو لا يترك الرمز ملغزاً، بل يضيئه بالموازنة بينه وبين ما في الطبيعة من حالات مماثلة. هو يخالف الرومانسيين في أنه يتمتع بسكينة وجدانية يمليها عليه إيمانه بعقيدته التي تحرص على التوازن النفسي للمسلم. فهو "لا يشغلك بفلسفة، ولا يجهدك باستقراء لتفسير معالم الكون، وأحداث الحياة وأسرارها. فهو مطمئن إلى عقيدة راسخة، مرتاح إلى إيمان عميق، لا يرقى إليه شك، ولا تضطرب معه النفس. لا ثورة على قدر، ولا تجديف ولا غضب، إذا حل المقدور وناء بكلكله استجار منه به بالرضا مستعيناً بالذكرى مما أضاع من أمل، وفقد من حب ورغد وهناء"(2).
وقصيدة "البلبل الصامت" تجربة رمزية كان بإمكان الشاعر أن يكثفها ويعطيها أبعاداً أكثر عمقاً، لكنه، كما قلت، يقف عند مرحلة بث الطبيعة مشاعره وآلامه، ولا يصل إلى مرحلة الغناء الوجداني، فالبلبل كان من الممكن أن يكون معادلاً موضوعياً لذات الشاعر المثخنة بآلام الحرمان، والتصادم مع واقع الحياة المتجهم، لكن الشاعر جعل الحزن قريناً له، وحالة مماثلة لحالته الشعورية والنفسية، إنه في مفتتح القصيدة يصور حالة البلبل الشعورية وفي الوقت نفسه يرسم مشهداً كونيا لحالته النفسية، يقول:
آثر الصمت بلبل الأدواح
وتولّى عن روضه الممراح
وغناءُ الهزار عاد بكاء
وجفا حبه لكيد اللاحي
وحين نفكر من خلال الألفاظ، ونحدث في المفردة الشعرية التي استخدمها الشاعر في بناء صورته الشعرية، نتساءل عن حقيقة هذا الصمت، ولماذا فضله البلبل؟ ولماذا تولى عن روضه؟ وما مسببات تحول الغناء إلى بكاء؟ ولماذا البكاء؟ ومن هو ذلك اللاحي؟
إن كل هذه التساؤلات توحي بالكثافة الشعرية في هذين البيتين. فهما مفتاح القصيدة، وإن شئت فقل هما القصيدة كلها، وبعد ذلك يبتعد الشاعر عن دائرة الرمز الشعري إلى دائرة الوضوح. فيخاطب البلبل الصامت مصوراً لنا بعض ما تساءلنا عنه، إنه يفك رموزه السابقة. فالبلبل أليف الشباب والأفراح، والشريك الصدوق في الأتراح وكلمة "الصدوق" توحي بالصدمة العنيفة التي كانت ثمرة تعامل الشاعر مع الآخرين، فما أبعدهم عن دائرة الصدق والتعاطف الإنساني.
ويفصح الشاعر عن مسببات هذه المعاناة في ثلاثة أبيات يتصدرها الاستفهام الدال على فداحة الصدمة والإحساس بالإحباط، وقد تشابهت عليه الأشياء، وتداخلت الأزمنة وغامت أمامه الرؤى، وقد صور ذلك في كثافة تعبيرية بتوظيفه للطبيعة الزمنية متمثلة في آيتي الليل والنهار. فقال متحدثاً عن نفسه بأسلوب الغائب:
كيف يهوى الغناء من قد تحسّى
من أسى الدهر مُتءرعَ الأقداح
ودهتءه بما يروعُ العَوادي
فإذا الليل عنده كالصباح
من أساه ولوعة تتلظى
تركته في عالم الأشباح
وكأن الشاعر بهذه الوسيلة اللغوية "صيغة الغائب" أدخل في تجربته كل حالة مماثلة. وما أكثر هذه الحالات. إنها قصة متكررة في كل زمان وفي كل مكان.
ولا يغفل الشاعر عن قرينه الحبيب "البلبل الصامت"، بل يعود إليه مرة أخرى بعد سفر في زمن الغياب وتنامي التجربة. ونبصر البلبل أمام الشاعر وجهاً لوجه. كأنه يستحثه على معاودة الغناء، ويمكن أن يكون البلبل صوت الشاعر الداخلي وحلمه الطامح إلى افاق أعذب وأندى. إن الشاعر يبرر موقفه الأسيان مخاطباً البلبل مرة ثانية:
فاعذر اليوم ترى من ذهولي
ودع القلب مغرقاً في النواح
فالحياة التي أحب وأهوى
أصبحت كالجحيم ملء جراحي
إن الشاعر هنا يتوق إلى حياة من طراز خاص، ربما تكون الحياة المثالية التي ينشدها الرومانسيون، إنه يتصور أنه في عالم الأشباح، والحياة أصبحت في رؤيته كالجحيم ملء جراحه. وهذا التصور نفسه هو تصور الرومانسيين لعالمهم الذي يعيشونه ورغبتهم في عالم مثالي خال من الشوائب.
فالذهول والنواح، والجحيم والجراح، والأسى، واللوعة، والبكاء، والتشوق إلى بناء عالم جديد، كلها آفاق رومانسية. بل نعثر على هذا المعجم صراحة في قول شاتوبريان: "كان خيالي المتوقد، وحياتي وانفرادي عن الناس سبباً في أني انطويت على نفسي، ولم انطلق فيما حولي، وحين اعوزني الحبيب الحقيقي آثرت بقوى رغباتي الغامضة شبحاً لازمني، وتتضاعف لدي قيود تربطني بالشبح الذي صوره لي خيالي. على أني لا أستطيع أن اتمتع بما لا وجود له. فكنت كمن يحلم بضروب من السعادة لن تتاح له بحال، فيخلق لنفسه حلماً تعادل ملذاته نكال الجحيم"(3).
ويتكرر الإحساس نفسه والتصوير ذاته في قصيدة "أين مني؟"، حيث يتخذ الشاعر من الطائر تجسيداً لغربته فيقول:
يا طيرُ هيّجت آلامي وأشجاني
بما تغنيه من ألحان ولهان
بي مثلُ ما بك من أحزان مغترب
فالكل منا وحيد ما له ثاني
بعثت شكواي ألحاناً مرتلة
وأنت شكواك ترجيع لألحاني
تشكو فراق رفيق كنت تألفه
أما أنا فشكاتي بُعد أوطاني
وهذه القصيدة احتذاء شعوري وفني لقصيدة شوقي حيث يقول مطلعها:
يانائح الطلح أشباه عوادينا
نأسى لواديك أم تأسى لوادينا؟
ومن قبل شوقي يتحدر إلينا صوت مطيع بن إياس مخاطباً نخلتي "حلوان" وهو مغترب:
أسعداني يا نخلتي حلوان
وابكياني من ريب هذا الزمان
ولعمري لو ذُقتما ألم الفُر
قة أبكاكما الذي أبكاني
والحلم لدى الشاعر هو الملاذ إذا ما تجهم الواقع وعزَّت الأماني على التحقق. وهذا ديدن الرومانسيين في الاتكاء على الحلم وتوظيفه أحياناً في صياغة التجارب. والشاعر هنا يسوق استفهامات عديدة، مركزاً على الأماكن التي يشتاق إليها وطنه وهي مسارح ذكرياته، ومغاني آماله وأفراحه، وقد وظف أداة الاستفهام "أين" وكررها ست مرات، مما يفسر لهفته وتحسره، وشعوره الحاد بالغربة المكانية والزمانية، وبعد هذه اللوحات الفنية لمشاهد الحنين يقول الشاعر مخاطباً الطائر في نداء رفيق حان:
إن عزَّ يوماً على الأيام عودتها
فالحلم يا طيرُ أدناها وأدناني
وحين يخاطب الشاعر البلبل أو الطير فإنه لا يبتعد كثيراً عن مخاطبة إيليا أبي ماضي لبلبله "الفيلسوف المجنح"، ولا يبتعد عن صوت عمر أبي ريشة في قصيدته "إلى البلبل". ولا غرابة فدائرة الوجدان مستقرهم والطبيعة كتابهم المفتوح يقرؤون فيه جمال الكون ويستشفون منه أسرار الحياة.
ويوظف الشاعر مشاهد الطبيعة وكائناتها في تصويره لمشاعره من خلال الصورة الشعرية الجزئية، وليس من خلال الصور الكلية الممتدة، حيث تصبح القصيدة كلها صورة شعرية واحدة.
ومن الصور الجزئية ما نبصره في قصيدة "توأم الروح"(4)، حيث يصور أمنياته في النظر إلى هذا الحبيب وسعادة أيامه ولياليه بمن يسعد النظر إلى الأنجم في الليالي الوضاء، والصورة هنا مستمدة من الخيال الرومانسي المحلق في الفضاء الطلق بعيداً عن قيود العالم الأرضي.
