العنوان: قراءة في خطاب نجم الدين أربكان في المؤتمر الخامس لحزب الرفاه: العمل على رفع عجز البلديات والقضاء على البطالة والرشوة والفساد
الكاتب: محمود السيد الدغيم
جريدة الحياة العدد: 12304  الصفحة: 18
تاريخ النشر: 12/6/1417 هـ/ 2/11/1996م

Necmettin Erbakan

مَن يكتفي بمتابعة الاحداث بواسطة الاعلام العربي سيحصل على معلومات تشوش أفكاره وتضعف رأيه ورؤيته. ومنذ انتصار الرفاه انتخابياً اخذ الاعلام يدّعي ان أربكان »كوّع«، وحزب الرفاه في السلطة غيره في المعارضة. ان مَنْ تابع الاعلام على الساحات العربية والتركية والعالمية لاحظ هجوماً منسقاً يحاول تعكير المياه. وبعد جولة أربكان الافريقية ترقب متابعو الاعلام عودته وجلوسه على كرسي الاعتراف وسط حصار من القوى السياسية المخالفة له. وصوَّر الاعلام أربكان بصورة الحمل في عرين الضباع. لكنه تجاوز الازمة وفشل دعاة حجب الثقة البرلمانية عن الحكومة. وجاء المؤتمر الخامس لحزب الرفاه ليكرس زعامة نجم الدين أربكان، ويؤكد هوية الحزب وهوية تركيا الاسلامية.  المؤتمر الخامس عقد المؤتمر الخامس لحزب الرفاه في ظروف مصيرية بالنسبة الى الحزب وتركيا، وتميز باعتباره أول مؤتمر لحزب الرفاه بعد تولي زعيمه رئاسة الوزارة، ونيل الحزب أعلى نسبة في مقاعد مجلس الشعب التركي. وجاء انعقاد المؤتمر يوم الأحد ٣١/٠١/٦٩٩١ بعد حملة قادتها الخارجية الاميركية ضد أربكان وزيارته ايران وليبيا وخرقه »قانون داماتو« الاميركي. والتقت الحملة الاميركية مع القوى المحلية على الساحة التركية ولا سيما الثلاثي أجاويد / بايقال / يلماظ. وصب القذافي الزيت على النار بتصريحات تدعو الى قيام دولة كردية في تركيا. عقد المؤتمر الخامس في أنقرة، عاصمة الجمهورية التركية، معقل الرئاسات ومثوى أتاتورك، في ملعب أتاتورك الرياضي، أوسع ملاعب تركيا بناءً. واتخذت الاستعدادات للظهور بمظهر الحاكم لا بمظهر المحكوم. وتابع ملايين الاتراك وقائع المؤتمر الذي بثته التلفزة مباشرة كما بثته الأقنية الفضائية. آلاف الاعضاء كانوا داخل الملعب، رجالاً ونساء، وامتاز المؤتمر بحضور نسائي كثيف، وظهرت بمظهر الوقار وفوق أغطية الرؤوس وضعت أشرطة كتبت عليها عبارات: رفاه، اسلام، أربكان، مجاهد، لا إله إلا الله، وغير ذلك من الشعارات الاسلامية. عشرات الآلاف من اعضاء الرفاه طوقوا الملعب، وتابعوا وقائع المؤتمر عبر الشاشات التي نصبت في حديقة الملعب. وفي الحديقة نصبت خيام كتب عليها »مسجد للرجال« و»مسجد للنساء«. وأدى المسلمون صلاتهم للمرة الاولى حول ملعب أتاتورك. واتخذت الصحف العلمانية من تداول صور خيام المسجد مادة للهجوم على المؤتمر، بدعوى تحول ملعب أتاتورك الى مركز اسلامي. وظهرت في صدر الملعب صورة أتاتورك وصورة السلطان محمد الفاتح وصورة أربكان. وعندما اعلى أربكان المنصة أنشد الحضور نشيد الاستقلال التركي الذي كتبه الشاعر العثماني محمد عاكف أرصوي. وبدأت وقائع المؤتمر بتوجيه التحية الى الحضور والى المواطنين الاتراك وابناء العالم الاسلامي. ثم أعلنت اسماء اعضاء رئاسة ديوان المؤتمر الادارية وهم: رجائي قوطان، مصطفى باش، حسن حسين جيلان، وشرف مالقوج. وترأس المؤتمر الخامس رئيس بلدية اسطنبول رجب الطيب أردوغان، ومعاونه محمد علي شاهين، ومعاونه رئيس بلدية قونيا خليل أورن، وتكلف بمهمة كاتب المؤتمر علي يلماظ أورمك من اسطنبول، ونائب أزمير اسماعيل يلماز، وصديق ألطاي، وعمر خطيب أوغلي، ونال هؤلاء ثقة اعضاء المؤتمر من دون معارضة. وعلى الفور تقدم رجب الطيب أردوغان واعضاء رئاسة ديوان المؤتمر الى المنصة الرئيسية وقدم رجب الطيب جدول الاعمال، وجرت الموافقة على جدول الاعمال، برفع الايدي، وتضمن انتخاب رئيس الحزب والقيادة المركزية والقيادات الفرعية، وتقديم التقرير التنظيمي والتقرير المالي والتقرير السياسي وغير ذلك. وقال أردوغان »ينعقد هذا المؤتمر بعد وصول حزبنا الى رئاسة الحكومة، وهدفنا تحقيق سعادة المواطن، والتفاهم الانساني، عاقدين الأمل على توفيق الله تعالى...«. وبدأ الحضور ترديد نشيد الرفاه: البشارة الرفاه يتقدم. وتعالت الهتافات »لتفتخر تركيا بالمجاهد أربكان«. ووسط التلويح بالاعلام تقدم أربكان الى منصة الخطابة وبدأ خطابه بالقول: »هذا اليوم الذي اشتقتم اليه منذ زمن بعيد قد تحقق. فها هو حزب الرفاه يعقد مؤتمره الخامس في ٣١ تشرين الاول اكتوبر في اكبر صالونات انقرة. انه يوم تاريخي نعيشه. وليكن خيراً لكل مواطن ولجميع اخوتنا المسلمين ولكل الانسانية«. »في هذا الصالون عقدنا مؤتمرنا الثالث تحت شعار الوصول الى السلطة. كما عقدنا المؤتمر الرابع سنة ٣٩٩١ ... والحمد لله ان الله تعالى تقبل دعاءنا ونلنا ما طلبناه منه حيث وفقنا الى استلام زمام الامور«. وتطرق الى انجازات الرفاه في الـ ٠٠٤ بلدية التي نال رئاستها وثقة شعبها. وقال: »اننا نحتفل بالعيد الخامس حيث حققنا بعض آمالنا بعد ٧٢ سنة من الكفاح. ويحتفل معنا ٥٦ مليون مواطن. وابتداء من هذا اليوم ننطلق لنبعث من جديد تركيا كبرى«. وأشار الى انحرافات حزب الشعب الذي استبد بتركيا حتى سنة ٦٤٩١ حيث بدأ نضال تحرر يشبه حرب الاستقلال، وقاد نضال التحرر عدنان مندريس رحمه الله الذي ندعو له بالرحمة حين انقذ البلاد ابتداءً من سنة ٠٥٩١ من ادعياء »دولة الغارديان« وها نحن نرفع راية الكفاح ونحتفل بانطلاق تركيا الحرة بعدما ناضلنا وشكلنا حركة الامة المستقلة ٩٦٩١ وحزب النظام الملي سنة ٠٧٩١ وحزب السلامة سنة ٢٧٩١ وحزب الرفاه سنة ٣٨٩١. سبع وعشرون سنة من العمل ليلاً ونهاراً من اجل تحرير تركيا والعالم الاسلامي وتحقيق السعادة الانسانية للبشرية جمعاء ...«. وأشار الى انتصار قبرص الذي تحقق سنة ٤٧٩١. وذكر ما انجز حين فتحت ٠٥٣ مدرسة شرعية مدارس الائمة والخطباء وعشرة معاهد اسلامية عليا، وثلاثة آلاف كورس لتحفيظ القرآن. كما أشار الى ارساء قاعدة الصناعات التركية، والمشاركة في الفعاليات الاسلامية، وغير ذلك. وأشار الى منجزاته لايقاف الربا وتخفيض الضرائب. وقال: »نحن اليوم نرسي الاساس الصامد لبلدنا وشعبنا. ومهمتنا اصلاح التخريب الذي ألحقه الآخرون بذهنية المواطنين، وأمامنا أربع ساحات للعمل: الأولى المجال الشعبي الاجتماعي، والثانية ساحة البلديات، والثالثة مجلس الشعب، والرابعة الوزارة. وأشار الى الرصيد الشعبي لحزب الرفاه اذ كان منذ ثلاث سنوات ٠٠٠.٦١٨.١ رفاهي، وارتفع العدد حالياً الى أربعة ملايين. وخطتنا المرحلية تأمين ثمانية ملايين منتسب قبل انعقاد المؤتمر السادس. »سنة ٣٨٩١ منعونا من الاشتراك في انتخابات ٤٨٩١ حصلنا على ٤.٤ في المئة، ثم حصلنا في ٧٨٩١ على ٢.٧ في المئة، ثم حصلنا على عشرة في المئة عام ٩٨٩١، وفي ١٩٩١ حصلنا على ٧١ في المئة، وفي ٤٩٩١ نلنا رئاسة بلديات تضم ٥٤ مليون نسمة من أصل ٥٦ مليون نسمة في تركيا. وفي ٥٩٩١ نلنا ٢٢ في المئة، وفي ٦٩٩١ نلنا ٤٣ في المئة. ونحن نفتخر بانتساب مليون امرأة الى حزب الرفاه. فحزبنا أكبر حزب في العالم، وهو حزب العمل والايمان«. وأشار أربكان الى »ان رؤساء بلديات الرفاه الـ ٠٠٤ وجدوا صناديقها خاوية، وعليها ٠٠٤ ترليون ليرة تركية ديون. أما الآن فقد سددت الديون، وانجزت مشاريع بأضعاف ذلك المبلغ. وسبب نجاحنا هو الامانة والغاء الرشوة. عندما استلم الرفاه رئاسة بلدية اسطنبول كانت لا تعرف الا الديون والربا والافلاس. وخلال سنتين ونصف سددت معظم الديون، وقدمت مشاريع خدمات لم تعرفها«. وقدم أربكان أرقاماً بمنجزات بلديات الرفاه. فعلى سبيل المثال انجزت البلديات قبل الرفاه خلال سنة ٤ ملايين متر مربع من الاسفلت، بينما انجزت بلديات الرفاه خلال السنة الاولى ٥٤ مليون متر مربع من الاسفلت، وعبدت في هذه السنة بلديات الرفاه ٥٧ مليون متر مربع من الاسفلت. وتضاعفت خلال سنتين مساحة الطرقات المعبدة ٠٢ مرة في بلديات الرفاه. وشجرت في هذه السنة حدائق مساحتها ٣ ملايين متر مربع«. وهتف أربكان »الارقام تتكلم. الحقيقة تتكلم«. أما شبكة مياه اسطنبول فكان طولها ٠٨١ ألف متر فرفعها الرفاه في السنة الاولى الى مليوني متر، وأصبح طولها الآن ثلاثة ملايين متر. وذكر الخدمات الاجتماعية والمساعدات الاقتصادية التي قدمتها بلديات الرفاه الى المواطنين الفقراء. ورفع كتابين يتضمنان منجزات بلديات الرفاه خلال سنتين. وقال: »ليقرأ الجميع منجزاتنا في ظل القضاء على السرقات والرشوة«. وتحدث عن تطورات بلدية قونيا التي شجرت ٠٠٠.٠٠٢٢.٢ فدان، الى جانب العديد من المنجزات ومنها اعادة بناء وترميم ٥٧٣ أثر سلجوقي. وذكر أربكان ان الرفاه يقدم مساعدات الى ثلاثين ألف تلميذ، ويقيم الملاعب، والمراكز الثقافية. وقال: »ان اسطنبول ستكون عاصمة العواصم في أقرب وقت. وقريباً سينجز الطريق السريع بين اسطنبول وانقرة ليتم قطع الطرق في ساعتين، وما بين أنقرة وقونيا في ساعة واحدة«. كما ذكر عشرات المشاريع في ديار بكر التي شملت مساعدة عشرة آلاف طالب، وتعبيد ٠٠٠.٠٨ متر مربع، والمباشرة بمشاريع الغاز والمياه. وذكر ان بلديات الرفاه انشأت آلاف الافران الآلية لتقديم الخبز للناس بأسعار متهاودة تساوي نصف الاسعار العادية. وذكر ان حكومته اصدرت ثمانية قوانين في آب اغسطس، وانجزت ٣١ معاهدة دولية. وقال ان المجلس في صدد انجاز كل القوانين اللازمة في أقرب وقت. وتعرض أربكان الى القوات المسلحة التركية فأشاد بما يقوم به الجيش من أعمال لحماية البلاد والمواطنين وتطهير البلاد من الارهاب. وذكر ان حكومته قدمت خلال مئة يوم الكثير من الخدمات لملايين المواطنين، وعقدت اتفاقيات ستؤدي الى تحرير الاقتصاد التركي، وتقدم البلاد، وتنظيم كافة أمورها. وأوضح ١١ نقطة يرتكز عليها مخطط الاقتصاد التركي الناجح بعيداً عن الضرائب المجحفة والربا الفاحش والاستغلال والظلم والتضخم والعجز، وبذلك