العنوان:أداء فريضة الحج فرض على المسلمين المستطيعين) (الكاتب:محمود السيد الدغيم) (ت .م:19-05-1994) (ت .هـ:09-12-1414)(العدد 11415 ، (الصفحة:18) 

العبادات في الديانة الاسلامية السمحاء ثلاثة أنواع: ١ - بدنية روحية محضة، كالصوم والصلاة . ٢ - مالية محضة، كالزكاة والصدقات . ٣ مُركَّبة من النوعين السابقين، كالحج والعُمرة . والحج هو القَصدُ، وقيل هو الزيارة، وقيل:هو اطالة الاختلاف الى الشيء . وقيل:هو العودُ الى الشيء مرةً بعد مرةٍ . وهذه المعاني من حيث اللغة . أما في الشرع:فالحجُّ عبارة عن قصدٍ مخصوصٍ، الى مكانٍ مخصوصٍ، في زمان مخصوص . وغَلَبَ على قصدِ الكعبة للنُّسك المعروف اصطلاحاً . والحِجَّةُ - بالكسر - المَرَّةُ، والقياس الفتح الا انه لم يسمع من العرب، ويدلُّ على ذلك شهر (ذو الحِجَّة، لشهر الحجّ، لأنهم يجرون الفتح، ولسانهم على صيغة المَرَّة، والكسر على النوع . والمناسك أمور الحج، واحِدُها:منَسك، ومنسِك - بالفتح والكسر - والفعل منه:نَسَك . والمصدرُ:النُّسْكُ، بضم النون، وسكون السين . وأصله العبادة، ويُطلق على أمر الحجّ، كما يُطلق على أمر القُربان أيضاً، والنسيكة:الذبيحة، وجمعها:النُّسُك - بضم النون والسين - قال الله تعالى:»ففديةٌ من صيامٍ أو صدقَةٍ أو نُسُكٍ« (سورة البقرة، الآية:196،، والمَنسِك - بفتح السين وكسرها - المذبح، قال الله تعالى:»ولِكُل أمةٍ جعلنا منسكاً« (سورة الحج، الآية:34، . والهَدْيُ:اسم ما يُهدى الى مكة المكرمة للتقرب، ويكون الهدي من شاة، أو بقر، أو بعير، والواحدة هَديةٌ . ويقال:هَدِيٌّ - بالتشديد - على فعيل، الواحدة:هَدِيَّةٌ، والهَديُ:ما يُهدى الى الحرمِ من النَّعَمِ، والنَّعَمُ:واحدُ الأنعام، وهي المال السائمة، وفي القرآن الكريم »ولا تحلِقُوا رؤُوسَكُم حتَّى يَبلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّه« (سورة البقرة، الآية:196، . وليس على أهل مكة المكرمة هدي، وانما الهدي على غيرهم من أهل الآفاق القادمين الى مكة محرِمين بالتَّمَتُّع أو القِران، فان عجز الحاج عن الهدي صام عشرة أيام، ثلاثة في الحج، وسبعة اذا رجع الى أهله . وهدي التَّمَتُّع والقِران لا يجوز ذبحه الا في الحرم، فإذا ذبحه الحاج في غير الحرم كعرفات وجدّة وغيرهما، فإنه لا يجزئه، ولو وزّع لحمه في الحرم، وعليه هدي آخر يذبحه في الحرم سواءً كان جاهلاً أو عالماً . لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحر هَديَه في الحرم، وقال:»خذوا عني مناسككم« . والتَّمَتُّع الكاملُ هو:أن يُحرِمَ الحاج بالحج والعُمرَةِ جميعاً، فيُسمى:مُتَمتِّعاً وقارناً، وفي الحالتين عليه دمٌ، يُسمى:دم التَّمَتُّع، وهو ذبيحة واحدة تجزئ في الأضحية، أو سُبعُ بدنة، أو سُبعُ بقرة، فإن عجز صام عشرة أيام . وللإحرام وقت محدد هو:شوال، وذو القعدة، والعَشرُ الأُوَلُ من ذي الحجة، هذه أشهر الحج، فليس لأحد ان يحرم بالتمتع قبل شوال، ولا بعد ليلة عيد الأضحى . ويبتدئ زمن ذبح الهدي اذا مضى قدر الصلاة من يوم عيد الأضحى بعد ارتفاع الشمس قدر رمح، وينتهي زمن الذبح لهدي التمتُّع بغروب الشمس من اليوم الثالث عشر من ذي الحجة . ومعنى التَّمَتُّع:الترفق، وهو الانتفاق بأداء النُّسكين العُمرة والحجّ في سفر واحد، من غير ان يلمَّ بأهله . وتمتعت بكذا، واستمتعت به، بمعنى واحد، والاسم المُتعة، ومنه:مُتعة الحج لأنه انتفاع . ما هي شرائط وجوب الحج؟ تطرق لهذه المسألة يوسف بن قز أوغلي المعروف بسبط بن الجوزي (ت 654 هـ- 1256 م، في كتابه »ايثار الإنصاف في آثار الخلاف«، كما تطرق لها خاله يوسف بن عبدالرحمن بن الجوزي (656هـ- 1258م، وهذا يعني:ان سبط بن الجوزي ناقش فريضة الحج في سياق مسائل الخلاف، بينما ناقشها خاله يوسف بن الجوزي في سياق المسائل الجدلية . قال سبط بن الجوزي:»الحج واجب على الفور عند الإمام أبي حنيفة - رحمه الله - في الأصحُّ، وهو قول أبي يوسف، حتى يأثم بالتأخير عن أول وقت الإمكان، وهو السنة الأولى عند اجتماع الشرائط، وهو قول الإمام مالك بن أنس، والإمام أحمد بن حنبل - رحمهما الله - وقال الإمام أحمد:على التراخي . وهو قول الإمام الشافعي أيضاً، وهو رواية الإمام أبي حنيفة .  قلنا:ما روي:ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(من ملك زاداً وراحلة تُبلغُهُ البيتَ الحرام فلم يحجّ، فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً، . والفاء للتعقيب، أي عقيب ملك الزاد والراحلة . وعن عمر رضي الله عنه:(لقد هَمَمْتُ بأقوام - وجَدُوا الزاد والراحلة، ولم يحجّوا - ان أخرب عليهم بيوتهم، . وكان كلامه بمحضر من الصحابة من غير نكير« . وقال يوسف بن الجوزي، خال سبط »يَستَدِل - على وجوب الحجّ على الفور - حنبليٌّ بقوله تعالى:»وأتِمُّوا الحَجَّ والعُمرَةَ لِلَّه« (سورة البقرة، الآية:196، . فإذا قيل له:الأمر المطلق لا إشعار فيه بالفور، ولا التراخي، بل الاحتمالان مُتقابلان . أمكنه أن يُسَلَّمَ ذلك، ويُرجِّحَ احتمال الفورِ، بضربٍ من المعنى، وهو ان ترجُّح احتمال الفور أدعى الى الامتثال، وأنفى للفوات - على ما لا يخفى - فيحصلُ ظهورُ أحدِ الاحتمالين المتقابلين، وهو:وجوبُ الفور، بهذه القرينة المعنوية« . وعالج يوسف بن الجوزي هذه المسألة كمثال للنظم الرابع - من أنظمة الاستدلال الخمسة عشر - فقال:»النظم الرابع:التمسك بانتفاء اللازم على انتفاء الملزوم . ومعناه:الاستدلال بانتفاء الأعمِّ على انتفاء الأخصِّ . فإنه يلزم من انتفاء الأعمِّ انتفاء الأخصِّ، ولا يلزم من انتفاء الأخص انتفاءُ الأعم، الا ترى:انه يلزم من انتفاء الحيوان انتفاء الانسان، ولا يلزم من انتفاء الانسان انتفاءُ الحيوان؟ مثاله:استدلال الحنبلي على الشافعي - في بذل الطاعة في الحج - بقوله:انتفى لازمُ وجوبه، فوجب القضاء بانتفاء وجوده، وعليه في تقريره وظيفتان: الأولى:بيان لازم وجوب الحج . والثانية:بيان انتفائه . أما اللازم:فهو (مُلْكُ الزادِ والراحلة، ويدُلُّ على كونه لازماً بدليل الانتفاء حالةُ الانتفاء اذ حقيقة اللازم ذلك . وانتفاء (مُلكِ الزاد والراحلة، في ما نحن فيه ثابتٌ لأن الكلام في مَن لا يملُكُهما . فثبتَ المُدَّعى . والفرق بين اللازم والشرط، كالفرق بين الملزوم والسَّبب« . وبعد ايضاح تقرير مسألة الحج بموجب النظم الرابع شرع يوسف بن الجوزي بالاعتراض على كل نظم من الخمسة عشر نظماً التي ذكرها، فقال في الاعتراض على النظم الرابع، أي:الاعتراض على التمسك بنفي اللازم في بذل الطاعة بالقول:»لا نُسَلِّم انتفاء اللازم وقولكم:اللازم:مُلْكُ الزاد والراحلة عليه كلامان:أحدهما:لا نُسلِّمُ ان اللازم:مُلْكُ الزاد والراحلة، بل القدرة عليهما، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ:ما السبيل - في قوله عز وجل:»وللهِ على الناسِ حجُّ البيت من استطاع اليه سبيلاً« (سورة آل عمران الآية:97،؟ فقال:»من وجد الزاد والراحلة« وفي لفظٍِ آخر:»الزاد والراحلة« ولم يتعرض للمُلك . الثاني:سلمنا كونه لازماً، ولكن لا نُسلم انتفاءَه فإن المُلكَ مُقَدَّرُ الوجودِ لقُربِ حصوله، والمُقَدَّرُ - في الشرع - يعطى حكم المحقق . السؤال الثاني:المعارضة بقوله تعالى:»ولله على الناس حجُّ البيتِ من استطاع اليه سبيلاً« (سورة آل عمران، الآية:97، وهذا مُستطيعٌ بدليل ما سبق، وبضربٍ من المعنى، وهو أنَّا نقول:قادرٌ، فَلزِمَ الحجُّ، كالمالكِ، وتقريره ما سلف . والجوابُ:هو أنّا قد بيَّنَّا انتفاء اللازم . وقولُهم:القدرة هي اللازم - ممنوع، وما استروحوا اليه من صيغة:»من وجد« لا حُجَّة لهم فيه لأنه يتعين تفسيرها بالمُلك لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فسر المفسر بها بالمُلك . فروى الترمذي في صحيحه عن علي - كرم الله وجهه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - »مَن ملك زادً وراحلة تُبلِغُه الى بيت الله الحرام ولم يحج فلا عليه ان يموت يهودياً أو نصرانياً« وذلك موافق للآية، والحقيقة الواحدة لا يكون لها تفسيران مختلفان . فلئن قالوا:أولاً:لا يُحمل المُلك على موضوعه اللغوي، وهو القدرة . وثانياً:نقول بموجبِ الحديث، فإن مَن مَلَكَ ولم يحجّ هذا حكمُه، ولا يلزم ان يكون المُلكُ لازماً . قلنا عن الأول:حملُ المُلكِ في كلام الشارع على غير المُلك الشرعي مرجوحٌ فلا يصارُ اليه . وعن الثاني:ان الخبر مذكور بصيغة مَن، وهي للشرط، والشرط ما يلزم من انتفائِهِ انتفاءُ المشروط، ولا معنى للازم الا هذا . وأما الوجه الثاني:فغير وارد لأنّا قد اثبتنا كون المُلكِ لازماً . والكلامُ فيما اذا انتفى، ويلزم من انتفاء اللازم انتفاء ملزومه لا محالةَ . وجواب المعارضة بالآية:انَّ معنى الاستطاعة:المُلْكُ - على ما سبق - وهو غير موجود ها هنا . وأما المعنى، فمُعارض - في الأصل - بكونه مالكاً، وكفى بذلك فارقاً، والله أعلم« . يتضحُ لنا مما سبق وجوب أداء فريضة الحج على المسلم المستطيع مادياً أما القادر مادياً العاجز بدنياً فيمكنه ان يوكل مسلماً آخراً بالحج نيابة عنه تطوعاً أو مأجوراً . مصادر البحث ١ - ايثار الانصاف في آثار الخلاف، تأليف سبط بن الجوزي الحنفي منشورات دار السلام 1408 هـ- 1987م . ٢ - الايضاح لقوانين الاصطلاح، تأليف الشهيد يوسف بن الجوزي الحنبلي، منشورات مكتبة مدبولي في القاهرة 1414هـ- 1994م . ٣ - المقنع في شرح مختصر الخرقي، لابن البنا، منشورات مكتبة الرشد في الرياض، 1414هـ-1993م . ٤ - طلبة الطلبة، تأليف النسفي، منشورات دار القلم في بيروت، 1406هـ- 1986م . ٥ - أنيس الفقهاء، تأليف قاسم القونوي، منشورات دار الوفاء في جدة 1407هـ- 1987م .    7670 (الحياة، . . . . . . . . . . .عام (العنوان:أداء فريضة الحج فرض على المسلمين المستطيعين) 

thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16430541
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة