للقراءة والاستماع والتحميل: برنامج الشعر والغناء، الحلقة: السابعة عشرة. هذه الحلقة حول الشعر المغني للشاعر اللبناني المهجري إيليا أيو ماضي شاعر الطلاسم التي غناها محمد عبد الوهاب، وقصيدة العيد التي غناها ناظم الغزالي. Dr. Mahmoud EL-Saied EL- Doghim, إعداد وتقديم د. محمود السيد الدغيم


هذه الحلقة حول الشعر المغني للشاعر اللبناني المهجري إيليا أيو ماضي
وهذه الحلقة هي الحلقة: 17 من سلسلة برامج الشعر والغناء، ومدة الحلقة: 45 دقيقة
وبثت هذه الحلقة من راديو سبيكتروم بلندن الساعة الثامنة مساء يوم السبت 6/12/1997م وأعيد بثها أكثر من مرة
وقدمت من هذا البرنامج عدة حلقات من إذاعة ام بي سي اف ام، وبثت من البرنامج ثلاثون حلقة من راديو دوتشي فيلي الاذاعة العربية الألمانية، وبثت عدة حلقات من الإذاعة السودانية ، وبثت بعض الحلقات من الإذاعة التونسية، وقدمت لاتحاد الإذاعات العربية ثلاثون حلقة، وبلغ عدد حلقات هذا البرنامج الأسبوعي مئة وعشر حلقات

**

رابط الاستماع والتحميل

اضغط  icon iyliya-Abu-Madi.ram (9.87 MB)  هنا

****

إذا لم تسمعوا الصوت فهذا يعني أن ليس لديكم برنامج ريل بلير، ومع ذلك يمكنكم الاستماع بتشغيل الملف التالي "فلاش" بالضغط على السهم الأبيض وسط المربع الأسود

***
إيليا أبو ماضي شاعر لبناني معاصر من شعراء المهجر في الولايات المتحدة الأمريكية ولد في قرية المحيدثة بناحية بكفاية في بلاد لبنان حوالي عام 1889 وتوفي عام 1957 في نيويورك.
****
نشاته
ولد ابو ماضي في قرية "المحيدثة" من قرى لبنان سنة 1891 وفي احدى مدارسها الصغيرة درس ثم غادرها في سنّ الحادية عشرة إلى الاسكندرية ومنها إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث كان أحد أعضاء الرابطة القلمية البارزين
**
سفره إلى مصر
سافر إلى الاسكندرية سنة 1900 ظل يعمل بمصر في التجارة وكان في أوقات فراغه ينظم الشعر و ينشره في الصحف المصرية حتى أكتملت لديه مجموعة من القصائد جمعها في ديوان طبعه في مدينة الاسكندرية و سماه "تذكار الماضي"
***
هجرته إلى أمريكا
في سنة 1911 قرر مغادرة مصر متجها إلى الولايات المتحدة،استقر بمدينة سنستانى بضع أعوم ثم انتقل إلى نويورك سنة 1916م و أشتغل بالصحافة فأنشأ في 1929 مجلتا سماها السمير أصبحت جريدة يومية التقى بجماعة من رفاقه الأدباء العرب المهجرين و كونوا الرابطة القلمية في 1920 مع الأديب جبران خليل جبران كان لها الفضل في نشر مذهبه الأدبي
***
شعره و تطوره
خلف أبو ماضي تراثا شعريا جيدا بدأ بنشره في الصحف المصرية ثم تابع انتاجه في أمريكا و قد ظهرت دواوينه على النحو التالي
ديوان تذكار الماضي نشره بالأسكندرية عام 1911م
ديوان ايليا أبو ماضي طبع في نويورك عام 1918م
الجداول صدر في نويورك عام 1927م
الخمائل صدر في نويورك عام 1940م و طبع بالمشرق العربي عدة مرات
مجموعة من القصائد متناثرة في بعض الصحف و خاصة صحيفة "العصبة"
تميزت اشعارة بالرقة والعذوبة والحنين إلى الوطن ووصف الطبيعه. قالت عنه فدوى طوقان: «إنني أرفع أبو ماضي إلى القمة ولا أفضّل عليه شاعراً عربياً آخر لا في القديم ولا في الحديث. فالشعر العربي لم يعرف له من نظير.»
***
من شعره
ايهـا الشاكـي ومـا بــك داء
كيف تغـدوا اذا غـدوت عليـلا

ان شـر النفـوس نفـس يـؤوس
يتمنـى قبـل الرحيـل الرحيـلا

ويرى الشوك في الورود ويعمـى
.ان يـرى فوقهـا النـدى اكليـلا

هو عـبء علـى الحيـاة ثقيـل
من يرى في الحيـاة عبئـا ثقيـلا

والـذي نفسـه بغـيـر جـمـال
لايرى في الوجود شيئـا جميـلا
**

كن بلسماً
كـن بـلـسماً إن صار دهرك أرقما
وحـلاوة إن صـار غـيـرك عـلـقما
إن الـحـيـاة حـبـتـك كـلَّ كـنـوزهـا
لا تـبخلنَّ على الحياة ببعض ما
أحـسـنْ وإن لـم تـجـزَ حـتى بالثنا
أيَّ الجزاء الغيثُ يبغي إن همى ؟
مَــنْ ذا يــكـافـئُ زهـرةً فـواحـةً ؟
أو مـن يـثـيـبُ الـبـلـبل المترنما ؟
يـاصـاحِ خُـذ عـلـم الـمـحبة عنهما
إنـي وجـدتُ الـحـبَّ عـلـمـا قـيـمـا
لـو لـم تَـفُـحْ هذي ، وهذا ما شدا
عـاشـتْ مـذمـمـةً وعـاش مـذمـمـا
أيـقـظ شـعـورك بـالـمـحبة إن غفا
لـولا الـشعور الناس كانوا كالدمى
أحبب فيغدو الكوخ كونا نيرا
وابغض فيمسي الكون سجنا مظلما
**
من دواوينه
1/تذكار الماضي
2/الجــداول
3/ الخمائل
4/ تبر وتراب
 5/الغابة المفقودة
 6/الخمائل
***

هدية العيد
أيّ شيء في العيد أهدي
إليك يا ملاكي، وكلّ شيء لديك؟ 
أسوار؟ أم دملجا من نضار؟
لا أحبّ القيود في معصميك 
أم خمورا ؟ وليس في الأرض خمر
كالتي تسكبين من لحظيك 
أم ورودا؟ والورد أجمله عندي
الذي قد نشقت من خدّيك 
أم عقيقا كمهجتي يتلظى؟
والعقيق الثمين في شفتيك 
ليس عندي شيء أعزّ من الروح
وروحي مرهونة في يديك

****

قال السماء كئيبة وتجهما
قال السماء كئيبة ! وتجهما
قلت: ابتسم يكفي التجهم في السما ! 
قال: الصبا ولى! فقلت له: ابتــسم
لن يرجع الأسف الصبا المتصرما !! 
قال: التي كانت سمائي في الهوى
صارت لنفسي في الغرام جــهنما 
خانت عــــهودي بعدما ملكـتها
قلبي ، فكيف أطيق أن أتبســما ! 
قلـــت: ابتسم و اطرب فلو قارنتها
لقضيت عــــمرك كــله متألما 
قال: الــتجارة في صراع هائل
مثل المسافر كاد يقتله الـــظما 
أو غادة مسلولة محــتاجة لدم
و تنفث كلما لهثت دما ! 
قلت: ابتسم ما أنت جالب دائها
وشفائها، فإذا ابتسمت فربما 
أيكون غيرك مجرما. و تبيت في
وجل كأنك أنت صرت المجرما ؟ 
قال: العدى حولي علت صيحاتهم
أَأُسر و الأعداء حولي في الحمى ؟ 
قلت: ابتسم، لم يطلبوك بذمهم
لو لم تكن منهم أجل و أعظما ! 
قال: المواسم قد بدت أعلامها
و تعرضت لي في الملابس و الدمى 
و علي للأحباب فرض لازم
لكن كفي ليس تملك درهما 
قلت: ابتسم، يكفيك أنك لم تزل
حيا، و لست من الأحبة معدما! 
قال: الليالي جرعتني علقما
قلت: ابتسم و لئن جرعت العلقما 
فلعل غيرك إن رآك مرنما
طرح الكآبة جانبا و ترنما 
أتُراك تغنم بالتبرم درهما
أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما ؟ 
يا صاح، لا خطر على شفتيك أنْ
تتثلما، و الوجه أن يتحطما 
فاضحك فإن الشهب تضحك و الدجى
متلاطم، و لذا نحب الأنجما ! 
قال: البشاشة ليس تسعد كائنا
يأتي إلى الدنيا و يذهب مرغما 
قلت ابتسم مادام بينك و الردى
شبر، فإنك بعد لن تتبسما

****

الطلاسم

جئت، لا أعلم من أين، ولكنّي أتيت
 
ولقد أبصرت قدّامي طريقا فمشيت
 
وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت
 
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟
 
لست أدري!
 
أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود
 
هل أنا حرّ طليق أم أسير في قيود
 
هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود
 
أتمنّى أنّني أدري ولكن...
 
لست أدري!
 
وطريقي، ما طريقي؟ أطويل أم قصير؟
 
هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأغور
 
أأنا السّائر في الدّرب أم الدّرب يسير
 
أم كلاّنا واقف والدّهر يجري؟
 
لست أدري!
 
ليت شعري وأنا عالم الغيب الأمين
 
أتراني كنت أدري أنّني فيه دفين
 
وبأنّي سوف أبدو وبأنّي سأكون
 
أم تراني كنت لا أدرك شيئا؟
 
لست أدري!
 
أتراني قبلما أصبحت إنسانا سويّا
 
أتراني كنت محوا أم تراني كنت شيّا
 
ألهذا اللّغو حلّ أم سيبقى أبديّا
 
لست أدري... ولماذا لست أدري؟
 
لست أدري!
 
البحر:
 
قد سألت البحر يوما هل أنا يا بحر منكا؟
 
هل صحيح ما رواه بعضهم عني وعنكا؟
 
أم ترى ما زعموا زوار وبهتانا وإفكا؟
 
ضحكت أمواجه مني وقالت:
 
لست أدري!
 
أيّها البحر، أتدري كم مضت ألف عليكا
 
وهل الشّاطىء يدري أنّه جاث لديكا
 
وهل الأنهار تدري أنّها منك إليكا
 
ما الذّي الأمواج قالت حين ثارت؟
 
لست أدري!
 
أنت يا بحر أسير آه ما أعظم أسرك
 
أنت مثلي أيّها الجبار لا تملك أمرك
 
أشبهت حالك حالي وحكى عذري عذرك
 
فمتى أنجو من الأسر وتنجو؟ ..
 
لست أدري!
 
ترسل السّحب فتسقي أرضنا والشّجرا
 
قد أكلناك وقلنا قد أكلنا الثّمرا
 
وشربناك وقلنا قد شربنا المطرا
 
أصواب ما زعمنا أم ضلال؟
 
لست أدري!
 
قد سألت السّحب في الآفاق هل تذكر رملك
 
وسألت الشّجر المورق هل يعرف فضلك
 
وسألت الدّر في الأعناق هل تذكر أصلك
 
وكأنّي خلتها قالت جميعا:
 
لست أدري!
 
برفض الموج وفي قاعك حرب لن تزولا
 
تخلق الأسماك لكن تخلق الحوت الأكولا
 
قد جمعت الموت في صدرك والعيش الجميلا
 
ليت شعري أنت مهد أم ضريح؟..
 
لست أدري!
 
كم فتاة مثل ليلى وفتى كأبن الملوح
 
أنفقا السّاعات في الشّاطىء ، تشكو وهو يشرح
 
كلّما حدّث أصغت وإذا قالت ترنّح
 
أخفيف الموج سرّ ضيّعاه؟..
 
لست أدري!
 
كم ملوك ضربوا حولك في اللّيل القبابا
 
طلع الصّبح ولكن لم نجد إلاّ الضّبابا
 
ألهم يا بحر يوما رجعة أم لا مآبا
 
أم هم في الرّمل ؟ قال الرّمل إني...
 
لست أدري!
 
فيك مثلي أيّها الجبّار أصداف ورمل
 
إنّما أنت بلا ظلّ ولي في الأرض ظلّ
 
إنّما أنت بلا عقل ولي ،يا بحر ، عقل
 
فلماذا ، يا ترى، أمضي وتبقى ؟..
 
لست أدري1
 
يا كتاب الدّهر قل لي أله قبل وبعد
 
أنا كالزّورق فيه وهو بحر لا يجدّ
 
ليس لي قصد قبل للدهر في سيري قصد
 
حبّذا العلم، ولكن كيف أدري؟..
 
لست أدري!
 
إنّ في صدري، يا بحر ، لأسرار عجابا
 
نزل السّتر عليها وأنا كنت الحجابا
 
ولذا أزداد بعدا كلّما أزددت اقترابا
 
وأراني كلّما أوشكت أدري...
 
لست أدري!
 
إنّني ،يا بحر، بحر شاطئاه شاطئاكا
 
الغد المجهول والأمس اللّذان اكتنفاكا
 
وكلانا قطرة ، يا بحر، في هذا وذاك
 
لا تسلني ما غد، ما أمس؟.. إني...
 
لست أدري!
 
الدير:
 
قيل لي فيالدّير قوم أدركوا سرّ الحياة
 
غير أنّي لم أجد غير عقول آسنات
 
وقلوب بليت فيها المنى فهي رفات
 
ما أنا أعمى فهل غيري أعمى؟..
 
لست أدري!
 
قيل أدري النّاس بالأسرار سكّان الصوامع
 
قلت إن صحّ الذي قالوا السرّ شائع
 
عجبا كيف ترى الشّمس عيون في البراقع
 
والتي لم تتبرقع لا تراها؟..
 
لست أدري!
 
إن تك العزلة نسكا وتقى فالذّئب راهب
 
وعرين اللّيث دير حبّه فرض وواجب
 
ليت شعري أيميت النّسك أم يحيي المواهب
 
كيف يمحو النّسك إثما وهو إثم؟..
 
لست أدري!
 
أنني أبصرت فيّ الدّير ورودا في سياج
 
قنعت بعد النّدى الطّاهر بالماء الأجاج
 
حولها النّور الذي يحي ، وترضى بالديّاجي
 
أمن الحكمة قتل القلب صبرا؟..
 
لست أدري!
 
قد دخلت الدّير عند الفجر كالفجر الطّروب
 
وتركت الدّير عند اللّيل كاللّيل الغضوب
 
كان في نفسي كرب، صار في نفسي كروب
 
أمن الدّير أم اللّيل اكتئابي؟
 
لست أدري!
 
قد دخلت الدّير استنطق فيه الناسكينا
 
فإذا القوم من الحيرة مثلي باهتونا
 
غلب اليأس عليهم ، فهم مستسلمونا
 
وإذا بالباب مكتوب عليه...
 
لست أدري!
 
عجبا للنّاسك القانت وهو اللّوذعي
 
هجر النّاس وفيهم كلّ حسن المبدع
 
وغدا يبحث عنه المكان البلقع
 
أرأى في القفر ماء أم سرابا؟..
 
لست أدري!
 
كم تمارى ، أيّها النّاسك، في الحق الصّريح
 
لو أراد اللّه أن لا تشق الشّيء المليح
 
كان إذ سوّاك بلا عقل وروح
 
فالّذي تفعل إثم ... قال إني ...
 
لست أدري!
 
أيّها الهارب إنّ العار في هذا الفرار
 
لا صلاح في الّذي تفعل حتّى للقفار
 
أنت جان أيّ جان ، قاتل في غير ثار
 
أفيرضى اللّه عن هذا ويعفو ؟..
 
لست أدري!
 
بين المقابر:
 
ولقد قلت لنفسي، وأنا بين المقابر
 
هل رأيت الأمن والرّاحة إلاّ في الحفائر؟
 
فأشارت : فإذا للدّود عيث في المحاجر
 
ثم قالت :أيّها السّائل إني...
 
لست أدري!
 
أنظري كيف تساوى الكلّ في هذا المكان
 
وتلاشى في بقايا العبد ربّ الصّولجان
 
والتقى العشق والقالي فما يفترقان
 
أفبذا منتهى العدل؟ فقالت ...
 
لست أدري!
 
إنّ يك الموت قصاصا، أيّ ذنب للطّهاره
 
وإذا كان ثوابا، أيّ فضل للدعاره
 
وإذا كان يوما وما فيه جزاء أو جساره
 
فلم الأسماء إثم أو صلاح؟.. لست أدري!
 
أيّها القبر تكلّم، واخبرني يا رمام
 
هل طوى أحلامك الموت وهل مات الغرام
 
من هو المائت من عام ومن مليون عام
 
أبصير الوقت في الأرماس محوا؟..
 
لست أدري!
 
إن يك الموت رقادا بعده صحو طويل
 
فلماذا ليس يبقى صحونا هذا الجميل؟
 
ولماذا المرء لا يدري متى وقت الرّحيل؟
 
ومتى ينكشف السّرّ فيدري؟..
 
لست أدري!
 
إن يك الموت هجوعا يملأ النّفس سلاما
 
وانعتاقا لا اعتقالا وابتدا لا ختاما
 
فلماذا أعشق النّوم ولا أهوى الحماما
 
ولماذا تجزع الأرواح منه؟..
 
لست أدري!
 
أوراء القبر بعد الموت بعث ونشور
 
فحياة فخلود أم فتاء ودثور
 
أكلام النّاس صدق أم كلام الناس زور
 
أصحيح أنّ بعض الناس يدري؟..
 
لست أدري!
 
إن أكن أبعث بعد الموت جثمانا وعقلا
 
أترى أبعث بعضا أم ترى أبعث كلاّ
 
أترى أبعث طفلا أم ترى أبعث كهلا
 
ثمّ هل أعرف بعد الموت ذاتي؟..
 
لست أدري!
 
يا صديقي، لا تعللّني بتمزيق السّتور
 
بعدما أقضي فعقلي لا يبالي بالقشور
 
إن أكن في حالة الإدراك لا أدري مصيري
 
كيف أدري بعدما أفقد رشدي...
 
لست أدري!
 
القصر والكوخ:
 
ولقد أبصرت قصرا شاهقا عالي القباب
 
قلت ما شادك من شادك إلاّ للخراب
 
أنت جزء منه لكن لست تدري كيف غاب
 
وهو لا يعلم ما تحوي؛ أيدري؟..
 
لست أدري!
 
يا مثالا كان وهما قبلما شاء البناة
 
أنت فكر من دماغ غيّبته الظلمات
 
أنت أمنية قلب أكلته الحشرات
 
أنت بانيك الّذي شادك لا ... لا...
 
لست أدري!
 
كم قصور خالها الباني ستبقى وتدوم
 
ثابتات كالرّواسي خالدات كالنّجوم
 
سحب الدّهر عليها ذيله فهي رسوم
 
مالنا نبني وما نبني لهدم؟..
 
لست أدري!
 
لم أجد في القصر شيئا ليس في الكوخ المهين
 
أنا في هذا وهذا عبد شك ويقين
 
وسجين الخالدين اللّيل والصّبح المبين
 
هل أنا في القصر أم في الكوخ أرقى؟
 
لست أدري!
 
ليس في الكوخ ولا في القصر من نفسي مهرب
 
أنّني أرجو وأخشى، إنّني أرضى وأغضب
 
كان ثوبي من حرير مذهب أو كان قنّب
 
فلماذا يتمنّى الثوب عاري؟..
 
لست أدري!
 
سائل الفجر: أعند الفجر طين ورخام؟
 
واسأل القصر ألا يخفيه، كالكوخ، الظّلام
 
واسأل الأنجم والرّيح وسل صوب الغمام
 
أترى الشّيء كما نحن نراه؟..
 
لست أدري!
 
الفكر:
 
ربّ فكر لاح في لوحة نفسي وتجلّى
 
خلته منّي ولكن لم يقم حتّى تولّى
 
مثل طيف لاح في بئر قليلا واضمحّلا
 
كيف وافى ولماذا فرّ منّي؟
 
لست أدري!
 
أتراه سابحا في الأرض من نفس لأخرى
 
رابه مني أمر فأبى أن يستقرّا
 
أم تراه سرّ في نفسي كما أعبر جسرا
 
هل رأته قبل نفسي غير نفسي؟
 
أم تراه بارقا حينا وتوارى
 
أم تراه كان مثل الطير في سجن فطارا
 
أم تراه انحلّ كالموجة في نفسي وغارا
 
فأنا أبحث عنه وهو فيها،
 
لست أدري!
 
صراع وعراك:
 
إنّني أشهد في نفسي صراعا وعراكا
 
وأرى ذاتي شيطانا وأحيانا ملاكا
 
هل أنا شخصان يأبى هذا مع ذاك اشتراكا
 
أم تراني واهما فيما أراه؟
 
لست أدري!
 
بينما قلبي يحكي في الضّحى إحدى الخمائل
 
فيه أزهار وأطيار تغني وجداول
 
أقبل العصر فأسى موحشا كالقفر قاحل
 
كيف صار القلب روضا ثمّ قفرا؟
 
لست أدري1
 
أين ضحكي وبكائي وأنا طفل صغير
 
أين جهلي ومراحي وأنا غضّ غرير
 
أين أحلامي وكانت كيفما سرت تسير
 
كلّها ضاعت ولكن كيف ضاعت؟
 
لست أدري!
 
لي إيمان ولكن لا كأيماني ونسكي
 
إنّني أبكي ولكن لا كما قد كنت أبكي
 
وأنا أضحك أحيانا ولكن أيّ ضحك
 
ليت شعري ما الذي بدّل أمري؟
 
لست أدري!
 
كلّ يوم لي شأن ، كلّ حين لي شعور
 
هل أنا اليوم أنا منذ ليال وشهور
 
أم أنا عند غروب الشمس غيري في البكور
 
كلّما ساءلت نفسي جاوبتني:
 
لست أدري!
 
ربّ أمر كنت لّما كان عندي أتّقيه
 
بتّ لّما غاب عنّي وتوارى أشتهيه
 
ما الّذي حبّبه عندي وما بغّضنيه
 
أأنا الشّخص الّذي أعرض عنه؟
 
لست أدري!
 
ربّ شخص عشت معه زمناألهو وأمرح
 
أو مكان مرّ دهر لي مسرى ومسرح
 
لاح لي في البعد أجلى منه في القرب وأوضح
 
كيف يبقى رسم شيء قد توارى؟
 
لست أدري!
 
ربّ بستان قضيت العمر أحمي شجره
 
ومنعت النّاس أن تقطف منه زهره
 
جاءت الأطيار في الفجر فناشت ثمره
 
ألأطيار السّما البستان أم لي؟
 
لست أدري!
 
رب قبح عند زيد هو حسن عند بكر
 
فهما ضدّان فيه وهو وهم عند عمرو
 
فمن الصّادق فيما يدّعيه ، ليت شعري
 
ولماذا ليس للحسن قياس؟
 
لست أدري!
 
قد رأيت الحسن ينسى مثلما تنسى العيوب
 
وطلوع الشّمس يرجى مثلما يرجى الغروب
 
ورأيت الشّر مثل الخير يمضي ويؤوب
 
فلماذا أحسب الشرّ دخيلا؟
 
لست أدري!
 
إنّ هذا الغيث يهمي حين يهمي مكرها
 
وزهور الأرض تفشي مجبرات عطرها
 
لا تطيق الأرض تخفي شوكها أو زهرها
 
لا تسل : أيّهما أشهى وأبهى؟
 
لست أدري!
 
قد يصير الشوك إكليلا لملك أو نبّي
 
ويصير الورد في عروة لص أو بغيّ
 
أيغار الشّوك في الحقل من الزّهر الجنّي
 
أم ترى يحسبه أحقر منه؟
 
لست أدري!
 
قد يقيني الخطر الشّوك الذي يجرح كفّي
 
ويكون السّمّ في العطر الّذي يملأ أنفي
 
إنّما الورد هو الأفضل في شرعي وعرفي
 
وهو شرع كلّه ظلم ولكن ...
 
لست أدري!
 
قد رأيت الشّهب لا تدري لماذا تشرق
 
ورأيت السّحب لا تدري لماذا تغدق
 
ورأيت الغاب لا تدري لماذا تورق
 
فلماذا كلّها في الجهل مثلي ؟
 
لست أدري!
 
كلّما أيقنت أني قد أمطت السّتر عني
 
وبلغت السّر سرّي ضحكت نفسي مني
 
قد وجدت اليأس والحيرة لكن لم أجدني
 
فهل الجهل نعيم أم جحيم؟
 
لست أدري!
 
لذة عندي أن أسمع تغريد البلابل
 
وحفيف الورق الأخضر أو همس الجداول
 
وأرى الأنجم في الظلّماء تبدو كالمشاعل
 
أترى منها أم اللّذة منّي...
 
لست أدري!
 
أتراني كنت يوما نغما في وتر
 
أم تراني كنت قبلا موجة في نهر
 
أم تراني كنت في إحدى النّجوم الزّهر
 
أم أريجا ، أم حفيفا ، أم نسما؟
 
لست أدري!
 
فيّ مثل البحر أصداف ورمل ولآل
 
في كالأرض مروج وسفوح وجبال
 
فيّ كالجو نجوم وغيوم وظلال
 
هل أنا بحر وأرض وسماء؟
 
لست أدري!
 
من شرابي الشّهد والخمرة والماء الزّلال
 
من طعامي البقل والأثمارواللّحم الحلال
 
كم كيان قد تلاشى في كياني واستحال
 
كم كيان فيه شيء من كياني؟
 
لست أدري!
 
أأنا أفصح من عصفورة الوادي وأعذب؟
 
ومن الزّهرة أشهى ؟ وشذى الزّهرة أطيب؟
 
ومن الحيّة أدهى ؟ ومن النّملة أغرب؟
 
أم أنا أوضع من هذي وأدنى؟
 
لست أدري!
 
كلّها مثلي تحيا، كلّها مثلي تموت
 
ولها مثلي شراب ، ولها مثلي قوت
 
وانتباه ورقاد، وحديث وسكوت
 
فيما أمتاز عنها ليت شعري؟
 
لست أدري!
 
