للقراءة والتحميل: العٍلم المدون عند حاجي خليفة في كتاب كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون. د. محمود السيد الدغيم، جريدة الحياة؛ العدد:16248. الصفحة: 21 . يوم السبت 17 رمضان المبارك سنة 1428 هـ/ 29 أيلول/ سبتمبر سنة 2007م  *اضغط هنا*

******
لقراءة القسم الأول
اضغط هنا
******
لقراءة القسم الثالث
اضغط هنا
******
لتحميل كتاب كشف الظنون
اضغط هنا
******

رابط قراءة الموضوع في الحياة وورد

اضغط  هنا

****

رابط قراءة الموضوع في جريدة الحياة بصيغة بي دي اف

اضغط icon Ramadan 17- 1428H- 29-09-2007M-P21-Kashf.pdfهنا
العِلمُ الْمُدوَّنُ وموضوعه ومبادئه ومسائله وغايته عند حاجي خليفة في كتاب "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون"

محمود السيد الدغيم

تناول حاجي خليفة العِلمَ المدوَّن وموضوعَه ومبادئه ومسائله وغايته في الفصل الثالث من مقدمة كتاب "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" فقال:
 واعلمْ انَّ لَفْظَ العِلم كما يُطلَقُ على ما ذُكِرَ يُطلقُ على ما يُرادِفه، وهو أسماءُ العلوم المدوَّنةِ كالنحو والفِقه، فيُطلق كأسماء العلوم تارة على المسائل المخصوصة كما يُقالُ: فلانٌ يعلَمُ النحْوَ، وتارةً يطلقُ على التَّصْدِيقاتِ بتلك المسائل ودليلها، وتارةً يطلقُ على الملكة الحاصلة مِن تَكرارِ تلك التصديقات. أي: ملكة استحضارها. وقد تُطلقُ الملكة على التهيؤ التامِّ، وهو ان يكون عندَه ما يكفيه لاستعلام ما يُراد.
والتحقيق: انَّ المعنى الحقيقي للفظ العلم: هو الإدراك. ولهذا المعنى متعلّقٌ هو المعلوم. وله تابعٌ في الحصول يكون وسيلةً إليه في البقاء؛ هو الملكة، فأطلق لفظ العلم على كلٍّ منها؛ إمّا حقيقةً عُرفيّةً واصطلاحيةً، أو مجازاً مشهوراً.
وقد يُطلقُ على مجموع المسائل والمبادئ التصورية، والمبادئ التصديقية، والموضوعات، ومِن ذلك يقولون: أجزاء العلوم ثلاثة.
وقد تُطلقُ أسماءُ العلوم على مفهومٍ كُلِّيٍّ إجمالِيٍّ يُفصَّلُ في تعريفه، فإنْ فَصَّلَ نفْسَهُ كان حدًّا إسْمِيًّا، وإنْ بَيَّنَ لازمَهُ كان رَسْماً اسميًّا.
وأما حَدُّهُ الحقيقيُّ فإنَّمَا هو بتصوُّرِ مسائِلِهِ؛ أو بتصوُّرِ التصديقاتِ بِها، وأمَّا المبادئ وآنِيَةٌ الموضوعات فإنَّمَا عُدَّتْ جُزأً منها لِشِدَّةِ احتياجِها إليها. وفي تحقيق ما ذكرناهُ بياناتٌ ثلاثةٌ
 