تستعيد تركيا مكانتها الراقية. وقال: »لكل رُقي شروط وأُسس. وتتمتع تركيا بموقع جغرافي محترم، فالى الغرب أوروبا ٠٥٣ مليون نسمة، والى الشرق الجمهوريات الاسلامية، والى الجنوب افريقيا وهنالك قبرص والبلقان والقفقاس، وفي الشمال روسيا وأوكرانيا، وعلاقاتنا جيدة مع الجميع، ونحن نحرص على تحسينها مع كل الدول الاسلامية الشقيقة، واقامة العلاقات الجيدة ستحقق لنا التطور والتقدم«. وأشار الى قضايا المسلمين في البوسنة وقبرص وآذربيجان والشيشان وكشمير وفلسطين. وقال »نحن ندين بشدة العدوان على اشقائنا المسلمين في هذه الاماكن«. وقال أربكان »ان القدس في ضمير بليون ونصف بليون مسلم، وهي أولى القبلتين، ومع ذلك تتمادى اسرائيل ونحن ندين بشدة تجاوزاتها ونطالبها بالتراجع عن تجاوزاتها وما تعمله من انفاق«. وأشار الى زيارته الى دول آسيا وما اسفرت عنه من اتفاقيات رفعت حجم التبادل التجاري السنوي الى تسعة بلايين دولار، كما أشار الى زيارة افريقيا التي رفعت حجم التبادل التجاري الى خمسة بلايين دولار سنوياً. وذكر ان حكومته تخطط لتحقيق تبادل تجاري سنوي قيمته ١٢ بليون دولار قبل بداية العام ٧٩٩١. وبذلك تنقذ الاقتصاد التركي من مصير مهلك. وقال: »هدفنا تحرير الاقتصاد وتحرير الشعب من القمار والجهل والبطالة والفقر والمرض. وقال بعضهم: »اذا جاء الرفاه فلن تجد تركيا ضمانات قروض. لكنهم خابوا. فبالأمس عُرض علينا عشرة عروض لضمانات قروض لمشاريع كلفتها ٠٦ بليون دولار. وبشّروا بحصار اقتصادي عالمي اذا حكم الرفاه فحصل عكس ما يدعون«. وأضاف: »عقدنا اتفاقات اقتصادية في آسيا وافريقيا، وقريباً ان شاء الله سنعقد اتفاقات اقتصادية مع أوروبا وأميركا. فتركيا مركز عالمي، وطريقنا واضح. والذين قابلناهم في آسيا وافريقيا يطمحون الى وجود سياسة عالمية عادلة، خالية من الوصاية والاحتلال، ويطمحون الى تنظيم أمم متحدة نزيهة عن الانحياز«. وتساءل: »ما معنى العلمانية؟ انها احترام الديانات وافساح المجال أمام العقول«. وتساءل أربكان: »أي حزب يراعي العلمانية من دون تزوير؟ حزب الرفاه فقط لا غير«. وعرض أربكان مزايدة اعداء الرفاه في مسألة الاتاتوركية، فقال »اذا كان خصومنا رجالاً فليتفضلوا الى المناظرة. انهم يفسرون الاقوال كما يحلو لهم. ان أتاتورك من سنة ٣٢٩١ حتى ٨٢٩١ اعتمد على النقاط الآتية: تقدير العقل، اتخاذ موقف الحياد المستقل، ووضعه أمانة في رقاب الشباب«. وتساءل أربكان: »مَنْ الذي يقدر العقل والعلم ويحافظ على عَلَم البلاد وحيادها واستقلالها الا حزب الرفاه؟ دعا أتاتورك الى المحافظة على الممتلكات والثروة الوطنية، وهذا ما يفعله حزب الرفاه من دون غيره. دعا أتاتورك الى قيام نهضة صناعية فأنشأ مصانع قيسارية سنة ٧٢٩١م، وجاء حزب الرفاه فقاد الثورة الصناعية في تركيا. وهذا معلوم للجميع. ... والفارق بيننا وبينهم اننا نريد السلم والصداقة في الداخل والخارج وهم يريدون الشغب والفوضى«. وأنهى أربكان كلمته بالتأكيد على عزم حكومته على العمل حتى عام ٠٠٠٢ بالوتيرة نفسها التي عملت بها خلال المئة يوم الماضية، من اجل رفاه تركيا واستقلالها.  37185 الحياة...........عام العنوان: قراءة في خطاب نجن الدين أربكان في المؤتمر الخامس لحزب الرفاه