قد رأيت النّمل يسعى مثلما أسعى لرزقي
 
وله في العيش أوطار وحق مثل حقي
 
قد تساوى صمته في نظر الدّهر ونطقي
 
فكلانا صائر يوما إلى ما ...
 
لست أدري!
 
أنا كالصّهباء ، لكن أنا صهباي ودّني
 
أصلها خاف كأصلي ، سجنها طين كسجني
 
ويزاح الختم عنها مثلما ينشّق عني
 
وهي لا تفقه معناها، وإني...
 
لست أدري!
 
غلط القائل إنّ الخمر بنت الخابيه
 
فهي قبل الزق كانت في عروق الدّاليه
 
وحواها قبل رحن الكرم رحم الغاديه
 
إنّما من قبل هذا أين كانت؟
 
لست أدري!
 
هي في رأي فكر ، وهي في عينّي نور
 
وهي في صدري آمال ، فوفي قلبي شعور
 
وهي في جسمي دم يسري فيه ويمور
 
إنّما من قبل هذا كيف كانت؟
 
لست أدري1
 
أنا لا أذكر شيئا من حياتي الماضية
 
أنا لا أعرف شيئا من ياتي الآتيه
 
لي ذات غير أني لست لأدري ما هيه
 
فمتى تعرف ذاتي كنه ذاتي؟
 
لست أدري!
 
إنّني جئت وأمضي وأنا لا أعلم
 
أنا لغز ... وذهابي كمجيتي طلسم
 
والّذي أوجد هذا اللّغز لغز منهم
 
لا تجادل ذا الحجا من قال إنّي ...
 
لست أدري!
 

**

التينة الحمقاء
و تينة غضة الأفنان باسقة
قالت لأترابها و الصيف يحتضر 
" بئس القضاء الذي في الأرض أوجدني
عندي الجمال و غيري عنده النظر " 
" لأحبسنّ على نفسي عوارفها
فلا يبين لها في غيرها أثر " 
" كم ذا أكلّف نفسي فوق طاقتها
و ليس لي بل لغيري الفيء و الثمر " 
" لذي الجناح و ذي الأظفار بي وطر
و ليس في العيش لي فيما أرى وطر " 
" إنّي مفصلة ظلّي على جسدي
فلا يكون به طول و لا قصر " 
و لست مثمرة إلا على ثقة
إن ليس يطرقني طير و لا بشر " 
....
عاد الربيع إلى الدنيا بموكبه
فازّينت واكتست بالسندس الشجر 
و ظلّت التينة الحمقاء عارية
كأنّها وتد في الأرض أو حجر 
و لم يطق صاحب البستان رؤيتها
فاجتثّها ، فهوت في النار تستعر 
من ليس يسخو بما تسخو
الحياة به فإنّه أحمق بالحرص ينتحر

**

أم القرى
أبصرتها ، و الشمس عند شروقها
فرأيتها مغمورة بالنار 
و رأيتها عند الغروب غريقه
في لجّة من سندس و نضار 
و رأيتها تحت الدجى ، فرأيتها
في بردتين : سكينة ووقار 
فتنبّهت في النفس أحلام الصبى
و غرقت في بحر من التّذكار 
...
نفسي لها من جنّة خلّابة
نسجت غلائلها يد الأمطار 
أنّى مشيت نشقت مسكا أزفرا
في أرضها و سمعت صوت هزار 
...
ذات الجبال الشّامخات إلى العلا
يا ليت في أعلى جبالك داري 
لأرى الغزالة قبل سكان الحمى
و أعانق النّسمات في الأسحار 
لأرى رعاتك في المروج و في الربى
و الشّاء سارحة مع الأبقار 
لأرى الطيور الواقعات على الثرى
و النحل حائمة على الأزهار 
لأساجل الورقاء في تغريدها
و تهزّ روحي نفحة المزمار 
لأسامر الأقمار في أفلاكها
تحت الظّلام إذا غفا سمّاري 
لأراقب " الدلوار " في جريانه
و أرى خيال البدر في " الدلوار " 
...
بئس المدينة إنّها سجن النّهى
و ذوي النّهى ، و جهنّم الأحرار 
لا يملك الإنسان فيها نفسه
حتّى يروّعه ضجيج قطار 
وجدت بها نفسي المفاسد و الأذى
في كلّ زاوية و كلّ جدار 
لا يخدعنّ الناظرين بروجها
تلك البروج مخابيء للعار 
لو أنّ حاسد أهلها لاقى الذي
لاقيت لم يحسد سوى " بشّار " 
غفرانك اللّهم ما أنا كافر
فَلِما تعذّب مهجتي بالنّار ؟ 
...
 