البيان الأول: في بحث الموضوع
واعلم ان السعادة الإنسانية لما كانت مَنوطةً بمعرفة حقائق الأشياء وأحوالها بقَدْر الطاقة البشرية، وكانت الحقائق وأحوالها متكثرةً متنوِّعةً تصدَّى الأوائلُ لضبطها وتسهيل تعليمها، فافردوا الأحوالَ الذاتية المتعلقة بشيءٍ واحد؛ أو بأشياء مُتناسبة ودوَّنُوها على حِدَةٍ، وعدُّوها عِلْماً واحداً، وسَمَّوا ذلك الشيء أو الأشياءَ موضوعاً لذلك العِلم، لأنَّ موضوعات مسائلهِ راجعةٌ إليه، فموضوع العلم ما ينحل إليه موضوعات مسائله، وهو الْمُراد بقولهم في تعريفه: بما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية، فصار كل طائفة من الأحوال بسبب تشاركها في الموضوع علما منفردا ممتازا بنفسه عن طائفة متشاركة في موضوع آخر، فثابرت العلوم في أنفسها بموضوعات، وهو تمايزٌ اعتبروه مع جواز الامتياز بشيء آخر كالغاية والمحمول.
وسلكت الأواخرُ أيضاً هذه الطريقة الثانية في علومهم، وذلك أمرٌ استحسنوه في التعليم والتعلُّم؛ وإلإ فلا مانع عقلاً من أنْ يُعَدَّ كلُّ مسألة عِلْما برأسه، ويُفرد بالتعليم والتدوين، ولا مِن أنْ يُعدَّ مسائل متكثرة غير متشاركة في الموضوع علما واحدا يفرد بالتدوين؛ وإنْ تشاركت من وجهٍ آخر؛ ككونها متشاركة في أنها أحكامٌ بأمور على أخرى.
فَعُلِمَ أنَّ حقيقةَ كُلِّ عِلمٍ مُدوَّنٍ المسائلُ المتشاركةُ في موضوعٍ واحدٍ، وأنَّ لكلِّ عِلمٍ موضوعاً، وغايةُ كُلٍّ منهما جِهة واحدة تضبط تلك المسائل المتكثرة، وتُعدُّ باعتبارها عِلْما واحداً، إلاّ أنَّ الأولى جهةُ وحدَةِ ذاتيةِ الموضوع، فيُقالُ في تعريف المنطق مثلاً: عِلْمٌ يُبحثُ فيه عن أحوال المعلومات، وتارةً باعتبار الغاية؛ فيُقالُ في تعريفه: آلةٌ قانونية تعصمُ مُراعاتُها الذِّهْنَ عن الخطأ في الفِكر، ثم انّ الأحوالَ المتعلِّقةَ بشيءٍ واحدٍ؛ أو بأشياء مُتناسبةٍ تناسُباً مُعتدًّا به في أمر ذاتِيّ كالخطِّ والسَّطحِ والجسمِ التَّعليمي، الْمُتَشَاْرِكَةَ في مُطْلَقِ الْمِقدار الذي هو ذاتِيّ لها علم الهندسة، أو في أمرٍ عَرَضِيّ كالكِتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ والقياسِ المتشاركة في كونها مُوْصِلَةً إلى الأحكام الشرعية لعلم أصول الفقه، فتكون تلك الأحوال من الأعراض الذاتية التي تلْحَقُ الماهيّةَ من حيثُ هي؛ لا بواسطةِ أمرٍ أجنبيّ.
واما التي جميعُ مباحثِ العِلم راجعةٌ إليها؛ فهي إمّا راجعة إلى نفس الأمرِ؛ أوْ إلى جُزئِيّ تحتَهُ، كقولنا: الثلاثةُ فرْدٌ. وكقولِنا في الطبيعي: الصُّورةُ تفسِدُ وتخلف بدلا عنه. أو إلى عرضٍ ذاتِيّ له؛ كقولنا: المفرد لعلّه الفردُ، أمّا الأول، أو مركب، وامّا العرَضُ الغريبُ: هو ما يلحق الماهيةَ بواسطةِ أمرٍ عجيبٍ؛ إمّا خارجٍ عنها أعمّ منها أو أخصّ، فالعلومُ لا تبحثُ عنه؛ فلا ينظرُ المهندسُ في أنَّ الخطّ المستديرَ أحسنُ أو المستقيمَ؛ ولا في الدائرة نظير الخط المستقيم؛ أو ضدّه؛ لأنَّ الْحُسْنَ والتضادَّ غريبٌ عن موضوع عِلمهِ، وهو المقدارُ؛ فإنّهما يلحقان المقدارَ لا لأنّه مِقدارٌ؛ بلْ لِوصفٍ أعمّ منه؛ كوجودِهِ، أو كعدَمِ وجُوده، وكذا الطبيبُ لا ينظرُ في أنَّ الْجُرْحَ مُستديرٌ، أمْ غيرُ مستديرٍ لأنَّ الاستدارةَ لا تلحقُ الجسمَ من حيثُ هو جَريْحٌ بلْ لأمرٍ أعمّ منه؛ كما مرَّ.

وإذا قال الطبيب: هذه الجراحة مستديرة، والدوائر أوسع الأشكال، فيكون بَطِيء الْبُرْءِ لم يكن ما ذكره من عِلمه، ثم اعلمْ أنَّ موضوعَ علمٍ يجوز أنْ يكون موضوع علمٍ آخر، وأنْ يكونَ أخصّ منه، أو أعمّ، وأنْ يكون مُبايِناً عنه، لكن يندرجان تحت أمرٍ ثالثٍ، وأنْ يكون مُبايناً له غير له مندرجين تحت ثالثٍ لكن يشتركان بوجهٍ دوْن وجهٍ، ويجوز أنْ يكونا مُتباينين مُطلقاً.

فهذه ستة أقسام، والأول: أن يكون موضوعُ عِلمٍ عَيْنَ موضوعٍ أخر، فيُشترَطُ أنْ يكونَ كُلٌّ منهما مُقيَّداً بقيدٍ غير قيدِ الآخر، وذلك كأجرامِ العالم، فإنّها من حيثُ الشكل موضوعُ الهيئة، ومن حيثُ الطبيعة موضوعٌ لِعِلْمِ السماء، والعالَمِ الطبيعي، فافترَقا بالْحَيْثِيَّتَينْ، ثُمَّ ان اتَّفق ابحاثُ بعض المسائل فيها بالموضوع والمحمول، فلا بأسَ به، إذ يختلِف بالبراهين كقولهم: بأنّ الأرضَ مستديرة، وهي وسط السماء في الصُّوَرِ والمعاني، لكنَّ البرهانَ عليهما من حيثُ الهيئة غيرُ البرهان من جهة الطبيعي.
الثاني والثالث: أنْ يكونَ موضوعُ عِلمٍ أخصّ من عِلم آخر أعمّ منه فالعُمومُ والْخُصوصُ بينهما إمّا على وَجْهِ التحقيق بأنْ يكون العُمومُ والخصوصُ بأمرٍ ذاتيّ له، مثل كون العامّ جِنْساً لِلخاصّ، أو أمرٍ عَرَضِيٍّ.
فالأول: كالمقدار، والجسم التعليمي، فإنّ الجسمَ التعليمي أخصُّ، والمقدارَ جنسٌ له، وهو موضوعُ الهندسة، والجسم التعليمي موضوع المجسمات، وكموضوع الطب، وهو بدن الإنسان، فإنه نوعٌ من موضوع العِلم الطبيعي، وهو الجسم المطلق.
والثاني: كالْمَوجود والْمِقدارِ فإنَّ الموجودَ: موضوعُ العِلم الإلهي، والمقدارَ: موضوعُ الهندسة، وهو أخَصُّ من الموجود؛ لا لأنّه جِنسُهُ، بلْ لكونه عرضاً عامًّا له.
الرابع: أنْ يكون الموضوعان مُتباينين، لكن يندرجان تحت أمرٍ ثالثٍ كموضوع الهندسةِ والحسابِ، فإنّهما داخلان تحت الْكَمِّ فيُسمَيَان مُتساويين.
الخامس: أنْ يكونا مُشتركين بوجهٍ دُوْنَ وجهٍ مثل موضوعَيّ الطبِّ والأخلاقِ، فإنَّ لِمَوضوعَيْهِما اشتراكاً في القُوى الإنسانية.
السادس: أنْ يكونَ بينهما تبايُنٌ، كموضوع الحساب والطبِّ، فليس بَيْنَ العَددِ وبَدَنِ الإنسان اشتراكٌ، ولا مُساواةٌ.
تنبيه: اعلم أنَّ الموضوعَ في عِلمٍ لا يُطلبُ بالْبُرهانِ لأنَّ المطلوبَ في كُلِّ عِلمٍ هي الأعراضُ الذاتيةُ الموضوعةُ، والشيءُ لا يكونُ عرَضاً ذاتيًّا لنفْسِه بلْ يكونُ إمّا بَيِّناً أوْ مُبَرْهَنًا عليه في عِلمٍ آخر فوقه بحيثُ يكون موضوعُ هذا العِلمِ عرِضاً ذاتيًّا لموضوعِهِ إلى أنْ ينتهي إلى العِلمِ الأعلى الذي موضوعُهُ موجودٌ لكنْ يجبُ تَصَوُّرُ الموضوع في ذلك العِلم، والتصديقُ بأهلِيَّتِهِ بوجهٍ ما، فكَوْنُ عِلْمٍ فوْقَ عِلمٍ أو تَحْتَهُ مرجِعهُ إلى ما ذَكَرْنا؛ فافْهَمْ

****

وقبل هذا الموضوع  يرد موضوع آخر

*******

تعريف العلم وإيضاح ماهيته عند حاجي خليفة في كتاب "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون"