وفي قصيدة "منى غدي"(5) يلجأ الشاعر إلى التصوير الحسي موظفاً التشبيه في توصيل مشاعره. ويوصف من يهواه وصفاً حسياً مركزاً على صفات الحس الظاهرة، فيقول:
عيناك عينا مهاة
والشعر كالليل أسودُ
والثغر عقد لآل
ياليتني فيه أُنضَدُ
وهذه التجربة مفعمة بعبق الأمل، وطيوب الاصرار والحبيب هنا يتجاوز الواقع المحسوس ليصبح رغبة في الحياة.ويتنامى هذا الشعور نفسه في قصيدة "حلم الهوى العذري" فيصور حبيبته بأنها ابنة البدر، وأنها ينبوع الشذا، وأن روحها كالسنا، وبعد أوصاف متعددة يجمع هذه الصور الجزئية في لوحة متكاملة قائلاً:
فتحسب أنها شفق
تلفع هالة البدر
والطبيعة النباتية يوظفها الشاعر في تجسيم شعوره تجاه من يحب، وهو في الوقت نفسه يرسم صورة جمالية لهذا المحبوب مازجاً بينه وما في الطبيعة من جمال ساحر باهر يقول:
إن رأيتُ الغصنَ من شو
قي حسبت الغصن قدّك
أو رأيتُ الوردَ صبحا
خلت ذاك الوردَ خدّك
وتوظيف الطبيعة بالأسلوب نفسه يتكرر في قصيدة "أمل المحروم"(6)، حيث يصف المحبوب وصفاً حسياً منطوياً على عاطفة مشبوبة، وحرمان ممتزج بالأمل، يقول:
وقوام يتهادى في الربى
فيقول البانُ ما أهيفهُ
وفم لو قال من ينعته
هو كالعُنّاب ما عَرَّفهُ
وثنايا لؤلؤ مختلف
ألق سبحان من ألَّفهُ
ولم يجعل الشاعر الكائنات الطبيعية هنا مثالاً نحاول الاقتراب من نموذجه مستخدمين التشبيه وسيلة للوصول، بل جعل المحبوب في صورة يعز على الطبيعة أن تصل إليها.ألم يجعل غصن البان في دهشة وعجب من قوام الحبيب؟ والعهد بالشعراء أن يجعل البان نموذجاً أعلى يشبهون به قوام المحبوب!
ألم يتهكم الشاعر على من يشبّه فم الحبيب بالعناب؟ وذلك لأنه في منظور الشاعر أجمل وأروع من ذلك.
ولعمري إن هذا ضرب من التجديد في التصوير الشعري مع احتفاظه بوهج القديم.. وبذلك نجا الشاعر من الوقوع في دائرة التقليد..
وأحياناً تتوقف أحاسيس الشاعر وذكرياته عند ظاهرة طبيعية وواقعية كما في قصيدته "وحي الكرنك" و"على ضفاف النيل"، ولا يصف الشاعر هذه المشاهد والمرائي وصفاً خارجياً تقليدياً، وإنما يوحد بينها وبين مشاعره، فهي مغاني الذكريات، وهي ممتزجة بأحاسيسه تخالط منه اللحم والدم.
يقول الشاعر من قصيدته "وحي الكرنك":
هل تذكرت الذي كان لنا في الكرنك
حين أشهدنا على الحب نجوم الفلك
فكأني لم أمتع بشذى من حسنك
وكأني لم ألج يوماً مغاني عدنك
وفي قصيدة "على ضفاف النيل" يتوارى المكان. وكان بإمكان الشاعر أن يربط بين سحر المكان وسحر المحبوب، بين ظمأ القلب وظمأ الأرض، ويربط بين المشاهد الطبيعية والمكابدات النفسية، لكن الشاعر لاستغراقه في تجربته الذاتية لم تثره المشاهد الخارجية بقدر ما أقضّت مضجعه الذكرى.. فرجع بذاكرته إلى الماضي البعيد، وأخذت الذاكرة تحدق في أطلال الماضي وأصداء الذكريات ترددها الآفاق.
يقول مصوراً محبوبه بالنجم، وبينه وبين هذا النجم كانت المحاورات الدافئة على ضفاف النيل:
يا حبيبي هل نسيت الأمس لما
كنت نجمي بين سُمّار الليالي
وضفاف النيل مهوى حبنا
وعلى شطيه ساعات الوصال
حين ترنو لي بطرف ساحر
ورنت عيني بقلب غير خال
وبعد، فقد كان تعاملي النقدي مع النصوص الشعرية محاولاً استنطاقها مهتدياً بثراء لغتنا وقيمتها الجمالية، ودلالات تراكيبها، وإيحاءات أزمنتها مع عدم الانفصال عن عالم الشاعر وتعامله مع اللغة وخصائصها.
وتبقى معالم فنية كثيرة يمكن أن تستقل بها دراسات فنية أخرى، تحاول سبر أغوار التجربة الشعرية الشاملة لدى الشاعر، وهي "البنية الإيقاعية" و"الصور الشعرية" و"المفارقات اللغوية والشعورية" و"الظواهر الأسلوبية".
وأعتقد أن الشاعر الأمير ما زال يمور وجدانه بالعديد من التجارب الشعرية الندية.. فهو نغم عذب في قيثارة الشعر العربي، له صوته الشعري النافذ إلى أعماق الوجدان الإنساني، في صدق وصفاء، وحب ووفاء، وعمق ونقاء.

*******