لله ما أشهى القرى و أحبّها
لفتى بعيد مطارح الأفكار 
إن شئت تعرى من قيودك كلّها
فانظر إلى صدر السّماء العاري 
و امش على ضوء الصّباح ، فإن خبا
فامش على ضوء الهلال السّاري 
عش في الخلا تعش خليّا هانئا
كالطّير ... حرا ، كالغدير الجاري 
عش في الخلاء كما تعيش طيوره
الحرّ يأبى العيش تحت ستار ! 
...
 
شلّال " ملفرد " لا يقرّ قراره
و أنا لشوقي لا يقرّ قراري 
فيه من السيف الصقيل بريقه
و له ضجيج الجحفل الجرّار 
أبدا يرش صخوره بدموعه
أتراه يغسلها من الأوزار ؟ 
فاذا تطاير ماؤه متناثرا
أبصرت حول السفح شبه غبار 
كالبحر ذي التّيار يدفع بعضه
و يصول كالضرغام ذي الأظفار 
من قمّة كالنهد ، أيّ فتى رأى
نهدا يفيض بعارض مدرار ؟ 
فكأنّما هي منبر و كأنّه
" ميراب " بين عصائب الثوّار 
من لم يشاهد ساعة و ثباته
لم يدر كيف تغطرس الجبّار 
ما زلت أحسب كلّ صمت حكمة
حتّى بصرت بذلك الثرثار 
أعددت ، قبل أراه ، وقفة عابر
لاه فكانت وقفة استعبار ! .. 
...
يا أخت دار الخلد ؛ يا أم القرى
يا ربّة الغابات و الأنهار 
لله يوم فيك قد قضّيته
مع عصبة من خيرة الأنصار 
نمشي على تلك الهضاب ودوننا
بحر من الأغراس و الأشجار 
تنساب فيه العين بين جداول
و خمائل و مسالك و ديار 
آنا على جبل مكين راسخ
راس ، و آنا فوق جرف هار 
تهوي الحجارة تحتنا من حالق
و نكاد أن نهوي مع الأحجار 
لو كنت شاهدنا نهرول من علٍ
لضحكت منّا ضحكة استهتار 
الريح ساكنة و نحن نظنّنا
للخوف مندفعين مع إعصار 
و الأرض ثابتة و نحن نخالها
تهتزّ مع دفع النسيم السّاري 
مازال يسند بعضنا بعضا كما
يتماسك الروّاد في الأسفار 
ويشدّ هذا ذاك من أزراره
فيشدّني ذيّاك من أزراري 
حتى رجعنا سالمين و لم نعد
لو لم يمدّ الله في الأعمار 
و لقد وقفت حيال نهرك بكرة
و الطير في الركنات و الأوكار 
متهيّبا فكأنّني في هيكل
و كأنّه سفر من الأسفار 
ما كنت من يهوى السكوت و إنّما
عقلت لساني رهبة الأدهار 
مرّ النسيم به فمرّت مقلتي
منه بأسطار على أسطار 
فالقلب مشتغل بتذكاراته
و الطرف مندفع مع التيّار 
حتى تجلّت فوق هاتيك الربى
شمس الصباح تلوح كالدّينار 
فعلى جوانبه وشاح زبرجد
و على غراربه و شاح بهار 
لو أبصرت عيناك فيه خيالها
لرأيت مرآة بغير إطار 
يمّمته سحرا و أسراري معي
و رجعت في أعماقه أسراري ! .. 
...
إنّي حسدت على القرى أهل القرى
و غبطت حتّى نافخ المزمار 
ليل و صبح بين إخوان الصّفا
ما كان أجمل ليلتي و نهاري

**


بعض شعراء المهجر
القرن التاسع عشر - القرن العشرين
*الرابطة القلمية: جبران خليل جبران - ميخائيل نعيمة - ايليا ابو ماضي - نسيب عريضة - رشيد ايوب - عبد المسيح حداد - ندرة حداد - وليم كاتسليف - وديع باموط - الياس عبد الله
*مدرسة أبولو: ويليام بلاك -
آخرون: امين الريحاني - نعمة الله الحاج
*العصبة الأندلسية: ميشيل نعمان معلوف - فوزي المعلوف - رشيد سليم خوري - شفيق المعلوف - الياس فرحات - عقل الجر - شكر الله الجر - جرجس كرم - توفيق قربان - اسكندر كرباج - نضير زيتون - مهدي سكافي

Launch in external player