محمود السيد الدغيم

ألّفَ العالِمُ العاملُ حاجي خليفة كتاب "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" وتطرق في مقدمته للبحث في علوم زمانه وماهياتها، وذلك تحت عنوان: المقدمة في أحوال العلوم وفيها أبواب وفصول، فقال: "الباب الأول في تعريف العلم، وتقسيمه، وفيه فصول في ماهيته، واعلم انه اختلف في أنّ تصوّر ماهية العلم المطلق.
هل هو ضروري؟
أو نظري يعسر تعريفه؟
أو نظري غير عسير التعريف؟
والأول: مذهب الإمام الرازي.
والثاني: رأي إمام الحرمين الجويني والغزالي.
والثالث: هو الراجح، وله تعريفات:
التعريف الأول: اعتقاد الشيء على ما هو به. وهو مدخولٌ لدخول التقليد المطابق للواقع فيه، فَزِيْدَ قيدٌ عن ضرورة أو دليل، لكن لا يمنع الاعتقاد الراجح المطابق؛ وهو الظنّ الحاصل عن ضرورةٍ أو دليل.
الثاني: معرفة العلوم على ما هي به وهو مدخولٌ أيضا لخروج علم الله تعالى إذ لا يسمي معرفة، ولذكر المعلوم، وهو مشتق من العلم؛ فيكون دورا، ولأن معنى على ما هو به؛ هو معنى المعرفة، فيكون زائدا.
الثالث: هو الذي يوجب كون من قام به عالما وهو مدخول أيضا لذكر العالم في تحري العلم، وهو دَوْرٌ.
الرابع: هو إدراك المعلوم على ما هو به، وهو مدخول أيضا لما فيه من الدور والحشو كما مرَّ، ولأن الإدراكَ مجازٌ عن العلم.
الخامس: هو ما يصحُّ مِمَّنْ قام بإتقان الفعل وفيه: انه يدخل القدرة، ويخرج علما، إذ لا مدخل له في صحة الإتقان، فان أفعالنا ليست بايجادنا.
السادس: تبيين المعلوم على ما هو به، وفيه الزيادة المذكورة والدور مع ان التبيين مشعر بالظهور بعد الخفاء، فيخرج عنه علم الله تعالى.
السابع: إثبات المعلوم على ما هو به، وفيه الزيادة والدور، وأيضا الإثبات قد يطلق على العلم تجوُّزا، فيلزم تعريف الشيء بنفسه.
الثامن: الثقة بان المعلوم على ما هو به، وفيه الزيادة والدور مع انه لزم كون البارئ واثقا بما هو عالم به، وذلك مما يمتنع إطلاقه عليه شرعا.
التاسع: اعتقاد جازم مطابق لموجب، اما ضرورة أو دليل، وفيه انه يخرج عنه التصوير لعدم اندراجه في الاعتقاد مع انه علم، ويخرج علم الله تعالى لأن الاعتقاد لا يطلق عليه، ولأنه ليس بضرورة أو دليل، وهذا التعريف للفخر الرازي؛ عرفه به بعد تنزله عن كونه ضروريا.
العاشر: حصول صورة الشيء في العقل، وفيه انه يتناول الظن؛ والجهل المركب؛ والتقليد والشك والوهم. قال ابن صدر الدين: هو أصحُّ الحدود عند المحققين من الحكماء؛ وبعض المتكلمين.
الحادي عشر: تمثل ماهية المدرَك في نفس المدرِك، وفيه ما في العاشر، وهذان التعريفان للحكماء مبنيان على الوجود الذهني؛ والعلم عندهم عبارة عنه، فالأول يتناول إدراك الكليات والجزئيات؛ والثاني ظاهره يفيد الاختصاص بالكليات.
الثاني عشر: هو صفة توجب لمحلها تمييزا بين المعاني لا يحتمل النقيض، وهو الحدُّ المختار عند المتكلمين؛ إلا أنه يخرج عنه العلوم العادية كعلمنا مثلا بان الجبل الذي رأيناه فيما مضى لم ينقلب الآن ذهبا، فإنها تحتمل النقيض لجواز خرق العادة، وأُجيبَ عنه في محله، وقد يُزادُ قيدٌ بين المعاني الكلية، وهذا مع الغنى عنه يُخرِجُ العِلمَ بالجزئيات.
وهذا هو المختار عند من يقول: العلم صفة ذات تعلق بالعلوم.
الثالث عشر: هو تمييز معنى عند النفس تمييزا لا يحتمل النقيض، وهو الحدُّ المختار عند مَن يقول من المتكلمين: إن العلم نفس التعلق المخصوص بين العالم والمعلوم.

الرابع عشر: هو صفة تجلَّى بها المذكورُ لِمَنْ قامت هي به. قال العلامة الشريف الجرجاني: وهو أحسن ما قيل في الكشف عن ماهية العلم، ومعناه: انه صفة يكشف بها لِمَن قامت به ما مِن شأنِهِ أن يذكر انكشافا تاما لا اشتباه فيه.

والخامس عشر: حصول معنىً في النفسِ حُصولاً لا يتطرّق عليه في النفس احتمالُ كونهِ على غير الوجه الذي حَصَلَ فيه؛ وهو لسيف الدين لآمُديّ، قال: ونعني بحصول المعنى في النفس تَمَيُّزَهُ في النفس عمّا سِواه، ويُدخلُ فيه العِلم بالإثبات والنفي؛ المفرد والمركب؛ ويُخرِجُ عنه الاعتقادات؛ إذ لا يبعُدُ في النفس احتمالُ كونِ الْمُعتَقَدِ والْمَظنونِ على غير الوجه الذي حصَلَ فيه. انتهى.
 
الفصل الثاني فيما يتصل بماهية العلم من الاختلاف والأقوال
 
واعلم انه اختُلِفَ في أنَّ العِلم بالشيء هل يستلزمُ وجُودَهُ في الذهن؛ كما هو مذهب الفلاسفة؛ وبعض المتكلمين، أو هو تعلُّق بين العالم والمعلوم في الذهن؛ كما ذهب إليه جمهور المتكلمين.
ثم انه على الأول: النزاع في إننا إذا علمنا شيئا فقد تحققت أمور ثلاثة: صورة حاصلة في الذهن. وارتسام تلك الصورة فيه. وانفعال النفس عنها بالقبول. فاختُلِفَ في أنَّ العِلمَ؛ أيُّ هذه الثلاثة؟
فذهب إلى كل منها طائفةٌ، ولذلك اختُلِفَ في أنَّ العِلم هل هو من مقولة الكيف؟ أو الانفعال؟ أو الإضافة؟. والأصحُّ أنَّه من مقولة الكيفِ على ما بُيِّنَ في محلِه.
ثم اعلمْ انّ القائلين بالوجود الذهني مِنهمْ مَنْ قالَ: إن الحاصل في الذهن إنما هو شَبَحٌ للمعلوم وظِلٌّ له مُخالِفٌ إياهُ بالماهيةِ غايَتُهُ انّه مَبدأٌ لانكشافِهِ؛ ولكنَّ دليل المبحث لو تمَّ لدَلَّ على أنَّ لِلمعلومِ نَحْواً آخر مِن الوجود لا كَشَبَحِهِ المخالفِ له بالحقيقة.
ومنهم مَن قالَ: الحاصل في الذهن هو نفْسُ ماهية المعلوم لكنها موجودةٌ بوجود ظل غير أصلي، وهي اعتبار هذا الوجود؛ تسمى صورة، ولا تترتَّبُ عليها الآثار؛ فهذه الصورةُ إذا وُجِدَتْ في الخارج كانتْ عَيْنَ الْعَيْنِ، وإذا وُجِدت في الذهن كانت عينَ الصورة، أي: شبحٌ قائمٌ بنفس العِلم به ينكشِفُ المعلومُ، وهي العلم، وذو صورة، أي: ماهية موجودة في الذهن غير قائم به؛ وهي المعلوم.
وهما متغايران بالذات، فعَلَىْ رأي القائلين بالشَّبَح يكون العلم مِن مقولة الكيف بلا إشكال؛ مع كون المعلوم: مقولة الجوهر؛ أو مقولة أخرى؛ لاختلافهما بالماهية.
 واما على رأي القائلين بحصول الماهيات بانفسها في الذهن؛ ففي كونه منها إشكالٌ مع إشكالِ اتحادِ الجوهر والعَرَض بالماهية؛ وهما متنافيان. وأجاب عنه بعض المحققين: بأن العلم من كل مقولة من المقولات، وأنَّ عدَّهُم العِلم مُطلقاً من مقولة الكيف؛ إنما هو على سبيل التشبيهِ. ويردُّ على انه يصدق على هذا تعريف الكيف على العلم، فيكون كيفاً، وبعضُ المدققين جوَّزَ تبدُّلَ الماهية بأنْ يكونَ الشيءُ في الخارج جوهراً، فإذا وُجِدَ في الذهن انقلبَ كيفاً؛ كالمملحة التي ينقلب الحيوانُ الواقعُ فيها مِلحاً، وهو مبحثٌ مشهورٌ وسنقِفُ على ما فيه مِنَ الرسائل إن شاء الله تعالى.
***

Launch in external player